سعر الذهب اليوم في منتصف التعاملات.. عيار 21 يسجل 4645 جنيهًا للجرام    98 شهيدا و511 مصابا برصاص إسرائيل في غزة خلال 48 ساعة    النائب أيمن محسب: مصر والسعودية ستظلان حجر الزاوية للأمن والاستقرار بالمنطقة    الأهلي يتفق مع كوزموس الأمريكي على تفاصيل صفقة وسام أبو علي والانتقال بات قريبا    ضبط قائد سيارة تعدى بالضرب على طفل بائع حلوى بالغربية (فيديو)    إيجالو يلوم أوسيمين: كان عليه جمع ثروة ضخمة في السعودية    رسميًا.. تعويضات إضافية لعملاء الإنترنت المنزلي (تعرف عليها)    صدقي صخر صاحب شركة إعلانات في «كتالوج» مع محمد فراج    حالة الطقس اليوم السبت 19 يوليو 2025.. الأرصاد توجه نصائح مهمة للمواطنين    مطالبا بتعويض 10 مليارات دولار.. ترامب يقاضي «وول ستريت جورنال» بسبب جيفري إبستين    افتتاح نموذج مصغر من المتحف المصري الكبير في العاصمة الألمانية برلين الاثنين المقبل    طب قصر العيني يبحث مع مسؤول سنغالي تعزيز التعاون في التعليم الطبي بالفرنسية    Carry On.. مصر تقترب من إطلاق أكبر سلسلة تجارية لطرح السلع بأسعار مخفضة    وزير الكهرباء يبحث الموقف التنفيذي لتوفير التغذية لمشروعات الدلتا الجديدة    اعرف مرشحك.. أسماء المرشحين في انتخابات الشيوخ 2025 بجميع المحافظات | مستند    ليلى علوي نجم الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    بالصور.. نانسي عجرم تستعرض إطلالتها بحفل زفاف نجل إيلي صعب    إلهام شاهين وابنة شقيقتها تحضران حفل زفاف في لبنان (صور)    أسباب الشعور الدائم بالحر.. احذرها    حملات مكثفة بالبحيرة.. غلق عيادات غير مرخصة وضبط منتحل صفة طبيب    الحكم على الرئيس البرازيلي السابق بوضع سوار مراقبة إلكتروني بالكاحل    تعاون أكاديمي جديد.. بنها ولويفيل الأمريكية تطلقان مسار ماجستير في الهندسة    طفل يقود تريلا.. الداخلية تكشف ملابسات فيديو صادم | فيديو    أسيل أسامة تحصد ذهبية رمي الرمح بالبطولة الأفريقية في نيجيريا    محافظ البنك المركزي يشارك في الاجتماع الثالث لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين "G20"    رسالة مؤثرة وتحية ل"الكينج".. أنغام تتألق بافتتاح مهرجان العلمين الجديدة    القاهرة الإخبارية: وقف الحرب لم يضع حدًا للاشتباكات في السويداء    وزارة الصحة": إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار منذ انطلاقها في يوليو 2018    الاستهدافات مستمرة.. غزة تدخل مرحلة الموت جوعًا    تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي فوق النبطية والحدود الجنوبية للبنان    اندلاع حريق داخل مخزن فى البدرشين والأطفاء تحاول إخماده    "بائعة طيور تستغيث والداخلية تستجيب".. ماذا حدث في المعادي؟    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    ب4 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    "استعان بأصدقائه".. كيف يعمل رونالدو على إعادة النصر لمنصات التتويج؟    بعد فسخ عقده مع القادسية السعودي.. أوباميانج قريب من العودة لمارسيليا    إسرائيليون يعبرون إلى الأراضي السورية بعد اشتباكات مع جيش الاحتلال    «سباكة ولحام ونجارة».. بدء الاختبارات العملية للمرشحين للعمل في الإمارات (تفاصيل)    وزيرة التنمية المحلية تبحث التعاون في نظم المعلومات الجغرافية مع شركة Esri    توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية ولويفيل الأمريكية    بسبب تشابه الأسماء.. موقف محرج للنجم "لي جون يونغ" في حفل "Blue Dragon"    الواعظة أسماء أحمد: ارحموا أولادكم صغارًا تنالوا برهم كبارًا.. والدين دين رحمة لا قسوة    عاوزه أوزع الميراث على البنات والأولاد بالتساوى؟.. أمين الفتوى يجيب    ليفربول يعزز هجومه بهداف أينتراخت    التعليم: إتاحة الاختيار بين الثانوية والبكالوريا أمام طلاب الإعدادية قريبا    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    «الرعاية الصحية»: إنشاء مركز تميز لعلاج الأورام في محافظة أسوان    «350 من 9 جامعات».. وصول الطلاب المشاركين بملتقى إبداع لكليات التربية النوعية ببنها (صور)    شاهد أعمال تركيب القضبان بمشروع الخط الأول بشبكة القطار الكهربائى السريع    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    البطاطس ب9 جنيهات.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت في سوق العبور للجملة    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    أول ظهور ل رزان مغربي بعد حادث سقوط السقف عليها.. ورسالة مؤثرة من مدير أعمالها    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوسيتيا روسيا جورجيا: التفكير في اللامفكَّر فيه
نشر في التغيير يوم 18 - 02 - 2010


\r\n
تلك رواية كثيراً ما وردت في خاطري، مجدداً في آب ،2008 خلال الحرب الروسية الجورجية الأوسيتية.
\r\n
جورج بوش، وكوندليسا رايس وغيرهما من أصحاب المقامات الرفيعة توسلوا قداسة الأمم المتحدة، مهددين روسيا بأنها قد تُطرد من المحافل الدولية »لقيامها بأنشطة في جورجيا تتضارب« مع مبادئهم. يجب احترام سيادة كل الدول ووحدة أراضيها، على نحو صارم، ثم كرروا: »كل الدول«، باستثناء تلك التي اختارت الولايات المتحدة مهاجمتها: العراق، صربيا، وربما إيران، ولائحة طويلة جداً من الدول، بات ترداد أسمائها مألوفاً.
\r\n
طبعاً، انضم إلى الجوقة، الشريك الفتي، وزير خارجية بريطانيا ديفيد ميليباند متهماً روسيا بأنها تنتهج »أساليب دبلوماسية تعود للقرن التاسع عشر«، عبر غزو دولة ذات سيادة، وهو أمر لم تتوقعه بريطانيا قط، في عالم اليوم. »ببساطة، ليست تلك هي الطريقة التي تدار فيها العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين«، أضاف ميليباند، مردداً صدى أقوال »المقرر الأعلى« (أي بوش)، الذي اعتبر أن غزو »دولة مجاورة ذات سيادة.. أمر غير مقبول في القرن الحادي والعشرين«.
\r\n
وعليه، لم تعد كندا والمكسيك بحاجة لأن تخشيا أي غزوات جديدة أو عمليات ضم لأراضيهما، لأن الولايات المتحدة تحتاج فقط، في الزمن الراهن، للدول التي لا تقع على حدودها.. ذلك لا يعني طبعاً أن مثل هذه القيود تنطبق على حلفائها. لبنان مثلاً تعلّم الدرس مجدداً في العام .2006
\r\n
»المغزى الذي نستقيه من هذه القصة يعتبر أكثر تنويراً«، كتب سيرج حليمي في صحيفة »لوموند ديبلوماتيك« الفرنسية، ف»عندما أراد أن يدافع عن حدود بلاده، أعاد ساكاشفيلي، ذلك الساحر الموالي لأميركا، بعضاً من جنوده الألفين الذين أرسلهم إلى العراق، لغزوه«.
\r\n
محللون بارزون أغراهم العزف. فريد زكريا أثنى على ملاحظة بوش بأن سلوك روسيا غير مقبول في عالم اليوم، على عكس القرن التاسع عشر، »عندما كان التدخل الروسي إجراء عملياً نمطياً من قبل قوة عظمى«. ولهذا، يتعين علينا استنباط استراتيجية لاستقطاب روسيا »إلى صفوف العالم المتحضّر«، حيث التدخل أمر لا يمكن التفكير فيه.
\r\n
بالتأكيد، كان هناك مَن شاطر مارك تواين يأسه. أبرزهم كريس باتن، المفوض السابق للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي يرأس حزب المحافظين البريطاني، ومستشار جامعة أوكسفورد، والعضو في مجلس اللوردات.
\r\n
وكتب باتن أن الرد الغربي »يكفي لأن يجعل حتى المشككين يهزون رؤوسهم إنكاراً«، في إشارة إلى إخفاق أوروبا في الرد بصرامة على وقاحة القادة الروس، الذين »كما قياصرة القرن التاسع عشر، يريدون مساحة حول حدود بلادهم، ليحكموا سيطرتهم عليها«.
\r\n
باتن يميز بشكل صحيح روسيا عن القوة العالمية العظمى، التي تجاوزت، منذ زمن طويل، مرحلة كانت تحتاج فيها إلى مساحة من النفوذ تحيط بحدودها، وباتت تحتاج فيها إلى مساحة نفوذ تفرضها على العالم برمّته. هي أيضاً، تعمل بقوة من أجل إشباع تلك الحاجة، تماشياً مع عقيدة كلينتون بأن لدى واشنطن الحق في استخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها الحيوية، مثل »ضمان النفاذ اللامحدود إلى الأسواق الأساسية، وإمدادات الطاقة والموارد الاستراتيجية«، وفي العالم الحقيقي، ما يفوق ذلك بكثير.
\r\n
كلينتون، في عقيدته، لم يكن يخترع شيئاً جديداً، فهي تتحدر من المبادئ التقليدية التي صاغها كبار المخططين خلال الحرب العالمية الثانية، الذين قدّموا منظوراً للهيمنة الدولية. قالوا إنه، في عالم ما بعد الحرب، يتعين أن يكون هدف الولايات المتحدة هو »الإمساك بقوة لا نزاع فيها«، وضمان »حدود أي ممارسة للسيادة«، من قبل الدول التي قد تتعارض مع تصاميمها العالمية. ولضمان تحقيق هذه الغايات، يتعين »أولا التنفيذ السريع لبرنامج إعادة تسليح كامل«، فهو العنصر الجوهري في »سياسة موحدة من أجل تحقيق تفوق الولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً«. هذه الخطط التي وُضعت خلال الحرب، تم تنفيذها، بطرائق مختلفة، خلال السنوات اللاحقة.
\r\n
هذه الأهداف عميقة الجذور في الهيكليات المؤسساتية الراسخة. ولهذا فهي تظل قائمة، بصرف النظر عمّن يقطن في البيت الأبيض، ولا تعكر صفوها أي مناسبة »لإرساء السلام«، أو غياب الخصم الأبرز عن المشهد العالمي، أو أي أمور هامشية غير ذات الصلة.
\r\n
ابتكار تحديات جديدة ليس أمراً مستعصياً على مؤسسي العقيدة، فرونالد ريغان انتعل حذاءه التكساسي ذات مرة معلناً حالة الطوارئ الوطني لأن جيش نيكاراغوا كان على بعد يومين من تكساس، وقد يقود القبائل التي قد »تكتسح الولايات المتحدة، وتأخذ ما لدينا«، بحسب ما قال ليندون جونسون منتحباً، داعياً إلى إحكام السيطرة على الفيتنام. والأكثر إنذاراً بالسوء هو أن هؤلاء قد يصدّقون فعلاً ما يقولونه.
\r\n
بالعودة إلى الجهود المبذولة لإحضار روسيا إلى العالم المتحضر، أصدرت الدول السبع في مجموعة الدول الصناعية الثماني بياناً، أدانت فيه العملية التي قامت بها الدولة الزميلة في مجموعة الثماني، روسيا، التي يتعين عليها أن تفهم الالتزام الأنغلو أميركي لعدم التدخل.
\r\n
وعقد الاتحاد الأوروبي اجتماعاً طارئاً نادراً، لإدانة جريمة روسيا، وهو أول اجتماع من نوعه يعقد منذ غزو العراق، الذي لم يستفز أي إدانة.
\r\n
أما روسيا فدعت إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن، لم تتوصل إلى أي قرار يمكن الإجماع عليه. والسبب، بحسب دبلوماسيين في المجلس، عائد إلى رفض بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما عبارة دعت الطرفين إلى »نبذ استخدام العنف«.
\r\n
هي ردود أفعال تذكّر بملاحظات أورويل المتعلقة »بتجاهل الواقع« من قبل »الوطنيين«، الذين »لا يكتفون بعدم استنكار الفظائع المرتكبة من جانبهم، بل.. يتمتعون بقدرة استثنائية على عدم سماع ما يقال عنها«.
\r\n
الوقائع الأساسية ليست مسألة متنازعا عليها، جدياً. فقد كان ستالين قد ألحق أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، بمسقط رأسه جورجيا. وينصح القادة الغربيون بشدة بأن تُحتَرم توجيهات ستالين، رغم المعارضة الواسعة التي يبديها الأوسيتيون والأبخاز. وحظي هذان الإقليمان بنوع من الحكم الذاتي لحين انهيار الاتحاد السوفياتي. في العام ،1990 ألغى الرئيس القومي المتشدد زفياد غامساخورديا المناطق السيادية واجتاح أوسيتيا الجنوبية. وأسفرت الحرب التي اندلعت حينها عن مقتل نحو ألف شخص وتهجير عشرات الآلاف، فيما »سُحقت« العاصمة تسخينفالي و»أُفرغت من سكانها« (»نيويورك تايمز«). بعدها، أشرفت قوة روسية صغيرة على هدنة لم تكن سهلة، نُقضت نهائياً في 7 آب ،2008 عندما أمر الرئيس ساكاشفالي قواته القيام بالاجتياح. ووفقاً لعدد كبير من شهود العيان، ذكرت صحيفة »ذي تايمز« أن الجيش الجورجي بدأ فجأة »بدك أجزاء مدنية من العاصمة تسخينفالي، وقاعدة روسية لحفظ الأمن هناك، بسيل من الصواريخ الثقيلة ونيران المدفعية«. الرد الروسي كان متوقعاً، ودفع القوات الجورجية إلى خارج أوسيتيا الجنوبية، وبدأت روسيا تغزو أجزاء من جورجيا، قبل أن تنسحب جزئياً إلى جوار أوسيتيا الجنوبية. سقط الكثير من الضحايا. ومن الطبيعي أن الأبرياء عانوا كثيراً.
\r\n
بدايةً، أعلنت روسيا أن عشرة من جنودها المشاركين في مهمة حفظ الأمن قتلوا خلال القصف الجورجي. بالكاد ذكر الغرب هذه الواقعة. في أوساط الأوسيتيين الذين نزحوا شمالاً، كانت »الرؤية السائدة«، بحسب ما كتبت صحيفة »فاينانشال تايمز« اللندنية، تفيد بأن »الزعيم الجورجي الموالي للغرب ميخائيل ساكاشفالي حاول أن يمسح مقاطعتهم الانفصالية«. بعدها قامت الميليشيات الأوسيتية، تحت أنظار الروس، بطرد الجورجيين بشكل وحشي، إلى أماكن خارج أوسيتيا أيضاً.
\r\n
وذكرت »نيويورك تايمز« أن »جورجيا قالت إن هجومها كان ضرورياً لوقف هجوم روسي كان يتم الإعداد له«، لكن بعد أسابيع »لم يكن هناك أي دليل مستقل، غير إصرار جورجيا على أن روايتها صحيحة، يؤكد أن القوات الروسية كانت تريد الهجوم، قبل القصف الجورجي«.
\r\n
في روسيا، كتبت »وول ستريت جورنال« أن »المشرعين والمسؤولين والمحللين المحليين أيدوا النظرية القائلة إن إدارة بوش شجّعت جورجيا، حليفتها، على بدء الحرب، بهدف إحداث أزمة عالمية تمكن المرشح الجمهوري إلى الرئاسة السيناتور جون ماكين من استعراض خبرته في الأمن القومي«.
\r\n
في المقابل، ادعى المؤلف الفرنسي برنار هنري ليفي، في صحيفة »نيو ريبابليك« أن »أحداً لا يمكنه أن يتجاهل حقيقة أن الرئيس ساكاشفالي قرر القيام بتحرك ما، فقط عندما لم يعد أمامه خيار آخر. وكانت الحرب قد بدأت بالفعل. ورغم تراكم الحقائق، التي كان يتعين أن تكون واضحة لكل المشككين والمراقبين الحسني النيات، اندفعت العديد من وسائل الإعلام إلى تبني فرضية أن الجورجيين محرِّضون أثاروا حرباً على نحو غير مسؤول«.
\r\n
وأخطأ نظام الدعاية الروسية عندما عرض دليلاً، تم دحضه بسهولة، في حين أن الأنظمة الغربية المماثلة، الأكثر حكمةً، أبقت التصريحات الموثوقة، مثل اتهام ليفي وسائل الإعلام الغربية بأنها تتجاهل »ما هو جلي لكل المشككين والمراقبين الحسني النية«، لأولئك الذين يكفي ولاؤهم لإثبات »الحقيقة«، التي يتعين على المحللين الجديين التوصل إليها.
\r\n
الروس يخسرون »الحرب الدعائية«، هكذا قالت »بي بي سي«، فيما نجحت واشنطن وحلفاؤها في »تقديم الأعمال الروسية على أنها اعتداء، والتقليل من شأن الهجوم الجورجي على أوسيتيا الجنوبية، في 7 آب، الذي أشعل العملية الروسية«، رغم أن »الدليل الماثل في أوسيتيا الجنوبية يؤكد على أن الاعتداء كان مكثفاً ووحشياً«. إذاً روسيا »لم تتعلم بعد كيف تدير اللعبة الإعلامية«، ختمت »بي بي سي«. وهذا طبيعي. فالدعاية تصبح أكثر تعقيداً وتطوراً كلما أصبحت الدول أكثر حريةً، ما يُفقد الدولة القدرة على السيطرة على شعبها بالقوة.
\r\n
لكن »فاينانشال تايمز« غطّت جزئياً الفشل الروسي في تقديم الدليل القاطع، عندما كشفت أن البنتاغون درّب قوات الكومندوس الجورجية قبل فترة وجيزة من الهجوم الجورجي في 7 آب، وهي معلومات »قد تعزز الاتهامات« التي أطلقها رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، الشهر الماضي، بأن الولايات المتحدة »نسّقت الحرب في المقاطعة الجورجية«. وأشارت الصحيفة إلى أن مَن أجرى هذه التدريبات، كان قوات أميركية خاصة سابقة، تم استقطابها عبر متعاقدين عسكريين، بما في ذلك »ام بي ار أي«، التي »وظّفها البنتاغون في العام 1995 لتدريب الجيش الكرواتي قبل الغزو العرقي الذي شنه على منطقة كرايينا الصربية، والذي أدى إلى تهجير مئتي ألف لاجئ، وكان واحداً من أسوأ حوادث التطهير العرقي خلال حروب البلقان«.
\r\n
قد تكون عملية الترحيل المدعومة أميركياً في كرايينا (التي شملت نحو 250 ألفاً، بالإضافة إلى العديد من القتلى) أسوأ حالة تطهير عرقي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. نصيب تلك العملية في التاريخ المصادَق عليه أشبه بنصيب صور تروتسكي في روسيا الستالينية، لأسباب بسيطة وكافية: العملية لا تتوافق مع الصورة المطلوبة للنبل الأميركي، في وجه الشر الصربي.
\r\n
خسائر آب ،2008 الناجمة عن حرب القوقاز هي أيضاً عرضة لتقديرات متضاربة. فبعد شهر من اندلاعها، أفادت »فاينانشال تايمز«، نقلاً عن تقارير روسية، أن »133 مدنياً على الأقل قتلوا في الهجوم، الذي أوقع أيضاً 59 من جنود حفظ السلام«، في حين أن الغزو الروسي الضخم وقصفها الجوي على جورجيا خلّف، وفقاً لل»فاينانشال تايمز«، 215 قتيلاً جورجياً، بينهم 146 جندياً و69 مدنياً.
\r\n
\r\n
ثمة مسألتان حاسمتان تكمنان في خلفية الحرب. الأولى هي السيطرة على الأنابيب التي تصل إلى أذربيجان وآسيا الوسطى. وكان كلينتون قد اختار جورجيا كممر، يتجاوز روسيا وإيران، ولهذه الغاية تم تسليحها بشدة. ولهذا، تعتبر جورجيا »مصدراً أساسياً واستراتيجياً بالنسبة لنا«، بحسب ما قال زبيغنيو بريجنسكي. تجدر الإشارة إلى أن التحليلات باتت أقل تكتماً في وصف الدوافع الأميركية الحقيقية في المنطقة بأنها ذرائع لمواجهة تهديدات خطيرة أو لأن الحريات تتلاشى، وبات من الصعب تضليل المطالب العراقية بشأن ضرورة انسحاب القوات المحتلة. ولهذا، ومن خلال إسدائهم نصيحة لباراك أوباما بشأن اعتباره أفغانستان »الجبهة المركزية« بالنسبة للولايات المتحدة، ذكّره المحررون في »واشنطن بوست«، بأن العراق »يقع في المركز الجيوسياسي للشرق الأوسط، ويختزن بعضاً من أوسع الاحتياطات النفطية في العالم«، وبأن أهمية أفغانستان »الاستراتيجية تبدو باهتة أمام تلك التي يمثلها العراق«. فمرحباً بالاعتراف بالحقيقة بشأن الغزو الأميركي، ولو جاء متأخراً.
\r\n
المسألة الثانية الكامنة وراء الحرب هي توسيع »الناتو« شرقاً، الذي وصفه جورج كينان في العام ،1997 بأنه »الخطأ الأكثر فداحةً في السياسة الأميركية، خلال كل مرحلة ما بعد الحرب الباردة، والذي يتوقع أن يثير الميول العسكرية القومية والمعادية للغرب لدى الرأي العام الروسي، وأن يُحدث أثراً عكسياً على تنمية الديموقراطية الروسية، وأن يعيد أجواء الحرب الباردة إلى العلاقات بين الشرق والغرب«.
\r\n
عندما انهار الاتحاد السوفياتي، قام ميخائيل غورباتشوف بتنازل مذهل، في ضوء التاريخ الحديث والوقائع الاستراتيجية، عبر الموافقة على السماح لألمانيا الموحدة بأن تنضم إلى التحالف العسكري المعادي. ولقي هذا »التنازل المدهش« إشادات من وسائل الإعلام الغربية والناتو والرئيس بوش الأب، الذي وصفه بأنه دليل على »موقف.. لمصلحة كل دول أوروبا، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي«.
\r\n
وكان غورباتشوف قد وافق على تقديم هذا التنازل المدهش بعدما حصل على »ضمانات من الناتو بأنه لن يوسع نطاق سلطته، شرقاً، ولا حتى شبراً واحداً. والكلمات هي بدقة تلك التي استخدمها (وزير الخارجية) جيمس بيكر«، بحسب ما قال الخبير البارز في الشؤون السوفياتية في الخدمة الخارجية جاك ماتلوك، الذي كان سفير الولايات المتحدة الى روسيا في السنوات العصيبة بين 1987 و.1991 وأيده في ذلك ستروب تالبوت، أعلى مسؤول مكلف شؤون أوروبا الشرقية، خلال إدارة كلينتون. واستناداً إلى سجل دبلوماسي، ذكر تالبوت أن »وزير الخارجية بيكر قال لنظيره السوفياتي آنذاك ادوارد شيفاردنادزه، خلال بحث تردد الاتحاد السوفياتي بشأن السماح لألمانيا الموحدة بالبقاء في الناتو، إن »الناتو لن يتحرك شرقاً«. وسرعان ما حنث كلينتون بهذا الالتزام، نابذاً جهود غورباتشوف لإنهاء الحرب الباردة. كما رفض الناتو اقتراحاً روسياً لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، تمتد من القطب الشمالي إلى البحر الأسود، وهو أمر »يتعارض مع خطط توسيع الناتو« بحسب ما قال المحلل الاستراتيجي السابق لدى الناتو مايكل ماكغواير.
\r\n
دحضاً لهذه الاحتمالات، اتخذت الولايات المتحدة موقفاً انتصارياً هدد الأمن الروسي، ولعب دوراً أساسياً في دفع روسيا إلى انهيار اقتصادي واجتماعي شديد، فضلاً عن إسقاط ملايين القتلى. وقد زادت من حدة هذه العملية قرارات بوش توسيع الناتو أكثر فأكثر، والإطاحة باتفاقات حاسمة لنزع السلاح، وانتهاج أسلوب العسكرة العدوانية. وكتب ماتلوك أن روسيا كانت لتسمح بانضمام الدول التي كانت تابعة لها، إلى الناتو، لو أنه لم يقصف صربيا وواصل عملياته التوسعية.
\r\n
لكن، استناداً إلى أحدث التحليلات، اعتُبرت مسألة نشر صواريخ مضادة للصواريخ البالستية في بولندا، وعملية ضم جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو، على أنها تجاوز للخطوط الحمر. والإصرار على الاعتراف باستقلال كوسوفو كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. تعلّم بوتين أن تقديم التنازلات للولايات المتحدة لم يكن متبادلاً، وإنما كان يروّج لهيمنة الولايات المتحدة على العالم. و»ما إن سنحت له فرصة المقاومة.. انتهزها على الفور«، في جورجيا.
\r\n
وقال المسؤولون في إدارة كلينتون إن توسيع الناتو لا يشكل أي تهديد عسكري، ولم يكن سوى حركة »حميدة« للسماح للدول التي كانت تابعة لروسيا بأن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي (تالبوت). بالكاد يمكن اعتبار ذلك مقنعاً. فالنمسا والسويد وفنلندا، دول تابعة للاتحاد الأوروبي، لكنها ليست أعضاء في الناتو. ولو كُتب لمعاهدة وارسو الحياة وتم تجسيدها في دول أميركا اللاتينية لندع كندا والمكسيك جانباً لم يكن بالإمكان إقناع الولايات المتحدة بسهولة بأن المعاهدة، مجرّد اجتماع نظري.
\r\n
لا حاجة لمراجعة سجل العنف الأميركي الذي مورس لمنع إقامة الروابط الوهمية مع موسكو في »منطقتنا الصغيرة هنا« في الجهة الغربية. والكلام لوزير الحرب هنري ستيمسون، عندما كان يشرح ضرورة تفكيك كل الأنظمة الإقليمية بعد الحرب العالمية الثانية، باستثناء أنظمتنا، التي يتعين توسيعها. وتأكيداً لهذه الخلاصة، ادعت واشنطن، في خضم الأزمة الحالية في القوقاز، أنها قلقة من أن تستأنف روسيا تعاونها العسكري والاستخباراتي مع كوبا (لدرجة غير بعيدة عن تلك القائمة بين الولايات المتحدة وجورجيا)، ومن أنها لم تعد بعيدة عن تشكيل تهديد أمني كبير. وهنا أيضاً، عُرضت الدرع الصاروخية على انها أمر »حميد«، رغم أن محللين استراتيجيين أميركيين بارزين شرحوا لماذا يتعين على المخططين الروس أن ينظروا إلى الدرع والأماكن التي اختيرت لنشرها فيها، على أنها نواة تهديد محتمل للعوائق (العسكرية) الروسية.
\r\n
والغزو الروسي لجورجيا استُخدم كذريعة لإبرام الاتفاق الذي نص على وضع هذه الأنظمة الصاروخية في بولندا، ما »يعزز الذريعة التي كررتها موسكو ورفضتها واشنطن، بأن الهدف الحقيقي وراء هذه الأنظمة هو روسيا«، بحسب ما كتب المعلق في وكالة »اسوشييتد برس« ديسموند باتلر.
\r\n
ماتلوك ليس الوحيد الذي ينظر إلى كوسوفو على أنها عامل مهم. فصحيفة »بوسطن غلوب« كتبت أن »الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا قد يصبح مبرراً، على مبدأ حق انفصال الأقليات التي تُساء معاملتها، وهو المبدأ الذي أقر به بوش بالنسبة لكوسوفو«. لكن ثمة خلافات كبيرة. إذ يعترف ستروب تالبوت بأن »هناك نوعاً من رد دين قديم على الولايات المتحدة والناتو، لقاء ما ارتُكب في كوسوفو قبل تسع سنوات«، لكنه يصرّ على أن »المقارنة خاطئة بعمق وبشدة«. ولا أحد غيره بإمكانه معرفة لماذا هي خاطئة، بعدما أوضح جلياً الأسباب، في مقدمة كتاب عن قصف الناتو في صربيا، ألفه زميله جون نوريس.
\r\n
وكتب تالبوت أن أولئك الذين يريدون معرفة »كيف شعر وكيف بدت الأوضاع بالنسبة لأولئك من مواطنينا الذين كانوا يشاركون« في الحرب، عليهم أن يقرأوا تقرير نوريس، الذي خلص فيه إلى أن »المقاومة التي أبدتها يوغوسلافيا لنزعات الإصلاح السياسي والاقتصادي، وليس حالة الكوسوفيين الألبان، هي أفضل ما يمكن أن يفسّر حرب الناتو«.
\r\n
وأوضح التقرير، منذ البداية، أن الدافع وراء قصف الناتو لم يكن »حالة الكوسوفيين الألبان«، عندما أشار إلى أن الفظائع المرتكبة كانت، بالتأكيد، النتيجة المسبقة للقصف، وليس سببه.
\r\n
وحتى قبل أن يصدر التقرير، كان يتعين أن يكون (ما جاء فيه) جلياً للجميع، باستثناء أولئك الأشخاص الأكثر ولاءً وحماسة، والذين بالكاد استطاع حرصهم الإنساني أن يحرّض الولايات المتحدة وبريطانيا، والذين كانوا في الوقت عينه يقدّمون الدعم القوي للفظائع التي فاقت ما كُتب عنه من كوسوفو، وبخلفية أكثر ترويعاً من كل ما حصل في البلقان.
\r\n
لكن تلك الفظائع تعتبر مجرد وقائع، لا تمت بصلة ل»وطنيي« اورويل ولغالبية المثقفين الغربيين، الذين استثمروا قدراتهم بشكل هائل، في عملية تعظيم وتجميل »المرحلة النبيلة« في مسيرة السياسة الخارجية و»وهجها المقدس«، عندما اقتربت الألفية من نهايتها، ليبدو قصف صربيا كأنه الجوهرة النفيسة في التاج الثمين. ومع ذلك، كان ممتعاً أن نسمع من أرفع المستويات أن السبب الحقيقي وراء القصف هو أن صربيا كانت الوحيدة في أوروبا التي صمدت في وجه برامج إدارة كلينتون وحلفائها، السياسية والاقتصادية، بالرغم من أن زمناً طويلاً مر قبل أن يُسمح لمثل هذه الإزعاجات بأن تدخل إلى المنطقة.
\r\n
بالطبع، هناك خلافات أخرى بين كوسوفو والمناطق الجورجية التي تدعو إلى الاستقلال أو الوحدة مع روسيا. إذ ليس معروفاً عن روسيا أنّ لديها قاعدة عسكرية ضخمة هناك، سُميت على اسم بطل في غزو أفغانستان، من الممكن تشبيهها بمخيم »بوندستيل« في كوسوفو، التي سُميت على اسم بطل في حرب الفيتنام، ويُفترض أنه جزء من نظام قواعد عسكرية أميركية تستهدف مناطق إنتاج الطاقة في الشرق الأوسط.
\r\n
وعلى هذا النحو، هناك خلافات كثيرة أخرى.
\r\n
كثر الحديث مؤخراً عن »حرب باردة جديدة« أثارها سلوك روسيا الوحشي. لا يمكن لأحد أن يُخطئ في قراءة مؤشرات المواجهة، من بينها السفينة الحربية الأميركية الطارئة الموجودة في البحر الأسود، وهو أمر بالكاد يمكن السماح به في جزر الكاريبي. كما أن الجهود لتوسيع الناتو ليشمل أوكرانيا قد تصبح خطرة للغاية.
\r\n
ومع ذلك، من غير المرجح أن تندلع حرب باردة. ولتقييم المشهد، علينا أن نبدأ بتوضيح الحرب الباردة القديمة. لندع الخطابة المحتقنة جانباً. كانت الحرب الباردة، عملياً، اتفاقاً ضمنياً، كان بإمكان المتنافسين فيه اللجوء إلى العنف والدمار من أجل ضبط مقاطعاتها، وتلك كانت بالنسبة لروسيا، جيرانها الشرقيين، فيما كانت بالنسبة للقوة العظمى، بقية العالم. لا يتعين على المجتمع الإنساني أن يحتمل انبعاث شي كهذا، وقد لا ينجو منه، على أي حال.
\r\n
... ثمة نصيحة عقلانية قدّمها وزير الخارجية الإسرائيلي والمؤرخ شلومو بن عامي تفيد بأن على »روسيا أن تسعى إلى شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، التي، بدورها، عليها أن تفهم أنه عندما يتم إقصاؤها وازدراؤها، قد تصبح روسيا المفسد العالمي الأكبر. فبعدما تم تجاهلها وإذلالها من قبل الولايات المتحدة منذ أن انتهت الحرب الباردة، تحتاج روسيا إلى الاندماج في نظام عالمي جديد يحترم مصالحها كقوة منبثقة، وليس انتهاج استراتيجية غربية معادية للغرب«.
\r\n
\r\n
تنشر »السفير« النص باتفاق خاص مع نعوم تشومسكي
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.