خرجت الشعوب العربية في سلسلة ثورات عفوية جذرية شعبية لإستعادة السيادة على وطنها وخيراته ومنافعه ومصالحه وموارده بعد أن سيطرت على مقدراتها ومواردها شبكات عصابية فاسدة مستبدة ظالمة مارست إحتلال منظم مدعوم من الخارج بشرعة القوة والقمع والقهر وشرعية الأمر الواقع وأستغلت رواسب ثقافية عالقة في وجدان المجتمعات تتكيف مع القمع والإقصاء وتبرر للخوف وتتأقلم أحياناً مع الفساد! فأفسدت البلاد وأفقرت العباد ورهنت قرارها بأعدائها! وأفسدت المنظومة القيمية الأخلاقية المجتمعية المحافظة . والشعب المصري قام بثورة تحررية حقيقية ليوكد على سيادته وكونه مصدر جميع السلطات ، ويمارس أدوار المسائلة والمراقبة لمن يختاره بنفسه ويوفضه لإدارة شؤون البلاد ، أو يعزله لو أساء إستعمال مقدرات الدولة ووظفها لمصالحه الخاصة ومصالح قوى خارجية!. وبعد رحيل رأس النظام وتسلم المجلس العسكري السلطة ، أتسمت إدارة المرحلة الإنتقالية بعدم الحسم والقطع والتردد في حسم الخيارات بين الحالة الثورية والحالة الإصلاحية الإلتفافية الإجهاضية! ، وتجلى ذلك التردد في إنفراد العسكر بالحكم ، وإرتباك مسار ومعادلة التغيير المصرية (على خلاف نظيرتها التونسية مثلاً) والإصطفاف والإستقطاب السياسي بين القوى السياسية (أجزم بأنه مفتعل ووهمي!) وهذا يخالف منطق الثورات وإرادة الثوار .. إذ أن الثورات هي مشروع تغيير جذري حاسم نهائي قطعي لا يقبل بأنصاف الحلول ويرفض التأجيل والمساومة والإلحاح ويأبى منطق الحلول الإصلاحية الجزئية التدرجية ... وتصاعدت وتيرة الغضب والسخط الشعبي والثوري المتراكم تجاه المجلس العسكري وتفاقمت بعد شعور الكثيرين ممن شاركوا في الثورة أو تعاطفوا معها بأنه ما من تغيير حدث (بإستثناء إستبدال أشخاص بآخرين مع بقاء نفس السياسات القديمة) وأن المجلس العسكري يسعى للإلتفاف على الثورة ومطالبها وتفكيك الزخم الثوري وتسكين الحالة الثورية وتفريغ الثورة من مضمونها المطلبي والوقيعة بين الشعب وثورته (إستخدم المجلس ذات خطاب المخلوع .. الإستقرار وفق شروطي أو الفوضى من بعدي!) ...أجج هذا الشعور مقارنة موضوعية بسيطة مع المسار الثوري التونسي (الأقرب للحالة المصرية من المسار الليبي) ، وتجدد الحديث عن وثيقة الوصاية التي يسعى المجلس العسكري مدفوعاً من أطراف خارجية على ما يبدوا لفرضها وإكسابها الصفة الإلزامية من خلال نائب رئيس الوزراء! (القوى الخارجية قلقة من مخاطر إرتباط مشروع الثورات بمشروع تحرري مقاوم (لأن الحرية مرتبطة بالتحرر في وعي ووجدان وممارسة الشعوب العربية) ، ومن مخاطر إنعكاس مشروع الثورات التحرري على موازين القوى ومعادلات الإستقرار الإقليمي وإحتمالية المساس بالمنظومة الإقتصادية المهيمنة ؛ ويبدوا أن التطمينات المقدمة من القوى السياسية والثورية لا تكفي ( لأنها لا تقدم تنازلات كافية أو لا ينظر إليها بجدية لأنها تختلف مع تاريخ ومسار وأدبيات وخطاب التيارات الإسلامية كمثال) وبحاجة لوصاية عسكرية إحترازية تحسباً لأي مساس بالتوازنات الإقليمية وخصوصاً ما يتعلق بأمن إسرائيل القومي ، وبشبكة المصالح الإقتصادية وموازين القوى الإستراتيجية وغيرها مما كانت العصابة الحاكمة القديمة تحفظها وتصونها بدماء الشعب وقوته! سواء من خلال وثيقة السلمي أو بمجلس مدني إستشاري لا حاجة إليه بعد إنتخاب البرلمان! ) لذلك فقد كان مبرراً ومتفهماً الحاجة الوطنية لموجة ثورية ثانية حاسمة تطيح ببقية ممارسات النظام القديم وفلوله وترسي قواعد السيادة للشعب ورفض الوصاية وبعد الأحداث الدامية طوال الأيام التي تلت جمعة رفض وثيقة السلمي لم يعد لدى المجلس العسكري الشرعية ليحكم وفقد مبرر وجوده (فقد شرعية حماية الثورة حين تخلى عن مطالبها ، وهو لم يملك من البداية أي شرعية دستورية حيث جاء بإنقلاب غير دستوري ، وفقد شرعيته الأخلاقية بالولوغ في دم الأطهار الأبرار ، وسقطت أكذوبة رفض إطلاق النار على الثوار) ...لذا تعالت صيحات الثوار ( يرحل فوراً – بدون الإتفاق على بديل) ، وعادت المطالبة بتشكيل حكومة ثورة تمتلك صلاحيات إدارة المرحلة الإنتقالية بشكل كامل حتى تسليم السلطة كاملةً بلا أي وصاية أو وضعية خاصة او حصانة من أي نوع ، فضلاً عن الملاحقة الجنائية للمتورطين في الأحداث الدموية، وكان الحل المطروح هو تفويض صلاحيات الحكم وإدارة المرحلة الإنتقالية لحكومة الثورة المقبلة ، وإلغاء المحاكمات العسكرية فينفرد القضاء المدني بالسلطة القضائية ، ويمتلك البرلمان المنتخب صلاحيات تشريعية ورقابية حقيقية .... ونجحت الموجة الثورية الثانية بعد أسبوع من إندلاعها في تحقيق بعض المطالب العاجلة بالفعل ، وأهمها : (إقالة حكومة شرف بعد شهور من عدم الإستجابة لهذا الطلب ، تحدد موعد إنتخابات الرئاسة في منتصف 2012 بعد حديث سابق عن تأجيله ل2013 ، تم تثبيت الإنتخابات البرلمانية في موعدها بعد حديث عن إحتمالية تأجيلها بإيعاز من أطراف وأحزاب معينة! ، ، تراجع الحديث عن وثيقة السلمي والمبادئ المفتعلة ، عرف المجلس والجميع في الداخل والخارج أن الثورة كما هي والزخم الثوري لم يتفتت ولم تفكك ولم ينقص ولم يتنازل أو يساوم على مطالب الثورة). وتواترت الأخبار من إستقراء ومتابعة ميادين التحرير في القاهرة والمحافظات ، وتأكدت بعد وجود تسريبات من داخل أجهزة تنفيذية ، وتسريبات مماثلة من فلول النظام السابق .. بأن هناك توجه لتوظيف الزخم الثوري وإستغلاله ودفعه لتبني مطلب عجيب هو المجلس الرئاسي برئاسة مرشح رئاسي معين ! ، وتأجيل المرحلة الإنتقالية لحين إستقرار الأوضاع (وتأجيل الإنتخابات بالضرورة) وتعطيل مسار تسليم السلطة والعودة للمربع رقم واحد مرة أخرى بعد رحيل رأس النظام السابق ، وحدث نوع من التوافق (الضمني أو الصريح) بين قوى الفلول الراغبة في تعطيل مسيرة الثورة وإجهاضها ، والقوى الرافضة للدخول في الإنتخابات البرلمانية لأسباب متفاوتة! ، وتمت محاولات عدة لإستدراج بعض القوى السياسية الكبيرة للتصعيد ضد المجلس العسكري والمطالبة برحيله ومحاكمته ومن ثم تشكيل مجلس رئاسي بهذه الكيفية ! ؛ لذا فقد كان متفهماً موقف الإخوان وقوى أخرى برفض النزول للميدان والحذر من "المؤامرة" ، مثل ما كان متفهماً أيضاً إصرار شرائح إجتماعية واسعة شاركت في الثورة على القصاص لدماء الشهداء ورحيل العسكر فوراً والآن..! والمطلوب الآن عملياً وإجرائياً هو مبادرة ترتكز على "تسليم السلطة فوراً" أقترح لها البنود التالية : - تسليم السلطة التشريعية بالكامل للبرلمان المنتخب وإعطاؤه صلاحيات رقابية كافية وتسمح بسحب الثقة من الحكومة وإلا فلا معنى لدور البرلمان الرقابي! (تضمين الدور التشريعي والرقابي والصلاحيات في إعلان دستوري) . - تسليم السلطة التنفيذية والسياسية كاملةَ ومهمة إدارة بقية المرحلة الإنتقالية فوراً ل حكومة إنقاذ وطني تستمد شرعيتها من البرلمان (حكومة الجنزوري مرفوضة شعبياً وثورياً) ؛ تدير بقية المرحلة الإنتقالية وتحظى بثقة البرلمان المنتخب (أو سحب الثقة منها) - إلغاء المحاكمات العسكرية تماماً ، وتحويل المحكومين للقضاء المدني والإفراج عن كل المعتقلين ، وتضمين الإعلان الدستوري عدم إختصاص المحاكمات العسكرية بمحاكمة أي مدني وتفرغها للشأن العسكري البحت . - بقاء المجلس العسكري بصورة شرفية بروتوكولية (بدون صلاحيات تنفيذية ولا تشريعية) حتى إنتخابات الرئاسة المقبلة قبل منتصف 2012 ، وتعهدهم بعدم القيام بأي أدوار وصائية (من خلال وثيقة السلمي أو مجلس إستشاري مدني أوغيره) ، ورجوعهم لدورهم الوطني في حماية حدود البلاد (داخل الجهاز التنفيذي للدولة "وزارة الدفاع" ) . - فتح تحقيق جدي تقوم به هيئة قضائية مستقلة في الأحداث ومحاكمة وملاحقة كل المتورطين (بلا إستثناء) في الجرائم غير الإنسانية التي أرتكبت وأسفرت عن عشرات الشهداء ومئات الجرحى ، وتعويض الشهداء والجرحى - التأكيد على حق الإعتصام السلمي للثوار ومشروعيته ، والتعهد بعدم الإعتداء عليهم ، وتحميل وزارة الداخلية والمجلس العسكري مسؤولية حماية الإعتصامات . والضامن الوحيد لهذه المطالب هو إستمرار الضغط والتصعيد الثوري وتمديده وتوسيعه أفقياً وتجذره وتعمقه شعبياً ورأسياً ليتمكن من تحقيق أهدافه ومطالبه ، مع التوافق الوطني بين القوى السياسية والثورية (إذ لم يعد مقبولاً إستمرار الإصطفاف والإستقطاب السياسي والتراشق الإعلامي رغم دماء الشهداء!) وقيام البرلمان الجديد المنتخب بدوره التمثيلي في إنتزاع السلطة التشريعية من المجلس العسكري والتفاوض لتحقيق المطالب الثورية .