تتمثل أهم التغيرات في الثورة أثناء بعثة جامعة الدول العربية في تغطية تلك البعثة للأحداث، حيث انتقلت بؤرة الاهتمام لرصد ماذا سيصوره المراقبون حول الوضع في سوريا، وعما إذا كانوا سينقلون بكل صدق الممارسات الاستبدادية التي يمارسها النظام السوري أم لا، حيث تظهر بعض فيديوهات اليوتيوب المراقبين في حلاتهم البرتقالية اللامعة، وقد أحيطوا بأصوات الرصاص، وأمامهم جثث الأطفال التي قتلها نظام الأسد، وتنهال عليهم شكاوى ومظالم المتظاهرين. ويبدو أن مراقبة أداء المراقبين أحد أهم الأسلحة الإعلامية ضد النظام السوري والدعايا المروجة له. ووجه الناشط السوري البارز خالد أبو صلاح انتقاداته لرئيس بعثة المراقبين السوداني دابي حيث قال: " مشكلتنا ليست معكم كأشخاص، مشكلتنا الأساسية مع البروتوكول ذاته الذي تنص مادته الأولى على وقف القتال، فعندما يموت 15 شخص في يوم واحد في ظل وجودكم، إذا ما الفائدة التي عادت علينا من تواجدكم في سوريا". وأضاف أبو صلاح منتقدا دابي: " لقد وصف وزير الخارجية الروسي ملاحظات دابي عن الوضع في سوريا بأنها مطمئنة". إلا أن بعض الناشطين قد يدفعون ثمنا باهظا جراء محاولاتهم تسجيل أداء المراقبين، إذ قُتل الناشط باسل السيد برصاص أحد القناصة، من حمص، عند تصويره لفيديو يكشف الوضع في بابا عمرو. وبينما يظهر المتظاهرون السوريون بسالتهم على أرض الواقع، تظهر رموز المعارضة السورية مفككة وغير موحدة. وطالب برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري بفرض منطقة حظر جوي على سوريا حيث وصفها مراسل بي بي سي بكونها على نطاق أضيق من تلك التي نفذت في ليبيا، وتأتي تلك المطالبة عقب أنباء عن تحالف المجلس الوطني السوري مع لجنة التنسيق الوطني التي يقودها هيثم مناع إلا أن اللجنة ترفض أي تدخل أجنبي من أي نوع. ووفقا لناشطين شديدي الصلة بالمجلس الوطني السوري، هنالك صراع حول من سيكون الرئيس القادم للمجلس، حيث يتغير الرئيس كل ثلاثة أشهر ويكمن الصراع بين جورج صبرا وسمير نشار، وينتاب العديد من الثوار الشكوك في أن تغييرات القيادة يمكن أن تضر بمصداقية المجلس. وفي يوم الأحد الماضي تقابلت الجامعة العربية في القاهرة لمناقشة التقدم الذي حققته بعثة المراقبين. وكان يأمل زعماء المعارضة والناشطين في اعتراف الجامعة بفشل البعثة في وقف العنف المستمر، وإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن، إلا أن نبيل العربي الأمين العام للجامعة أكد خلال الاجتماع أن البعثة سوف تستمر في تنفيذ ما هو مطلوب منها، على أن يعقد اجتماع آخر في 19 يناير لإعادة تقييم تطورات أداء المراقبين. وحول رفض طلب أي نوع من المساعدة من الأممالمتحدة علق العربي: " نحن لا نعيش في غمار عالم مثالي، ولا توجد دولة في العالم ترغب في استخدام القوة". إلا أن النظام السوري مستعد تماما لاستخدام القوة، فهو يجنح دائما لممارسة الحيل والخداع والأكاذيب والمسرحيات، ووضع مرايا من الدخان تحجب وراءها الدماء والجثث. وفي المقابل، لا يمتلك الشعب السوري سوى إرادته، حيث يعبرون عن مطالباتهم في كلمات بسيطة مفادها الحرية والعدالة وتفضيل الموت على شعور الذل والمهانة. ولم يفهم العالم هذه المصطلحات لأنها غير مألوفة للشعوب عبر العالم، كما أن موقع سوريا الاستراتيجي الهام يجعل العالم يغض النظر عن أنات الشعب السوري. إن تجاهل هموم الشعب السوري ليس بالشيئ الجديد، ولعل أبرز مثال على ذلك هو أن تكون مانشيتات الأخبار تحمل العنوان الآتي: " الجامعة العربية تطلب من سوريا أن توقف العنف"، بينما قتل في هذا اليوم 26 من الثوار، وسط إصرار النظام السوري أنه سيستمر في طريقته الدموية. ويبدو أحد رجال درعا متيقنا من عدم جدوى أي تقرير في حماية أسرته وجيرانه ومدينته وبلده سوريا، إلا أنه لم يفقد الأمل بعد. وأضاف المواطن: " عندما وصل المراقبون في البداية، كان الناس متفائلين للغاية، وفي اليوم الأول لوصولهم لم نستطع فعل شيء لالتقائهم مع الحاكم، وفي اليوم الثاني دعوناهم لحضور احتجاجات في تشييع جنازة أحد الشهداء، إلا أنهم تحججوا بعدم امتلاكهم سيارات تقلهم لمكان الجنازة، وتساءلنا كيف لا يكون لفريق المراقبين سيارات مخصصة لنقلهم حيث يرغبون، وأجلنا الاحتجاجات، وفي اليوم الثالث، طلبنا منهم أن يأتوا لرصد الاحتجاجات، إلا أن النظام أقلهم لمكان آخر، إنهم لا يمارسون 1% من الأعمال المكلفين بها، فلم نشاهدهم يجمعون الشهادات من أسر الضحايا، ويشاهدون القناصة والجيش يبطشون بالثوار دون أن تحرك إيجابي منهم. وفيما يتعلق بإطلاق النظام السوري سراح 3500 سجين، لا يزال هنالك 30000 سجين قابعين خلف أسوار سجون نظام صدام،ووفقا لما أعلنه الناشطون في سوريا، فقد تم اعتقال 5700 شخص قبل أسبوع من بداية مهمة بعثة المراقبين. كما واصل النظام السوري قمعه حيث قتل 250 شخص على الأقل خلال أربعة أيام، ثم انخفض معدل الضحايا لحوالي عشرين يوميا، وفقا لتقارير لجان حقوق الإنسان المنتشرة في سوريا. وتعتبر مهمة بعثة مراقبي جامعة الدول العربية فاشلة لعدة أسباب أولها أن رئيس البعثة هو السوداني محمد أحمد مصطفى الدابي الذي تدور أسئلة كثيرة حول نزاهته، بالإضافة للمراقبة اللصيقة لنشاط المراقبين من قبل الجهات الأمنية في نظام الأسد. من جهته، قال رئيس الوزراء القطري ورئيس لجنة بحث الوضع في سوريا في جامعة الدول العربية الشيخ حمد بن جاسم آل ثان :" هنالك اخطاء، ولكن وجود بعثة من الجامعة في سوريا ليس بهدف وقف القتال، ولكن بهدف الرصد"، معربا عن تخوفه من نقص خبرة جامعة الدول العربية في التعامل مع مثل هذه المهام. وبغض النظر عما إذا كانت المهمة فاشلة أم لا، هنالك تغير مؤثر في طبيعة الثورة السورية منذ بداية مهمة المراقبين، حيث أضاف النظام القنابل المسيلة للدموع ومدافع الماء والقنابل المسمارية لترسانة أسلحته ضد الثوار ناهيك عن القبض الجماعي والتعذيب والذخيرة الحية واستخدام القناصة في النيل من المحتجين. وفي يوم الجمعة الماضي الموافق 7 يناير استيقظ أهل دمشق على أنباء حدوث انفجار في الميدان، قلب العاصمة، حيث كان من المفترض أن يشهد موقع الانفجار تظاهرة كبيرة ضد النظام السوري في ذات اليوم، إلا أن الانفجار الذي أطلق عليه النظام اسم" هجوم انتحاري" قتل 26 شخص وأصاب العشرات، وهو يماثل الانفجار الذي وقع يوم 23 ديسمبر الماضي وراح ضحيته 44 قتيل في وقت وصول المراقبين، ولام النظام تنظيم القاعدة والعصابات المسلحة متهما إياهم بالتسبب في الانفجار، وإشعال مظاهرات الاحتجاج. من جهتها، تصر المعارضة السورية أن هذه الانفجارات تعد خطة شريرة من النظام السوري لإقناع بعثة مراقبي جامعة الدول بادعاءات النظام السوري، والهائهم عن التركيز على الظروف المتدهورة على أرض الواقع. وكشفت تغطية وكالة الأخبار السورية سانا للأحداث عن تمثيلية الحكومة حيث تم وضع شنط بلاستيكية بدائية بجوار برك الدماء المسجاة للايحاء للايحاء بأنها أكياس فاكهة أو طعام كان يحملها الضحايا الأبرياء قبل الانفجار. ورغم عدم ادعاء أحد مسؤوليته عن الحادث، إلا أنه يبدو أن الانفجار يهدف الي تعميق الخلافات الطائفية، ونشر نظرية العصابات المسلحة التي تتحجج بها الحكومة، وتضليل المراقبين. من ناحيته، قال الناشط رامي جراح أنه يبدو أن كل من النظام السوري والمراقبين متفقين على الشعب الثوري الثائر. ورغم ذلك، لا يزال المحتجون يتوافدون في الشوارع بأرقام كبيرة. حيث تجمع نحو 250 ألف متظاهر في ادليب وحما يوم 30 ديسمبر الماضي، مع احتجاجات متزايدة عبر أنحاء سوريا، حتى في الأماكن الهادئة مثل دمشق وحلب. ويحتفظ المتظاهرون بطبيعتهم المسالمة رغم تصاعد التوتر في الشهور الماضية بين الضباط المنشقين الذين كونوا ما يسمى " جيش سوريا الحر"، وبين قوات الأمن التابعة لنظام الأسد.، وأعلن الجيش السوري الحر وقف اطلاق النار وقت وجود المراقبين في سوريا، إلا أنهم يواصلون دورهم الهام في حماية المتظاهرين، كما ازداد أعداد المنشقين خلال الأسبوعين الماضيين، أبرزهم الكولونيل عفيف محمد سليمان، الذي انشق مع 50 جندي تابعين له.