وهذا رأي شاع في أوساط سكان ايرلندا الشمالية في سبعينات القرن العشرين وثمانيناته وتسعيناته. وبدا، يومها، أن اقتلاع جذور العنف من حياتنا اليومية مستحيل. وإثر توقيع اتفاقات الجمعة العظيمة، في 10 نيسان (أبريل) 1998، وبدء مسيرة السلام، لم نتفاءل، ولم نتخفف من حذر اكتسبناه في سنوات المذابح الطويلة، وبقينا نردّد شعار: «لن نستسلم، ولن نتراجع قيد أنملة عن مطالبنا». \r\n \r\n ولكن أموراً كثيرة تغيّرت في ايرلندا الشمالية، منذ 1998. وأعلنت القوات المسلحة غير النظامية الموالية لبريطانيا والقوات الجمهورية وقف إطلاق النار. وخلت الشوارع من دوريات الجيش التي كانت تجوبها منذ طفولتي. وأزيلت متاريس الشرطة الحصينة التي انتشرت في بلفاست، معقل الكاثوليك. وعاد ممثلو السلطة السياسية إلى ستورمونت ، مقرّ البرلمان الإيرلندي الشمالي)، وبدأوا يمارسون صلاحياتهم. \r\n \r\n وأسهمت التنمية الاقتصادية والازدهار السياحي في زيادة فرص العمل، وفي جني الأرباح. وحمل تحسن الاوضاع الاقتصادية الاطراف السياسية كلها على التزام اتفاق السلام. وتكاثر عدد الجمعيات المختلطة بين الكاثوليك والبروتستانت. وتسعى هذه الجمعيات الى مكافحة التعصّب الديني. \r\n \r\n ولاحظ كثيرون من سكان إيرلندا الشمالية تغييرات ملموسة في الحياة اليومية. ولم يكن الانتقال إلى السلام يسيراً. ففي 15 آب (أغسطس) 1998، أودى تفجير بأوماغ، بحياة 29 ضحية، وأعاد الى الاذهان الخطر الذي يتهدد إيرلندا الشمالية. \r\n \r\n ثم وقعت حوادث خطيرة كثيرة، منها أعمال ثأر بين عناصر القوى المسلحة الكاثوليكية والبروتستانتية، ومناوشات كلامية خطيرة بين السياسيين كادت أن تفجر الاوضاع، لولا وساطة توني بلير، رئيس الوزراء آنذاك، وتدخله. وارتفع عدد «جدران السلام»، وهي أسوار تفصل بين مناطق سكن الطرفين المتنازعين، وفاق عددها ما كان عليه قبل 10 سنوات. \r\n \r\n ومع الوقت، ذللت العقبات في وجه السلام. ولكن استمرار موجة الاغتيالات تبعث على القلق والتشاؤم. ففي مطلع شباط (فبراير) الماضي، وجد شابان مقتولين في جوار كنيسة بقرية قريبة من الحدود مع الجمهورية الإيرلندية. ونُسبت الجريمة إلى جمهوريين منشقين. وفي آذار (مارس) 2007، عثر على رجلين مقتولين (أحدهما صديق طفولتي)، في بلفاست. \r\n \r\n والحق أن ايرلندا الشمالية سارت على درب آلام طويل لتبلغ ما هي عليه اليوم. ويمكن تفهّم تردّد البلد في تناول أمور قد تزعزع استقراره. ولكننا لا نستطيع غض الطرف عن القلق الذي تبعثه الاغتيالات في كل معسكر. فذاكرة الايرلندين الشماليين قوية، وهم لا ينسون حوادث الماضي والحاضر. وفي الآونة الأخيرة، أبديت مخاوفي أمام أشخاص كثر عاشوا، شأني، في مناطق النزاع، ومنهم مسلحون وجنود وأشخاص فقدوا أقارب وأصدقاء. ونحن نخشى عودة «الأيام السوداء القديمة»، على رغم ضعف احتمالات اندلاع القتال من جديد. وربما وجب علينا أن نهنّئ أنفسنا على أن عدد الضحايا تدنى منذ اتفاق الجمعة العظيمة، قياساً على أيام القتال. وفي تلك الحقبة فاق عدد القتلى الثلاثة آلاف منذ 1969. ولكن الايرلنديين الشماليين لن يشعروا بالطمأنينة إلا عندما تتوقف أعمال القتل، ويكون الجيل الجديد في منأى عن المخاطر التي تعرضنا لها. \r\n \r\n \r\n عن «غارديان» البريطانية،