تحركت حكومة الدكتور كمال الجنزوري لاختيار الوزراء المرشحين لخلافة حكومة د.عصام شرف، وتحركت معها جنازة الشهيد أحمد سرور، الذي لقى مصرعه إثر قيام سيارة أمن مركزي بدهسه أمام مجلس الوزراء، كانت في طريقها لفض اعتصام شباب تجمعوا لرفض تولي د.الجنزوري رئاسة حكومة يراها البعض أنها ومن يأتي خلفها ليسو سوى أقنعة يرتديها المجلس العسكري. وتوجهت جنازة شهيد الحكومة الجديدة في مسيرة ضخمة إلى مسجد عمر مكرم للصلاة عليه وسط هتافات ضد الجنزوري وحكومته والمشير، وتحولت دهشة الكثيرين إلى سخط شديد من أن يقبل الجنزوري بمصير شرف، وهو ما جعله ضيفاً جديداً على القائمة السوداء التى دخلها شرف بأحداث 19 نوفمبر الجاري ، ودخلها السلمي بوثيقة المبادئ العسكرية التى أطلق عليها "دستورية" وانتهى امرها ملطخة بدماء الشهداء. ولم يمنع هذا د. الجنزورى أن يناشد القوى المحتشدة فى ميدان التحرير أن يمنحوه الفرصة، مؤكداً أن الاعتصام من حقهم ، ولكن من حقه تشكيل حكومة الانقاذ قبل ان تصل السفينة المصرية إلى نهاية قاع الأزمة، وأكد الجنزوري أنه التقى ب 17 مجموعة سياسية أيدته ولكنه اكتشف أنها مرفوضة من الميدان. ضد النظام: وعلق الجنزوري بالاتهامات الموجهة إليه بأنه محسوبا على نظام الرئيس المخلوع، قائلا: لم اكن تابعا لأية جهة أو نظام ولم أكن محسوبا على أحد مثلما ردد البعض، بل على العكس فانا كانت لى مواقفى المعروفة ضد الرئيس السابق ورئيس ديوانه زكريا عزمى الذى كنت اختلف معه على طول الخط لأنني بطبعي كنت أكره الفساد ومؤسسة الرئاسة كانت ترعى أكثر من 10 وزراء فاسدون لم أكن راضيا عنهم. وأشار الجنزوري إلى أنه رئيس الوزراء الوحيد الذى لم أعين في منصبا عقب إحالتي للتقاعد، بينما رؤساء وزراء مصر الذين سبقوه كوفئوا وعينوا في مناصب دولية ومرموقة كمكافأة لهم على خدماتهم للنظام. وردا على سؤال له بان البعض يردد بان الدكتور الجنزوري محسوبا على الوزير السابق طلعت حماد، قال الجنزوري أنه لم يكن تابعا لأحد، فقد كان يرغب فى تغيير عدد من الوزراء تورطوا فى قضايا فساد لم يتم الكشف عنها ولكنه فوجئ بزكريا عزمي والرئيس السابق يعترضون. مباركيون: لم يعبأ الجنزورى الذى تجاوز ال77 عاما برفض الملايين لوجوده في الساحة السياسية بعد الثورة، وكأن قدر المصريين بعد ثورتهم قبول وزراء كانوا من النظام المخلوع، أولهم الدكتور عصام شرف أحد وزراء حكومات مبارك ، وأخيراً الدكتور كمال الجنزورى رئيس وزراء إحدى حكومات المخلوع. قابل الجنزورى رفض الملايين لحكومته بما يردده المجلس العسكرى عن أن ثوار ميدان التحرير لا يمثلون إلا أنفسهم، وأنه يعلم جيدا أن رجل الشارع العادي يثق فيه ويؤيده. واستهل تصريحاته بأن المشير غير راغب في السلطة ، مضيفا أنه إذا لم يتأكد من ذلك لرفض التعامل مع المجلس العسكرى وقبول مهام تشكيل الحكومة الجديدة ، مضيفاً أنه لن يتوانى في إعادة هيكلة وزارة الداخلية وتعيين وزير مدنى، وهو المطلب الذى يري البعض انه من المستحيل حدوثه خلال 7 أشهر قد يقضيها في منصبه على أقصى تقدير . ويتهم الجنزوري بأن معظم المشروعات التى أشرف عليها في عهد الرئيس المخلوع وتم صرف مليارات الجنيهات عليها لم تدر جنيها واحدا على خزينة الدولة ، من بداية التسعينات وحتى الأن . ويذكر للجنزورى أنه أبرم صفقة بيع 100 ألف فدان للوليد بن طلال بتوشكى ، وأنشأ في عهده الخط الثانى لمترو الأنفاق ، وأهم القوانين التى صدرت في عهده هو قانون الإيجار الجديد الذى ترتب عليه الإرتفاع الجنونى لأسعار الشقق وإستحالة تملك الشباب للوحدات السكنية التى يقطنون بها. خطيئة الخصخصة: كانت بداية كمال الجنزوري الحقيقية مع العمل السياسي محافظا للوادي الجديد ثم بني سويف، قبل أن يدير معهد التخطيط القومي، ثم يصبح وزيرا للتخطيط، فنائبا لرئيس الوزراء. وفي 1996 بات الجنزوري رئيسا للوزراء في نظام الرئيس المخلوع، وهو منصبٌ غادره بعد ثلاث سنوات أشرف خلالها على عملية خصخصة واسعة بإشراف مؤسسات مالية دولية بينها صندوق النقد. وأحاط بملف الخصخصة هذا لغط كبير، إذ يقول منتقدو الجنزوري إنه تسبب بهذه العملية في ضياع مبالغ هائلة من المال العام. وقد استُدعي الجنزوري في أكتوبر 2011 للإدلاء بشهادته في قضية الخصخصة التي أشرف عليها. كما أشرفت حكومة الجنزوري بين عامي 1996 و1999 على مشاريع ضخمة كمشروع مفيض توشكي في أقصى جنوب مصر، ومشروع غرب خليج السويس وتوصيل المياه إلى سيناء عبر ترعة السلام، والخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة. وتباينت الآراء حول هذه المشاريع بين ممتدح لها كخطط تنموية "قومية"، ومنتقد يراها بذرت كثيرا من المال العام دون أن تسهم حقا في التنمية، وكانت غطاء لممارسة الفساد، وهو فسادٌ قال الجنزوري بعد نجاح الثورة إنه كان وراء إقصائه. الغيبة الكبري: وعاد الجنزوري بعد اختفاء عن الأنظار دام نحو 12 عاماً، وذلك بعد خروجه من رئاسة الوزراء و ابعد عن العمل السياسي تماما، لذا كان تكليفه يوم 25 نوفمبر الجاري بتشكيل حكومة إنقاذ وطني على يد المجلس العسكري مفاجأة للمصريين. ويبقى الجنزوري لغزاً في توقيته الحرج وغير مرغوبا فيه لدى شباب الميدان لسببين احدهما موضوعي وهو أنهم في عمر أحفاده وكانوا أصغر من أن يكوّنوا عنه رأيا متكاملا عندما قاد الحكومة في عهد المخلوع، خاصة أنه اختفى عن الساحة السياسية والإعلامية مدة 12 عاما بعد مغادرته الوزارة. والثاني أنه محسوبا شاء أم أبا على نظام الرئيس المخلوع ، ويقول الجنزوري إن نظام مبارك ضيّق عليه وحاصره إعلاميا بعد مغادرته الوزارة، حتى أنه لم يتلق ولا مكالمة هاتفية واحدة من أي وزير كان في حكومته، كما قال في لقاء تلفزيوني مع منى الشاذلي في فبراير الماضي. ولم تكن للجنزوري مواقفُ حاسمة من الثورة مع اندلاعها يوم 25 يناير الماضي، ولم يكسر صمته إلا بعد نجاحها. مخلفات مبارك: ويرى عدد من شباب الثورة أن الجنزوري من مخلفات عهد مبارك، ويرى بعض ممثليهم أنه لم يغادر منصبه لمعارضته الفساد الحاصل وإنما كان خلافه مع مبارك على طريقة إدارة هذا الفساد. من جانبها أشارت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير لها إلى تنامي السخط في أوساط الثوار لدى إعلان الجيش عن عودة من وصفته بأحد الموالين لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وقالت إن تكليف الجيش لكمال الجنزوري قبيل الانتخابات بتشكيل حكومة أحبط المتظاهرين. واستبعدت الصحيفة أن يكون تكليف الجنزوري الذي خدم 18 عاما في عهد الرئيس المخلوع بتشكيل الحكومة، عامل تهدئة لدى أكثر من مائة ألف محتج تجمعوا للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري. أما صحيفة ذي جارديان فنشرت تقريرها تحت عنوان "لا يزال ميدان التحرير متحدا بعد أسبوع من إراقة الدماء"، يقول إن سقوط القتلى والإصابات الأسبوع الماضي ساهم في تعزيز ثبات المتظاهرين الذين يطالبون العسكر بتسليم السلطة. وأضاف التقرير أن المحتشدين في ميدان التحرير رفعوا صوتا واحدا وهو "أن وقت الحلول الوسطى قد ولى"، غير أنه يستدرك قائلا "لكن الحل الوسط هو بالضبط ما يفكر فيه الجنرالات". ويدلل على ما ذهب إليه بتعيين الجنزوري رئيسا للوزراء في مصر، والذي يصفه بأنه "السلاح الأخير في معركتهم لإنهاء أزمة أدت إلى مصرع 40 شخصا ودفعت بالمشهد السياسي في البلاد إلى حالة من الفوضى". يشار أن الدكتور كمال الجنزوري ولد في قرية جروان بمحافظة المنوفية وتلقى دراسته العليا في جامعة القاهرة، حيث تخرج من كلية الزراعة، ثم التحق بجامعة ميشيغان الأميركية حيث حصل على الدكتوراه في الاقتصاد.