في مسألة تعديل عقود الغاز المصدر يمكن الاعتماد على قاعدة أمريكية تم سنها من قبل عند غزو الولايات لمتحدة للعراق، حينما قامت أمريكا بنقض كل الاتفاقيات التي قام بها نظام صدام حسين مع شركات صينية وروسية لاستخراج النفط، وقامت بعملية" ترسية للمزادات" لحقول النفط العراقية على شركات أمريكية وبريطانية بالأساس، بهذا الموقف وضعت أمريكا قاعدة تغيير شكل الاتفاقيات التي يقوم بها نظام استبدادي ( بعيدا عن توصيف نظام صدام من عدمه) عند تغييره بثورة أو ما شابه".وهو ما سيوفر لمصر على الأقل من 15 إلى 20 مليار جنيه سنويا—وهو تقدير متدني للغاية—ولدى مصر كل الحق في تعديل هذه الاتفاقيات والعقود حتى ولو لجأت هذه الدول إلى لجنة التحكيم بالبنك الدولي. جاء ذلك في ورشة عمل " برلمان ما بعد الثورة و التحديات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية" والتي أقيمت بمنتدى البدائل العربي للدراسات يوم الإثنين 21 مارس 2012، الندوة ناقشت أهم الإشكاليات الجوهرية والتحديات التي تواجه عملية التحول الديموقراطي في مصر. في البداية ناقش الدكتور أحمد السيد النجار، الخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في ورقته أهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البرلمان، واللجنة التأسيسية لوضع الدستور التي ستضع دستوراً تحدد به المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة والأمة المصرية. النجار تحدث عن الأفضل لمصر اقتصادياً هو "نظام اقتصادي مختلط"، بمعنى أن يكون هناك قطاع عام، وقطاع خاص "حر تماماً" يقوم بإنشاء مجموعات صغيرة وكبيرة، فيما تهتم الدولة بإنشاء المشروعات الكبيرة والاستراتيجية، والمشروعات التي لايستطيع القطاع الخاص تحمل الدخول فيها. تحدث النجار عن أن نظام مبارك اقتصاديا، كان متصف بأمرين هما انتهاك الموارد، والديون التي كبلت الاقتصاد المصري، فمن ناحية ما زالت مصر تدفع 207 مليار جنيه فوائد وديون مبارك من موازنة 2011-2012، حيث يصل حجم الدين الداخلي إلى 1133 مليار جنيه! ومن ناحية أخرى تم جرف الموارد الأساسية للاقتصاد المصري من ذهب وغاز وتربة وأراضي في عصر"مبارك"، وهو ما يحتم—وفقا للنجار—أن يتم تضمين مواد دستورية تحفظ للأجيال القادمة حق الانتفاع بالموارد الطبيعية من خلال عمل مشاريع تحفظ أصول هذه الموارد للأجيال القادمة، وتدر دخلاً على الجيل الحالي. الكارثة التي كشف عنها النجار، هي أن الثروة المصرية من الموارد الطبيعية تم الاستيلاء عليها بحكم مرحلة "التخلف" و"التبعية" التي تعيشها مصر منذ أواخر السبعينات، حيث يقول أن نسبة تقترب من 40 % من الغاز والنفط تذهب للشركات الغربية—بالخصوص أمريكية—وأن ثلثي ما يستخرج من ذهب منجم السكري ( المنجم الرئيسي لاستخراج الذهب في مصر، وسادس أكبر منجم ذهب على مستوى العالم) يذهب لشركة أجنبية وهي شركة"ستامين"الأسترالية. يضيف النجار قائلاً:" يصل بنا العجز عن القيام باستخراج الذهب كما فعل الفراعنة منذ ما يزيد عن 3500 سنة،، ويقوم بهذه المهمة شركة أجنبية تحصل على نصف احتياطنا من الذهب مقابل "التخلف" و"التبعية"؛ والأمر ليس مرده فقط الجهل، ولكنه مرده بالأساس الفساد المتمثل في عمولات يحصل عليها رجال إدارة مصريون، ثم أن توكيل الاستخراج لشركة مصرية يخضع هذه الشركة للرقابة، فيما لا يخضع المستثمر الأجنبي لأية رقابة، وهو أمر لا يريده مجموعة من الفاسدين!". أكَّد النجار أن "النهب الاستعماري لمصر خلال ثلاث سنوات فقط (2008-2009-2010) وصل ل 86 مليار دولار ما بين أموال وموارد تم هدرها في صورة غاز أو ذهب أو نفط تم بيعه برخص التراب".ثم ربط النجار بين ما خرج من أموال إلى الخارج وما دخل إليها قائلاً:" خلال الثلاثة سنوات (من 2008 حتى2010) 22,6 مليار دولار تشمل استثمارات أجنبية وأموال معونات أمريكية وأوروبية بالإضافة للمعونات العسكرية، وكل ذلك كمقابل واضح للتبعية والتخلف". ويواصل النجار صدماته لحضور الورشة حينما يقول أن المسيطر على سوق استخراج البترول المصري شركات أمريكية وأوروبية، وأن مصر كانت تمتلك قديما شركة استخراج كانت قد بدأ تشغيلها مع شركات هندية وصينية وبرازيلية في الستينات لكنها توقفت، فيما تقدمت هذه الشركات وصارت من كبرى شركات العالم في استخراج النفط. ثم تحدث النجار عن أهم معالم الاقتصاد المصري الذي يود أن يراه بعد الثورة والذي يتمثل في وجود شريحة عليا من الضرائب تطبق على من أصحاب الدخول العليا، وأن تتغير هذه النسب سنوياً بربطها مع زيادة معدلات التضخم، وأن يتم فرض مواد دستورية تحمي المجموعات الأكثر فقراً من خلال الموارد الطبيعية والمشروعا العامة للدولة، مثل قناة السويس التي تدر دخلاً على الدولة يقدر ب30 مليار جنيه سنوياً، والمحطة الكهربائية الكبيرة في السد العالي والتي تدر دخلا لا يقل عن 20 مليار جنيه سنوياً. ثم أكمل النجار حديثه حول أهمية احترام فكرة "حقوق الأفراد" بتوفير حد أدنى من الحياة الكريمة، وذلك بتوفير الدولة حق العمل لمواطنيها من خلال دعم فرص العمل، وتوفير"حضَّانات مشاريع"، ودعم المستثمرين الصغار في مشاريعهم بالداراسات والتسويق، والقروض ذات الفائدة التي لا تزيد عن 2%، ثم بوضع هيكل للأجور يتواجد فيه حد أدنى واقصى للأجور، بحيث يصبح الحد الأقصى ( الأجر هنا يشمل كل الدخل وليس المرتب الأساسي) من 15 إلى 20 ضعف الحد الأدنى. يكشف النجار عن أن هناك فساد كبير في هيكل الأجور في مصر، حيث يتحدث عن مديرين تنفيذيين تتجاوز سنين خدماتهم أكثر من 30 عاماً ومرتبهم مع الحوافز كاملة لا يتجاوز 1200 جنيه، في الوقت الذي يتقاضى فيه موظفين كبار داخل الحكومة مرتبات تتجاوز النصف مليون جنيه شهريا، وضرب مثالا بمنال علي سكرتيرة يوسف بطرس غالي التي كانت تتقاضى نصف مليون جنيه شهريا ( وفي بعض الشهور كان يتجاوز مرتبها المليون جنيه) قبل أن يتم طردها عن طريق سمير رضوان، وزير المالية السابق( وهو حديث رواه الوزير سمير رضوان شخصياً للنجار). ثم أكد النجار عن أهمية أن يتقاضى الموظفون بالدولة مرتباتهم وفقاً للتوصيف الوظيفي في كل قطاعات الدولة العامة، ويمكن فقط أن تزيد النسبة—وفقا للنجار—ل10 أو 20 أو بحد أقصى 30% لكن أن يزيد الضعف ل 1000% هو أمر غير مقبول. النقطة النوعية التي أشار إليها النجار وهي أن زيادة الدعم، وتحسين هيكل لأجور، وتحسين وضعية الفقراء، وتقديم"معونة بطالة" للعاطلين، كل هذه الأمور يمكن توفير أموالها عن طريق الضرائب التصاعدية، وفرض ضرائب على أرباح"الأعمال الطفيلية" مثل البورصة والعقارات، ووقف المد لمن هم فوق الستين، وإنهاء خدمات استشاريي الوزراء والمحافظين، ثم يضيف قائلاً:" هناك 220 ألف مستشار وموظفين فوق الستين رواتبهم تتعدى ال 18 مليار جنيه، وأن الذي تحتاجه الدولة كي تقوم بتعديل نظام الأجور لا يزيد عن 40 مليار جنيه". ثم تحدث النجار عن أن إجمالي الدعم الذي توفره الدولة يصل ل 75 مليار جنيه، يذهب منها 20 مليار فقط للفقراء والطبقة المتوسطة، فيما يذهب أغلبها للرأسماليين والطبقة العليا والشركات الأجنبية، حيث تدعم شركات الأسمنت والحديد والأسمدة التي تحصل على أرباح كبيرة جدا احتكارية"دنيئة" وفقا لتوصيف النجار". حيث يقول أن إنتاج طن الأسمنت يصل ل 220 جنيه، يباع في السوق ب 580 جنيه، ولذا يجب عندها أن تفرض الدولة "أرباح احتكارية" عليها. المؤسف كما يقول النجار، أن الدولة تقوم بفرض ضرائب تصل ل 20 و25% على صاحب مصنع أو صاحب مشروع إنتاجي، فيما لا تفرض أية ضرائب على "الأرباح الرأسمالية" مثل أرباح المستثمرين في البورصة، وهو ما يجعل اتجاه الاستثمار يذهب دائما للاقتصاد "الريعي" وليس" الانتاجي". يقول النجار أن فرض 0,5 % فقط على أرباح البورصة يوفر أكثر من 5 مليارات جنيه تذهب لدعم الفقراء وهيكلة الأجور. تحدث النجار عن أن مصر تصدر لتركيا وإسرائيل وأسبانيا والأردن غازا بأسعار متدنية للغاية وصلت ل 3 دولار للمليون وحدة حرارية في الوقت الذي يباع فيه في السوق العالمي من 13 إلى 16 دولار للمليون وحدة حرارية ( كانت الأسعار السابقة في بدء التصدير 1,1 دولار لكل مليون وحدة حرارية، في الوقت الذي كانت تباع فيه المليون وحدة حرارية في الأسواق العالمية ب 3,5 دولار). في مسألة تعديل عقود الغاز المصدر، يقول النجار :" يمكن الاعتماد على قاعدة أمريكية تم سنها من قبل عند غزو الولايات لمتحدة للعراق، حينما قامت بنقض كل الاتفاقيات التي قام بها نظام صدام حسين مع شركات صينية وروسية لاستخراج النفط، وقامت بعملية" ترسية للمزادات" لحقول النفط العراقية على شركات أمريكية وبريطانية بالأساس، لكنها وضعت قاعدة تغيير شكل الاتفاقيات التي يقوم بها نظام فاسد أو مستبد عند تغييره بثورة أو ما شابه".يؤكد النجار أنه إذا ما تم تغيير هذه العقود ستوفر مصر على الأقل من 15 إلى 20 مليار جنيه سنويا—وهو تقدير متدني للغاية—ولدى مصر كل الحق في تعديل هذه الاتفاقيات والعقود حتى ولو لجأت هذه الدول إلى لجنة التحكيم بالبنك الدولي. الحلقة الثانية من تغطية الورشة.