\r\n غير ان هذه الرؤية قصيرة المدى, وخاصة بمنطق ما تبدو عليه الامور في الوقت الحاضر, وكأنها تعيد الى الاذهان خطابه شديد اللهجة الشهير, في عام ,2002 الذي وصف فيه ايران والعراق وكوريا الشمالية محور الشر. كما كان خطابه في البرلمان الاسرائيلي مثقلا بتصور ديني, راسما صورة روحية وايديولوجية للعلاقة الوثيقة بين الولاياتالمتحدة واسرائيل, التي بدت غير مسبوقة, كما يقول محللون, في خطاب لأي رئيس للولايات المتحدة. فقال فيه: \"يجري خوض هذا الكفاح بتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك, فان المعركة القديمة بين الخير والشر تكمن في صلبه. فالقتلة يلبسون لبوس الاسلام, وما هم بمتدينين, وما من مؤمن بإله ابراهيم يشدّ الى خصره حزاما انتحاريا ضد طفل بريء, او يفجر نفسه وسط ضيوف مجردين من الخطيئة في عيد الفصح اليهودي, او يقود طائرة ويصدمها ببناية مكاتب تعج بعاملين أبعد ما يكونون عن الشبهة\". \r\n \r\n وقدّم بوش في خطابه هذا دعما ثابتا لاسرائيل, ومشيرا الى اعدائها في حماس وحزب الله وايران احمدي نجاد كقوى ظلام, والى انه ينبغي على الغرب الا يُغبن \"بالاسترضاء\", ملمحا بذلك الى استرضاء العالم لهتلر في ثلاثينيات القرن الماضي. \r\n \r\n وقال بوش, \"لا يجوز ابدا لاية دولة ان تجبر على التفاوض مع قتلة يقسمون على تدميرها, في اشارة الى اقتراحات من بعض الوسطاء- كالرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر اثناء مهمة قام بها مؤخرا في المنطقة- بأن على اسرائيل التفاوض مع حماس, التي تسيطر على غزة. كما نظر الى هذه الملاحظة على انها موجهة الى المرشح لمنصب الرئيس من الحزب الديمقراطي, باراك اوباما, الذي اقترح جلوس الولاياتالمتحدة الى طاولة المفاوضات مع ايران وسورية. \r\n \r\n وبعد ان أتى بوش على تصريحات احمدي نجاد المتعلقة \"بمسح اسرائيل من على الخارطة\", قال بوش \"هناك اناس طيبون ومحترمون, وغير قادرين على سبر غور الظلامية الكامنة في هؤلاء الاشخاص, ويحاولون تفسير عباراتهم. وهذا امر طبيعي, لكنه خطأ فظيع. فنحن الشهود على الشر في الماضي, نحمل معنا مسؤولية جليلة مهيبة في تعاطينا مع هذه التصريحات بجدية. وفي هذا الخصوص ايضا, قال بوش \"ان السماح لاكبر دولة في رعاية الارهاب, بأن تمتلك أشد الاسلحة فتكا في العالم, خيانة لا تغتفر بحق الاجيال القادمة. فمن اجل السلام, يتوجب على العالم عدم السماح لايران بالحصول على سلاح نووي\". ولاقت كلماته ترحيبا طويلا. \r\n \r\n اما المحللون السياسيون فسرعان ما لاحظوا تجاهل بوش في هذا الخطاب لبعض الكلمات, مثل \"عملية انا بوليس\" التي دشنها في تشرين الثاني الماضي, وبناء المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية, التي يرى فيها الفلسطينيون واحدة من العقبات الاساسية امام السلام. فيقول علي الجرباوي, استاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت, بعد استماعه لخطاب بوش, \"لا اعتقد ان شيئا ما سيحدث هنا بخصوص السلام, بسبب معتقدات الرئيس بوش\". ويذكر في هذا المجال, ان الفلسطينيين احيوا ذكرى النكبة (5/15), اي ذكرى طرد العرب من فلسطين الذي تزامن مع اقامة اسرائيل. \r\n \r\n وقال الجرباوي بنبرة ساخرة, وذات معنى, \"ان خطابه يقول لي اننا لن نحصل على تسوية للصراع, وان هذه الامور ستزداد تعقيدا لسنوات عديدة مقبلة. وقال ان اسرائيل ستظل قائمة خلال العقود الستة التالية, وان الفلسطينيين \"يستحقون\" ان تكون لهم دولة; اذا, ربما علينا ان ننتظر ستين عاما اخرى. ان ما يعرضه بوش على الفلسطينيين هو موقف اسرائيل: اي دولة على ما يبقى من الارض. فإسرائيل تقرّر ما تريد التهامه من الضفة الغربية, ثم تترك الباقي منها للفلسطينيين\". \r\n \r\n وبدا رئيس الحكومة الاسرائيلية, ايهود اولمرت, اكثر المتحمسين حيال التوصل الى اختراق سلام بينما ما يزال هو وبوش في السلطة, واعدا بتقديم اتفاق على الحل بدولتين. فقال: \"عندما نتوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين, ان شاء الله, سلام يستند الى رؤيتكم المتعلقة بالحل بدولتين, فسنعرضها على هذا البرلمان. واؤكد لكم- وكان يلقي كلمته قبل خطاب بوش- بأن هذا الاتفاق على السلام في المستقبل, سيلقى المصادقة عليه من غالبية هذا البرلمان ومن الجمهور الاسرائيلي\". \r\n \r\n وقد خرج عدد من النواب اليمينيين من البرلمان عندما بدأ اولمرت بالقاء كلمته, الامر الذي يذكِّر بالتعقيدات التي يواجهها رئيس الحكومة, على المستويين السياسي والتحقيقات الجزائية الجديدة. ففي اطار التحقيقات الآخذة في الاتساع, تمضي وحدة مكافحة الفساد في الشرطة الاسرائيلية, في التحقيق في الادعاءات بأن اولمرت تلقى مئات الوف الدولارات ابتداء من عام 1993 حتى عام ,2005 من رجل الاعمال البارز في نيويورك, موريس تالانسكي. \r\n \r\n كانت التحقيقات قد ظلّلت الاحتفال بالذكرى الستين, وجعلت المجتمع السياسي زاخرا بالحديث- حتى في خضم الصخب الذي احيط بزيارة بوش وبتواجد مئات الشخصيات الاسرائيلية- عن الدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة, في محاولة لاستبدال اولمرت. ويعتبر بنيامين نتنياهو, زعيم المعارضة, وايهود باراك, زعيم حزب العمل ووزير الدفاع, اكثر الاسماء التي تتردد حاليا, وتصفق بجناحيها استعدادا للعودة الى السلطة. وكلا الرجلين خدم كرئيس للحكومة في التسعينيات. \r\n \r\n اما حقيقة ان بوش لم يلتق أيّا من المسؤولين الفلسطينيين, خلال زيارته لاسرائيل التي دامت يومين, اضافة الى علاقة ذلك بالخطاب الذي القاه في البرلمان الاسرائيلي, فانها تؤكد- على الارجح- للعالم العربي بأن الغرض الاساسي من زيارته هذه هو الاحتفال بالعلاقة بين اسرائيل والولاياتالمتحدة في المقام الاول, ثم دفع عملية السلام الى الامام في المقام الثاني. فحتى بعض الاسرائيليين من الصقور لاحظوا, وببعض الاستغراب والاندهاش, المدى الذي عبّر فيه بوش عن مشاعره الدافئة, لكنها كانت خالية من مشاعر \"الحبّ القاسي\" الذي غالبا ما ميّز فترة حكم الرئيس كلينتون, الذي عمل جادّا على توصل اسرائيل وجيرانها العرب الى اتفاقات سلام. فقال جدعون سعار, النائب عن حزب الليكود اليميني, \"لم يُذكّرنا, ولو لمّره واحدة, بعملية انا بوليس, ولا أعتقد ان ذلك مجرد مصادفة. فقد تحدث عن السلام في اسرائيل كما لو ان ذلك شيئا سيتحقق يوم الآخرة. \r\n