بدأ مئات الأطباء في إسرائيل إضرابهم اليوم الأربعاء 20-7-2011 للمطالبة بتحسين الأجور وأحوال العمل. وأغلق الأطباء في مستشفى رامبام (حيفا) الرئيسي، طريقا رئيسيا، بالتزامن مع ترك المئات من الأطباء في تل أبيب الأقسام الرئيسية للمستشفى المركزي شبه خالية، احتجاجاً ضد ما أسموه:"أحوال متفاقمة في المستشفيات العامة". وكان الأطباء قد قلصوا منذ بضعة أشهر ساعات العمل في المستشفيات، للمطالبة برواتب أفضل وساعات عمل أقل، لكنهم صعدوا الإجراءات يوم الأربعاء، قائلين إنهم سيدرسون القيام بإضراب عام إلى إن تلبى مطالبهم. كما رفض الأطباء اقتراحات وزارة المالية بزيادة الأجور بنسبة تصل إلى 40 في المائة، قائلين إن هذه الزيادة لا تلبي مطالبهم بتوظيف مزيد من الأطباء في المستشفيات المزدحمة. يأتي هذا الإضراب، بالتزامن مع حركة الاحتجاج الآخذة في الاتساع داخل إسرائيل، منذ أوائل الأسبوع الجاري، على خلفية غلاء أسعار السكن، وهو ما دفع بالكثير من الشباب الإسرائيلي إلى الاعتصام في ميدان " روتشيلد" بوسط تل أبيب لحين تنفيذ مطالبهم القاضية بالعمل على تخفيض أسعار الشقق، وخط سياسات حكومية تتيح فرص السكن لجميع قطاعات وفئات الشعب في إسرائيل لاسيما من الشباب الذي يعاني بالأساس من هذه الأزمة. وكانت آخر تطورات هذه الأزمة، ما أعلن عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو اليوم 20 -7-2011، من اجتماع مع كل من وزير المالية يوفيل شتاينتيس، ووزير الإسكان اريئيل اتياس، وذلك في محاولة لايجاب حلول عملية لأزمة السكن، والذي ياتي بعد يوم واحد من ظهور بوادر أزمة داخل الحكومة الإسرائيلي، حيث ههد ايلي يشاي ( شاس) وزير الداخلية الإسرائيلي بالانسحاب من الحكوم' في حال عدم حل أزمة السكن في إسرائيل. وعلى خلفية هذه الأزمة، كان التساؤل الأكثر طرحا والحاحا في الداخل الإسرائيلي هو: هل وصل "الربيع العربي" - المتمثل في حركة الاحتجاجات والاعتصامات - إلى إسرائيل؟ وهل غزت "التونسة" إسرائيل، مثلما غزت معظم أنحاء العالم العربي؟ الربيع العربي " الاحتجاج يتسع".. بهذه العبارة عنونت صحيفة يديعوت أحرونوت عددها الصادر يوم أمس الثلاثاء 19 يوليو؛ حيث ربطت بين حركة الاحتجاج الآخذة في الاتساع داخل إسرائيل بسبب غلاء أسعار السكن والتي جاءت عقب الاحتجاجات على ارتفاع أسعار منتجات الألبان، وبين حركات الاحتجاجات العربية ( الربيع العربي)، التي تجتاح المنطقة في الوقت الحالي. فقد أشار أوري بيندار، في مقاله بيديعوت أحرونوت بنفس اليوم، إلى أن هذه الحركة الاحتجاجية الآخذة في الاتساع، هي بالأساس حركة طلابية شبابيه شبيهه بتلك الحركة الشبابية الثورية التي قامت في مصر. كما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية يوم 18 يوليو، أن الاحتجاجات ضد أسعار السكن انتقلت من تل أبيب إلى مدن أخرى أبرزها مدينة بئر السبع في جنوب البلاد. وفي الاتجاه نفسه ، أيضا أشار روبيك دانيالوبيتش، في مقاله بيديعوت أحرونوت بنفس اليوم، إلى هذه الحركة الاحتجاجية هي حركة اجتماعية- شبابية، شبيه في مطالبها وشكلها الحركات الاحتجاجية التي تجتاح العالم العربي، مشددا على ضرورة الاستماع إلى الشباب الإسرائيلي والاستجابة لمطالبهم، وادراك أن الثغرة التي حدثت تهدد بزلزال اجتماعي قوي، مقترحا أن يتم تطوير مناطق النقب والجليل لحل أزمة السكن في إسرائيل. واضاف الكاتب الإسرائيلي، أن أكثر ما يقلق في هذه الحركة الاحتجاجية، أمرين أساسيين، أولهما: أنها تأتي في أعقاب الحركة الاحتجاجية التي قامت بسبب ارتفاع أسعار منتجات الألبان، وثانيهما: أن المحركين الأساسيين لهذه الاحتجاجات هم الشباب. من جانبها، أشارت هاآرتس في تقرير لها يوم 17 يوليو، إلى أن هناك روحا ثورية جديدة بدأت تدب في ميدان روتشيلد، ففي البداية كان الأمر احتجاجا على ارتفاع أسعار منتجات الألبان، أما اليوم فاحتجاجا على غلاء أسعار السكن. وأضاف التقرير أن الحديث يدور حاليا عن ثورة اجتماعية عن تغيير كبير، وعن أن المعتصمين لن يغادروا المكان إلى أن يوجد حل. في الوقت نفسه الذي لا يمكن للسلطة في إسرائيل أن تتجاهل ذلك في عصر تسقط فيه الاحتجاجات الاقليمية أنظمة كاملة، على غرار ما حدث في تونس ومصر، وما يمكن أن يحدث في عدد من البلدان العربية الأخرى. وكان مئات الأزواج الشبان والطلاب الجامعيين، قد اقاموا "مدينة خيام" في ميدان روتشيلد بوسطتل أبيب منذ مطلع هذا الأسبوع، احتجاجا على الارتفاع الكبير في أسعارالبيوت وأجرة السكن، وانضم إليهم مواطنون في بئر السبع الذين أقاموا "مدينةخيام" أخرى في المدينة بعد تعرض قسم منهم للتهديد بإخلائهم من بيوتهم بسببعدم قدرتهم على تسديد قروض الإسكان أو أجرة السكن. لكن وخلافا للاحتجاجات ضد رفعأسعار منتجات الألبان التي اجتاح إسرائيل، والتي جرت عبر الشبكة الاجتماعية "فيسبوك"، فإنالاحتجاجات ضد أسعار السكن تجري في الشوارع ومن خلال نصب مئات الخيام التييبيت فيها المحتجون.وغالبية المحتجين هم من طلابالجامعات الذين يواجهون أزمة السكن والارتفاع في أسعار أجرة السكن والأزواجالشابة الذين يواجهون مصاعب كبيرة في شراء بيوت. وذكرتقرير نشرته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" يوم 17 يوليو، أن أسعارالبيوت في منطقة تل أبيب تبدأ من 430 ألف دولار على الأقل بينما تبلغ أجرةالسكن 1900 دولار على الأقل، وتنخفض الأسعار في المدن الأخرى لكنها تعتبرمرتفعة قياسا بمعدل الدخل في إسرائيل. "ميدان التحرير" في إسرائيل! ربطت الكثير من الكتابات الإسرائيلية بين حركة الاحتجاج التي تجتاح إسرائيل وتتخذ من ميدان روتشيلد في وسط تل أبيب، مركزا لها، وبين الثورة المصرية التي اتخذت من ميدان التحرير نقطة انطلاق لها. ففي يوم 18 يوليو، ذكر تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت، أن حركة الاحتجاج الشبابية، أرسلت برسالة إلى نتانياهو عبر أقطاب معارضة داخل الكنيست، تذكر بأن الثورة المصرية بدأت بمجموعة من الخيام الاعتصامية بميدان التحرير، وهو ما يقوم به حاليا الشباب الإسرائيلي المحتج على غلاء أسعار الشقق، لكن في ميدان روتشيلد. وأشار تقرير الصحيفة إلى أن الشباب في ميدان روتشيلد، فقدوا الثقة تماما في حكومة نتانياهو مثلما فقد شباب التحرير ثقتهم في نظام مبارك تماما، ورفضوا الإبقاء عليه لحين انتهاء مدة منصبه، وأصروا على رحيله. وفي اليوم نفسه ، نقلت الصحيفة عن عضو الكنيست "روبرت تيفايف" من حزب "كاديما" المعارض قوله بأن "الاحتجاج على ارتفاع أسعار الشقق سينقلب "ميدان تحرير ثان داخل إسرائيل". أما شموئيل روزنر، فقد اشار في مقاله بمعاريف يوم 18 يوليو، الذي حمل عنوان " نهاية ثورة منذ بدايتها" إلى أن المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة والمعتصمين في الخيام بميدان روتشيلد بتل أبيب، يجمعهم عدم وجود أهداف واضحة ومحددة وفق جداول زمنية، وأن نهاية كل من الحركة الاحتجاجية في تل أبيب والقاهرة ستكون التلاشي. ومع ذلك، أشار الكاتب إلى أن هناك فرقا واضحا بين الثورة في مصر، وما سمها الثورة الحالية في تل أبيب، فالثوار في التحرير رغبوا في أمر بسيط وطبيعي للغاية، وهو أن يرحل مبارك، أما الثوار في روتشيلد، فلا يعرفون ما يرغبون فيه بالأساس. وحول الفكرة نفسها ، تحدث تامي شينكمان، في مقاله بمعاريف بنفس اليوم، حيث أكد على أن المتظاهرين في روتشيلد ليست لديهم أجندة واضحة ومحددة، فعليهم أن يحددوا أهدافا وأن يشكلوا طواقم للتفاوض مع الحكومة، وذلك لمحاصرة رئيس الوزراء، وعدم التحجج بالانشغال بمسائل الأمن والقضايا الخارجية على حساب المشاكل الداخلية. وأضاف الكاتب: إن مشكلة ثورة الشباب في تل أبيب، أنهم لم يفكروا في نهايتها حتى الآن، بل إنهم يعتقدون أنهم سيصلون إلى لحظة النصر التي وصل إليها شباب ميدان التحرير، الذين حققوا هدفهم برحيل مبارك. التونسة من أبرز الكتابات اللافتة حول حركة الاحتجاجات في إسرائيل، مقال الكاتب يونا يهف في يديعوت أحرونوت يوم 17 يوليو، الذي اعتبر فيه أن "رياح التونسة" التي غزت أجزاء العالم العربي بأكمله، وصلت إلى إسرائيل. كما أشار الكاتب إلى أنه من الضروري التأمل في الحركة الاحتجاية التي غزت إسرائيل مؤخرا، والوصول إلى أنها بدأت بحالة الهيستريا نفسها التي بدأت بها الثورة التونسية، والإدراك أن إسرائيل وصلت إلى النهاية في هذا الأمر، وباتت على شفا ثورة مماثلة للثورة التي وقعت في تونس وتدحرجت إلى بقية البلدان العربية. ودعا الكاتب حكومة نتانياهو، إلى النظر بعين الجدية إلى الاحتجاجات في ميدان روتشيلد، والعمل على تحقيق أهداف جيدة وواضحة من شأنها أن تنهي الاعتصامات التي يقوم بها الشباب في روتشيلد. كما أعرب الكاتب الإسرائيلي عن بالغ قلقه مما آلت إليه الأمور في إسرائيل، منوها إلى أنه خلال العقد الأخير، كثرت الأعباء بشكل كبير على عاتق المواطن الإسرائيلي في مقابل انسحاب دور الدولة والحكومة من دعم المواطن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وهو ما تبدى بشكل قوي في أزمة السكن الحالية التي بدأت تأخذ أبعادا ثورية. ودعا الكاتب حكومة نتانياهو، لأن تخطو نحو سياسات أكثر عدلا في مجالات العمل والاسكان لاسيما في أوساط الشباب، معربا عن أمله أن تمر هذه الأزمة، قبل أن تطيح رياح هسيتيريا تونس بمجمع الحكومة الإسرائيلية في القدسالغربية.