\r\n وبعد ساعات قليلة، طلب الرئيس شمعون بيريس من وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني، البالغة خمسين سنة، وهي الزعيمة الجديدة لحزب «كاديما»، أن تشكل الحكومة الإسرائيلية المقبلة. وأمامها ستة أسابيع لتحاول التوصل إلى ذلك. وفي حال فشلت، ستجري إسرائيل انتخابات مبكرة في العام المقبل. وفي هذا الوقت، يبقى إيهود أولمرت، الذي تشوهت سمعته بسبب فضائح الفساد، رئيسا للوزراء بالوكالة. \r\n \r\n أعلنت ليفني أنها ترغب في تشكيل حكومة وحدة وطنية وتكريس نفسها لإحلال السلام، وهما هدفان متناقضان. فهي لن تكسب دعم حزب الليكود اليميني برئاسة بنيامين نتانياهو، الذي يعارض أي تنازل عن الأراضي لصالح الفلسطينيين، كما أنه لا يسعها أن تعتمد على حزب العمل وحزب «شاس»، وهما الشريكان السابقان لحزب «كاديما» في الائتلاف الأخير. \r\n \r\n يبذل زعيم حزب العمل إيهود باراك بدوره، جهدا كبيرا لعدم القبول بذلك. فهو لا يحبذ فكرة أن يعمل في حكومة برئاسة ليفني ويفضل أن يجرّب حظه في الانتخابات المبكرة. ويطالب حزب «شاس»، وهو حزب لليهود الشرقيين (السيفارديم) الذي يضم الطبقة العاملة، بزيادة كبيرة في مخصصات الأولاد فضلا عن تعهد رسمي من ليفني بعدم تقسيم القدس. ومن شأن أي التزام مماثل ان يؤدي إلى القضاء على جهودها في التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين. \r\n \r\n وعلى رغم هذه المشاكل الحادة، تجد ليفني نفسها في موقع فريد. فقد أعطاها التاريخ فرصةً رائعةً لوضع حدّ لنزاع دام مئة سنة. فهل ستغتنم هذه الفرصة؟ هل ستكون جريئة وطموحة بما فيه الكفاية؟ هل ستحصل على الدعم الذي هي بحاجة إليه من الولاياتالمتحدة وأوروبا والعالم العربي؟ \r\n \r\n حتى الآن، واجهت عملية السلام المحتضرة ثلاث عقبات أساسية: أولا عدم قدرة أميركا على ممارسة أبسط الضغوط على إسرائيل، وهي ظاهرة مدهشة ظهرت بوضوح خلال فترة رئاسة جورج بوش الابن، ثانيا، المشهد المأسوي للصراع الداخلي الفلسطيني، وبخاصة الحرب بين حركتي «فتح» و «حماس» التي أعطت إسرائيل ذريعة لعدم المضي قدماً، وثالثاً سياسات إسرائيل غير المستقرة. \r\n \r\n وتبلورت نتيجة التمثيل النسبي في تصدّع الصورة السياسية لإسرائيل، ما وضع الحكومات تحت رحمة الأحزاب والفصائل الصغيرة التي تبيع دعمها مقابل ثمن باهظ. وينجح عدد قليل من الحكومات الإسرائيلية في استكمال ولايته حتى النهاية. \r\n \r\n أما الخبر الأسوأ فهو أن اعداداً كبيرة من الإسرائيليين والفلسطينيين فقدت الأمل في إمكانية التوصل إلى حلّ الدولتين الذي يقوم على إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. وقد تكون هذه الفرصة الأخيرة لإنشاء دولة مماثلة، كما حصل في موضوع توسيع المستوطنات الإسرائيلية الكثيف. \r\n \r\n صرف بعض الإسرائيليين المؤثرين النظر عن حلّ الدولتين معتبرين إياه غير واقعي، كما بدأوا يذكرون ب «الخيار الأردني» السابق الذي يقوم على تقسيم الضفة الغربية بين إسرائيل والأردن. ومن الممكن أن تطلق هذه الضربة القاضية الموجهة للقومية الفلسطينية، موجة جديدة من العنف على رغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها جامعة النجاح في نابلس أظهرت أن حوالي ربع الفلسطينيين المحبطين بسبب الأزمة الحالية، قد يختارون الاتحاد الأردني - الفلسطيني. \r\n \r\n هل يصح من معظم الزعماء العرب ان يبقوا متفرجين غير فاعلين على هذه المأساة المروّعة؟ لقد حان الوقت المناسب للعرب كي يستفيدوا من كلّ تأثير يملكونه في واشنطن فضلا عن استخدام قوتهم المالية، ليوضحوا للرئيس الأميركي المقبل أن حلّ النزاع العربي - الإسرائيلي وحده كفيل بأن يعيد مصداقية أميركا، وأن يحميها من اعتداءات إرهابية جديدة وأن يقي الشرق الأوسط من المزيد من الحروب وأن يضمن لإسرائيل الأمن على المدى الطويل. \r\n \r\n شكّلت عائدات النفط العربية الكبيرة دفعاً من الديناميكية الاقتصادية ووزنا سياسيا في الخليج وفي المملكة العربية السعودية. ويجب حشد مصادر القوة هذه من أجل السلام في هذه الأوقات الدقيقة. لكن هل سيتحرك العرب؟ أم أن حياءهم ونزاعاتهم سيضعفانهم؟ \r\n \r\n حتى لو نجحت ليفني في تشكيل ائتلاف حكومي مناسب وهو أمر غير مؤكد، فهي ستصل إلى سدة رئاسة الوزراء في وقت عصيب تمر فيه إسرائيل. فقد تأثرت سمعتها الدولية بسبب احتلال الضفة الغربية والحصار الذي فرضته على غزة وهي سياسات ينظر إليها على أنها غير مقبولة من الناحية الأخلاقية ولا يمكن اعتمادها سياسيا على المدى الطويل. \r\n \r\n وتقلصت سيطرة إسرائيل العسكرية بسبب «حزب الله» وحركة «حماس» وهما تنظيمان لا يتمتعان بصفة الدولة ويعملان على حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية. لقد حاولت اسرائيل تدميرهما إلا أنها باءت بالفشل. فضلا عن ذلك، يتحدى بروز إيران كقوة أساسية في الشرق الأوسط، سيطرة إسرائيل الإقليمية. \r\n \r\n وفي حال أرادت إيران أن تملك قوة نووية في العقد القادم، لن يفرض ذلك أي تهديد «وجودي» على إسرائيل على رغم حرب الكلمات بين البلدين. وفي هذا الوضع، تكون القنبلة الإيرانية مجرد وسيلة ردع، تحمي إيران من اي اعتداء. لكن لا يمكن استخدامها لمهاجمة إسرائيل المدججة بالسلاح، لأن إيران قد تختفي بالكامل. لكن تساهم قنبلة إيرانية في كبح حرية إسرائيل في ضرب جيرانها عندما ترغب في ذلك وهو السبب الذي دفع إسرائيل بلا شك لتحشد العالم بأكمله ضد برنامج إيران النووي. \r\n \r\n تملك إسرائيل سببا آخر للقلق. فحليفها الأميركي الذي طالما قدم لها دعماً ديبلوماسياً ومساعدة مالية كبيرة ومجموعة من الأسلحة الحديثة، يرزح تحت عبء أزمة مالية لا مثيل لها وحربين مدمرتين في العراق وأفغانستان. \r\n \r\n لكن في حال لم يمضِ الرئيس الأميركي التالي قدما نحو السلام، يجب ألا تأمل ليفني في أن تنجح في مهمتها، في حال تمكنت من البدء بالعمل. \r\n \r\n وعلى رغم هذه العقبات، تملك ليفني فرصة حقيقية لتغيير جو الإحباط السائد ولتكسب مكانة لها في التاريخ. فما الذي يجب أن تفعله لإنشاء قوة دافعة نحو السلام؟ \r\n \r\n - يجب أن توقف توسيع الاستيطان فورا. \r\n \r\n - يجب أن تكرر التزامها بمبدأ الأرض مقابل السلام وبالتوصل إلى سلام شامل يضم سورية ولبنان والفلسطينيين. \r\n \r\n - يجب أن تعلن أنها لا تملك نية استخدام القوة ضد «حزب الله» أو «حماس» أو سورية أو إيران وبأنها ستسعى للسلام والمصالحة معهم من خلال المفاوضات. \r\n \r\n - يجب أن تدعو أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى إلى القدس لمناقشة خطة السلام العربية التي أطلقت للمرة الأولى في شهر آذار 2002 ولا تزال على طاولة البحث، وهي تعطي إسرائيل إمكانية التوصل إلى سلام وإرساء علاقات طبيعية مع الدول الاثنتين والعشرين الأعضاء في الجامعة العربية مقابل انسحابها إلى حدود 1967. \r\n \r\n دعا داعية السلام الإسرائيلي المخضرم يوري أفنيري، ليفني الأسبوع الماضي إلى عدم إضاعة الوقت في حال انتخابها رئيسة للوزراء. فأعلن «حلّقي، حلّقي نحو السماء. \r\n \r\n اعملي على إنشاء ائتلاف حكومي مع قوات السلام واستخدمي الأشهر الاولى من ولايتك للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وادعي إلى انتخابات جديدة وضعي نفسك واتفاقية السلام بين أيدي الاسرائيليين!» \r\n \r\n تعتبر هذه رؤية شجاعة ومهمة، لكنها قد تكون رؤيةً مثالية في ظل الظروف الحالية. وعلى رغم نيات ليفني الحسنة، فمن المرجح ألا تجلب أي تغيير وأن تعلق في القيود التي تفرضها السياسات الإسرائيلية، وسيكون نجاحها في مهمتها أشبه بالمعجزة! \r\n \r\n باتريك سيل * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط \r\n