بينما ترى دول أخرى صغيرة مثل بولندا وتشيكيا ودول البلطيق الثلاث (استونيا ولاتفيا وليتوانيا) وجميعها جديدة العضوية في الاتحاد الأوروبي بعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي، ترى هذه الدول أن روسيا عدو مباشر يشكل خطرا وتهديدا على وحدة أوروبا وأمنها واستقرارها السياسي والاقتصادي. \r\n \r\n \r\n هذه الدول الصغيرة انضمت لعضوية حلف شمال الأطلسي وفتحت أراضيها المتاخمة للحدود الروسية لقوات حلف الناتو وللقوات والقواعد الأميركية، وهي تعلم جيدا أن هذا الأمر يثير غضب روسيا الشديد عليها. \r\n \r\n \r\n لكنها لحداثة علاقاتها بالغرب وواشنطن تعتقد هذه الدول أن الفضل في ازدهار أوروبا الغربية يرجع أولا وأخيرا للولايات المتحدة التي انتشلت اقتصادات دول أوروبا الغربية من الانهيار بعد الحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n \r\n وتعتقد أيضا أن انضمامها هي للاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي بعد الحرب العالمية كان وراء تخلفها عن ركب التطور والحضارة الأوروبية الحديثة، ولهذا تهرول نحو واشنطن وتستجيب لكل طلباتها من أجل تعويض ما فاتها من تقدم وتحضر في زمن الحرب الباردة. \r\n \r\n \r\n الأزمات بين روسيا والاتحاد الأوروبي تدور حول محورين، الأول اقتصادي وهو مصادر الطاقة من النفط والغاز، والثاني أمني وعسكري وهو منظومة الدفاع الصاروخية الأميركية التي تنوي واشنطن نشرها على أراضي الدول المتاخمة للحدود الروسية وخاصة بولندا وتشيكيا. \r\n \r\n \r\n وبالنسبة للطاقة نجد أن روسيا تعتبر المصدر الرئيسي للغاز الطبيعي لأوروبا إذ تحتكر وحدها نحو 30% من واردات أوروبا من الغاز، وتحاول واشنطن الإيحاء للأوروبيين بأن روسيا تنوى استغلال الطاقة للضغط عليهم. \r\n \r\n \r\n الأمر الذي جعل بعض الدول الأوروبية تأخذ موقفا متعنتا من توقيع ميثاق الطاقة مع روسيا إلا بشروط محددة ترفضها روسيا تماما وتعتبرها تدخلا في شئونها الداخلية. \r\n \r\n \r\n وتتصدر بولندا الدول الرافضة لتوقيع الميثاق مع روسيا، لكن بولندا تخلط الأمور السياسية بالاقتصادية وتردد نفس الاتهامات التي توجهها واشنطنلموسكو بأنها تستخدم الطاقة للابتزاز والضغط السياسي على الدول الأخرى، الأمر الذي اضطر موسكو لاتخاذ موقف مضاد فمنعت استيراد اللحوم البولندية. \r\n \r\n \r\n وردت بولندا على ذلك بالامتناع عن التصويت لصالح تجديد ميثاق الطاقة مع روسيا مما ترتب عليه وقف التجديد طبقا لقوانين الاتحاد الأوروبي الذي يسمح حتى لأصغر دولة فيه بحق الفيتو لإيقاف أي مشروع مطروح. \r\n \r\n \r\n وهنا ظهرت الأزمة داخل الاتحاد الأوروبي، حيث اعترضت ألمانيا التي تعتمد على الغاز الروسي بدرجة كبيرة وأثارت فكرة مراجعة ميثاق الاتحاد الأوروبي بشأن حق الفيتو للدول الصغيرة باعتبار أنه يسبب أضرارا للدول الأوروبية الكبيرة. \r\n \r\n \r\n وهنا نشأت أزمة بين بولندا وألمانيا استرجعتا معها الدولتان رواسب الحرب العالمية الثانية والكراهية المغروسة بينهما، وشهد الاتحاد الأوروبي انقساما لفريقين أحدهما من الدول الصغيرة مؤيد لبولندا والآخر من الدول الكبيرة مؤيد للموقف الألماني، ولم تحسم القضية بعد لكنها مازالت ساخنة ومعرضة للاشتعال في أية لحظة. \r\n \r\n \r\n القضية الأخرى ألأكثر سخونة هي نظام الدفاع الصاروخي الأميركي الذي قبلتا بولندا وتشيكيا نشره على أراضيهما باتجاه الحدود الروسية، وهو الأمر الذي ترفضه روسيا بشدة وترى أنه موجه إليها ويهدد أمنها وتعد بالرد المماثل والقوي عليه. \r\n \r\n \r\n وبالفعل قررت روسيا تجميد عضويتها في معاهدة نشر الأسلحة التقليدية في أوروبا وهددت بالانسحاب منها إذا لم تعدل واشنطن عن نشر النظام الدفاعي الصاروخي بالقرب من حدودها، في الوقت الذي تدعي فيه واشنطن أن النظام الدفاعي غير موجه لروسيا وإنما للصواريخ القادمة من إيران. \r\n \r\n \r\n وهو ادعاء تعتبره موسكو ساذجا لأن إيران لا تملك صواريخ من هذا النوع الذي أعد النظام الدفاعي ضدها ولا تشكل إيران أي تهديدات لأوروبا. \r\n \r\n \r\n وتتساءل روسيا: ما حاجة أوروبا لنظام الدفاع الصاروخي الأميركي؟ \r\n \r\n \r\n لم يقدم أي من الزعماء الأوروبيين حتى الآن جوابا واضحا عن هذا السؤال. إذ ترى مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، مثلا، أن الإجابة عنه من شأن روسيا التي يبنى هذا الدفاع بجانبها والولايات المتحدة باعتبارها صاحبة هذه المنظومة الدفاعية. وينبغي أن يكون جوابهما وليدا توافق بين الجانبين. \r\n \r\n \r\n بينما سعت فرنسا لتهدئة الأجواء حول هذه الأزمة بين موسكووواشنطن معتبرة (مثل ألمانيا) أن القضية تخص البلدين وحدهما ولا دخل للأوروبيين فيها،هذه الردود الدبلوماسية من الدول الكبيرة في أوروبا لا ترضي واشنطن. \r\n \r\n \r\n الدول الأوروبية الكبيرة التي تعاملت مع واشنطن أمنيا طيلة سنوات الحرب الباردة تفهم جيدا ألاعيب السياسة الأميركية، وتفهم أن خلق أجواء من التوتر والاضطراب مع روسيا سيعيد مناخ الحرب الباردة وستجد هذه الدول أنفسها من جديد تغرق في الإنفاق على العسكرة والتسليح، وهو الأمر الذي لا يهم دول صغيرة وضعيفة اقتصاديا مثل بولندا وتشيكيا اللتين تستخدمهما واشنطن لتصعيد الأزمة. \r\n \r\n \r\n ومع هذا فإن دول أوروبا الكبيرة والأعضاء القدامى في الاتحاد الأوروبي لا يريدون أيضا إغضاب واشنطن والدخول معها في مشاكل قد تضرهم في النهاية، ولهذا لا يستطيعون اتخاذ موقف مشترك ضد مشاريع واشنطن العسكرية على الأراضي الأوروبية. \r\n \r\n \r\n الأمر الذي يثير حفيظة وغضب موسكو، والذي جعل الرئيس الروسي بوتين ينفعل في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي في فبراير الماضي ويتهم الأوروبيين مباشرة بأنهم لا يملكون إرادة قرارهم. \r\n \r\n \r\n كما قال لهم أيضا في قمة روسيا والاتحاد الأوروبي في أكتوبر الماضي في البرتغال «يؤسفني القول إن روسيا تعمل لمصلحة الأوروبيين أكثر من الأوروبيين أنفسهم». \r\n \r\n \r\n الأزمات تتصاعد بين روسيا والأوروبيين، والدول الأوروبية الصغيرة مستمرة في استفزازاتها لروسيا بهدف كسب رضاء واشنطن، بينما الدول الكبيرة بين مطرقة مصالحها المباشرة مع روسيا وسندان الضغوط الأميركية، والموقف العام يبدو في صالح روسيا التي باتت أقل حاجة للأوربيين الذين أصبحوا أكثر حاجة لها لمصادر الطاقة الواردة منها. \r\n \r\n \r\n ولا يوجد هناك ما يجبر روسيا على تقديم أية تنازلات ولا الخضوع لأية شروط، بينما يجب على الأوروبيين إذا أرادوا تحقيق مصالحهم أن يقرروا بالتحديد أين هي مصالحهم ويتجهون إليها. \r\n \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أوكراني \r\n \r\n