\r\n من المؤسف أن هذا يعني أيضاً أن فرصة فريدة قد أهدرت. ذلك أن الولاياتالمتحدة فقط بكل ما تملكه من قوة ومن حس بالمهمة العالمية هي القادرة على تأسيس نظام عالمي جديد في بداية القرن الواحد والعشرين. ولكن لكي تتحقق هذه الغاية كان على الولاياتالمتحدة أن تخضع قوتها لهدف صياغة هذا النظام الجديد، كما فعلت في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945 . \r\n إلا أنها استسلمت بدلاً من هذا إلى إغراءات النزعة الأحادية. \r\n من المؤكد أن أي قوة عالمية تستمد عظمتها الوطنية من قدرتها على صياغة العالم. وإذا ما نسيت إحدى القوى العظمى أو تناست هذه الحقيقة، أو فقدت القدرة على العمل وفقاً لها، فلابد وأن تبدأ في الانحدار. ويكاد يكون من المغري أن نتصور أن الاختفاء المفاجئ منذ خمسة عشر عاماً للاتحاد السوفييتي، الخصم الأعظم لأمريكا في إبان الحرب الباردة، كان بالنسبة لأمريكا بمثابة حصان طروادة الهدية المسمومة التي تتمثل في الانفراد بالقرار في العالم. \r\n إذا لم يحدث تحول جوهري في الضمير السياسي الأمريكي، فلسوف يترتب على فقدان الذاكرة الناجم عن النزعة الأحادية في إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة عواقب وخيمة وبعدية المدى، كما سيخلف ذلك فراغاً ضخماً في النظام العالمي. أن أي أمة أخرى لا الصين، ولا أوروبا، ولا الهند، ولا روسيا لا تملك القوة اللازمة للاضطلاع بالدور الذي تلعبه أمريكا. فقد كانت أمريكا وحدها (وما زالت) القادرة على المزج بين الواقعية والمثالية، والمصلحة الذاتية والأخلاق، في إدارة سياستها الخارجية. \r\n والولاياتالمتحدة فقط هي التي انتهجت سياسة خارجية تجعل من الحرية والديمقراطية مهمة أساسية لها. مما لا شك فيه أن هذه لم تكن الحال في كل مكان وأوان، وبصورة خاصة في أمريكا اللاتينية. ولكن كلما كانت هذه هي الحال كانت قوة أمريكا واستعدادها لطلب التعاون الدولي سبباً في خلق نظام ما زالت مؤسساته تربط أطراف العالم معاً حتى الأن. \r\n إن الأممالمتحدة، ومنظمة حلف شمال الأطلنطي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والقانون الدولي، والقانون الجنائي الدولي، وحتى أوروبا الحرة والموحدة اليوم، كل هذا كان بمثابة الإنجازات التي توجت السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ولقد شكلت هذه الإنجازات لحظات من التاريخ حيث استخدمت قوة أمريكا في دعم النظام العالمي؛ وفي ذات الوقت ملاحقة المصالح الأمريكية الخاصة بأكثر السبل فعالية وقدرة على الاستمرار. \r\n والحقيقة أن تخلي أمريكا عن هذا التقليد العظيم لم يبدأ حين تعرضت الولاياتالمتحدة للهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001. بل لقد بدأ ذلك خلال السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، حين بدأت الولاياتالمتحدة في النظر إلى نظام المعاهدات الدولية والمؤسسات الدولية بالكامل باعتباره عقبة أمام تحقيق مصالحها الخاصة. وحين بدأ أهل النخبة في السياسة الخارجية الأمريكية في النظر إلى الولاياتالمتحدة وكأنها العملاق جليفر الذي يربطه ويقيد حركته أقزام السياسة بحبال القوانين الدولية، والمعاهدات، والمؤسسات التعددية. لقد انحط قدر النظام العالمي القائم والذي أسسته الولاياتالمتحدة ذاتها في أعين الأمريكيين أولاً، ثم اعتراه الضعف، وفي النهاية أصبح موضعاً للهجوم المتعمد. \r\n وعلى هذا فإن المناقشة الحالية الدائرة في الولاياتالمتحدة بشأن العواقب المترتبة على الهزيمة في العراق ما زالت دون مستوى القضية فعلى الرغم من كل الانتقادات الموجهة إلى السياسة الأمريكية، إلا أن المناقشة بالكامل ما زالت محصورة في الاستخدام الأحادي الجانب للقوة الأمريكية. وينطبق هذا على وجهات النظر التي تتبناها المعارضة الديمقراطية كما ينطبق على تقرير بيكر-هاميلتون. \r\n إن الأمر يحتاج إلى عودة واعية مدروسة من جانب السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى التعددية. والحقيقة أن هذا التحول العقلي مطلوب وأساسي إذا ما كنا نرغب في انتهاء الأمور إلى الأفضل، وذلك لأن الموقف في العراق يشكل في المقام الأول هزيمة للتوجهات الأحادية التي تتبناها الولاياتالمتحدة. \r\n لن تتمكن الولاياتالمتحدة من العمل بمفردها بنجاح في الشرق الأوسط، أو في كوريا الشمالية، أو في دارفور، أو في وسط وشرق أفريقيا، أو في القوقاز. ومع ذلك فإن التوقعات المحتملة في كل هذه المناطق من العالم سوف تظل محبطة للغاية بدون الاستعانة بأمريكا وقوتها. \r\n ولا يختلف الموقف فيما يتصل بأمور مثل النمو العالمي، والطاقة، وإدارة الموارد، وتغير المناخ، والبيئة، والانتشار النووي، والسيطرة على التسلح، والإرهاب. ذلك أنه ليس من الممكن التوصل إلى حل لأي من هذه المشاكل أو حتى احتوائها بتصرفات أحادية الجانب. ومع ذلك فلن يكتب لأي حل مقترح النجاح بدون الولاياتالمتحدة وزعامتها الحاسمة. \r\n ويصدق نفس القول على مستقبل قانون الأمم، والمحكمة الجنائية الدولية المؤلفة حديثاً، والأممالمتحدة. وما لم يحرص المجتمع الدولي على تنمية هذه المؤسسات فلسوف تتخذ العولمة هيئة أشد فوضوية. \r\n ذات يوم وصفت مادلين أولبرايت الولاياتالمتحدة بِ \"الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها\". كان ذلك الوصف صادقاً آنذاك بقدر صدقه اليوم. وهناك قوة واحدة تستطيع أن تحرم الولاياتالمتحدة من هذا الوضع الفريد، ألا وهي القوة الأمريكية ذاتها. والمسألة اليوم هي ما إذا كانت الأزمة الحالية التي يمر بها الضمير الأمريكي تشكل بداية انحدار أمريكا أو، كما نتمنى، بداية العودة إلى التعددية. هل تعود أمريكا إلى الروح التي كانت تتمتع بها في العام 1945، أم هل تقرر، على الرغم من انتباهها إلى الواقع وعلى الرغم من إحباطها، الاستمرار على هذا المسار الوحيد المنعزل؟ \r\n لا وجود لقوة أخرى في العالم تستطيع أن تضطلع بالدور الأمريكي في المستقبل المنظور. والبديل المتاح في حالة غياب الزعامة الأمريكية ليس سوى الخواء وتفاقم الفوضى. ولكن خلال عقد أو عقدين من الزمان ربما تتولى الصين تحديد القواعد، إذا ما استمرت الولاياتالمتحدة في رفض مسئولياتها التعددية. ولكل هذه الأسباب لابد وأن ندرك أن عودة الولاياتالمتحدة إلى التعددية لا تشكل مصلحة حيوية بالنسبة لأصدقاء أمريكا فحسب. فالمخاطر التي يواجهها النظام العالمي القائم اليوم نتيجة لهذه النزعة الأحادية لابد وأن تجعل حتى أعداء أمريكا يدركون مصلحتهم في عودتها إلى التعددية. \r\n