والسؤال الذي يدور في ذهن الجميع الآن هو ما إذا كان دانييل أورتيجا زعيم حركة ساندينيستا، الذي خسر بفارق يزيد على 10% في كل من الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة، قد ينجح في العودة إلى السلطة هذه المرة. \r\n إن السياسة في نيكاراجوا مستقطبة بين أقلية تنتمي إلى حركة ساندينيستا وأغلبية تناهض ساندينيستا بوضوح، إلا أن أورتيجا يتمتع هذه المرة بفرصة كبيرة في الفوز. ولكن كيف يتأتى ذلك؟ \r\n على الرغم من الجهود الواضحة التي تبذلها إدارة بوش لتوحيد اليمين في نيكاراجوا، إلا أن القوى المناهضة لساندينيستا منقسمة على نفسها. أولاً، الجناح التقليدي، أو الحزب الليبرالي الدستوري، ويسيطر عليه الرئيس السابق أرنولدو أليمان الذي يخضع الآن للإقامة الجبرية في منزله منذ أدين بتهمة الفساد. ولقد رشح الحزب الليبرالي الدستوري خوسيه ريزو. أما الجناح المعتدل والذي يمثله التحالف الليبرالي فيقوده رجل البنوك إدواردو مونتيليجري الذي يحظى بدعم هائل من القطاع الخاص وإدارة بوش. \r\n إلا أن جبهة ساندينيستا للتحرير الوطني أيضاً قد عانت من تمزق خطير بعد بروز خيار جديد في جناح اليسار الديمقراطي، والذي يتمثل في هيئة منشقة على ساندينيستا تمكنت من الفوز بتأييد الناخبين المستقلين. ومرشح هذه الهيئة رجل الاقتصاد إدموندو جاركوين خبير سابق لدى بنك التنمية الأمريكي فيما يتصل بقضايا الحكم. \r\n في العام 2000 كان أليمان قد عقد اتفاقاً سرياً مع أورتيجا يقضي بتقسيم السلطة بين الرجلين، وبموجب هذا الاتفاق أصبح المرشح مطالباً بالحصول على 40% على الأقل من الأصوات للفوز بالرئاسة من الجولة الأولى. علاوة على ذلك، وفي مقابل فوائد شخصية، أصدر أليمان قراراً يبدو وكأنه مفصل لكي يتلاءم مع أورتيجا: وبموجب هذا القرار يستطيع المرشح أن يفوز من الجولة الأولى بحصوله على 35% فقط من الأصوات، بشرط ألا يقل الفارق بينه وبين المرشح الذي يليه عن 5%. \r\n تتفق القوى الناشئة التي يمثلها مونتيليجري وجاركوين على الحاجة إلى الإصلاح السياسي من أجل تفكيك ذلك التحالف بين أورتيجا وأليمان، والذي أدى إلى تسييس النظام القضائي، والحسابات الوطنية، والنظام الانتخابي. وأما فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية فتختلف هذه القوى فيما بينها بشأن الدرجة المطلوبة من الاستمرارية أو التغيير، وبشأن الإصلاحات الأخيرة التي أسفرت عن نمو اقتصادي معتدل ولكن بلا أي تحسن يذكر في الظروف المعيشية لحوالي 50% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر. \r\n ومن عجيب المفارقات هنا أن يدخل أورتيجا المراحل الأخيرة من الحملة الانتخابية وقد أعطته استطلاعات الرأي حوالي 33% من الأصوات، وهو ما يقل كثيراً عن المعدل التاريخي الذي حققه من قبل حين حصل على 42%. إلا أنه قد يفوز على الرغم من ذلك بسبب المعارضة المنقسمة. \r\n في محاكاة ساخرة لأغنية جون لينون \"أعطوا السلام فرصة\"، يجوب أورتيجا البلاد مرتدياً عباءة الواعظ الديني، فيعرض على الناس، \"السلام، والوظائف، والمصالحة\". وهو يشجب الرأسمالية الجامحة، إلا أنه لا يقترح تغييراً نظامياً كبديل. والعناصر الجديدة الوحيدة في برنامجه تتلخص في المعونات والمساعدات التي يقدمها إلى رئيس فنزويلا الشعوبي هوجو شافيز، وهو الأمر الذي سوف يعني أيضاً التحالف السياسي بين الزعيمين إذا ما فاز أورتيجا. \r\n إلا أننا ينبغي علينا أن نقرأ استطلاعات الرأي التي تضع أورتيجا في المقدمة بحرص، وذلك لأن العديد من الناخبين لا يفصحون عن آرائهم الحقيقية. وإذا ما وضعنا هذا التحذير في الاعتبار، فلسوف نجد أنفسنا أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة: \r\n أن يعجز أورتيجا عن الفوز من الجولة الأولى. فكما حدث في انتخابات سابقة، قد تنقلب الأصوات بشدة ضده. ثم بعد هذا يمنى بخسارة واضحة في جولة نهائية ضد مونتيليجري في حالة اتحاد الأصوات المناهضة له. وإذا ما حدث هذا فلسوف تحظى نيكاراجوا برئيس ذي تفويض شعبي قوي، وبالفرصة لتأسيس تحالف ديمقراطي راسخ في الكونجرس. \r\n أن يحقق أورتيجا فوزاً مباشراً من الجولة الأولى، الأمر الذي من شأنه أن يغذي حالة اهتزاز الثقة في الاقتصاد، بسبب الانزعاج الشديد من قِبَل المستثمرين، والمدخرين، والجهات المانحة الخارجية إزاء ماضيه المعروف. ولكن إلى متى سيستمر انزعاجهم، فإن ذلك يتوقف على سلوكه حين يتولى المنصب. فعلى الرغم من لغته الخطابية الثورية إلا أنه لن يحظى بفرصة كبيرة لإحداث أي تغيير يذكر، وذلك لأنه سيفتقر إلى الأغلبية في الكونجرس. ومع ذلك، فإن استقرار البلاد المهتز بصورة دائمة، سوف يعتمد في المقام الأول على علاقاته بالولاياتالمتحدة، وهي العلاقات التي تسممت لمدة طويلة بسبب العداوة المتبادلة. فضلاً عن ذلك فإن فوز أورتيجا سوف يعني فوز شافيز بحليف جديد غير متحفظ، حليف ذي نفوذ رمزي أكثر منه حقيقي، إلا أنه سوف يعتمد اقتصادياً على فنزويلا في منطقة يهيمن عليها نفوذ الولاياتالمتحدة واتفاقية التجارة الحرة بين الأمريكيتين. \r\n * والسيناريو الثالث أن تكون النتائج الانتخابية شديدة التقارب بحيث لا يمكن تحديد فائز لا جدال عليه من الجولة الأولى. ومما يخشى أن يتقاعس المجلس الانتخابي الأعلى، الذي تهيمن عليه بقوة جبهة ساندينيستا للتحرير الوطني والحزب الليبرالي الدستوري، عن فرز وإحصاء الأصوات بحيادية. وحتى إذا لم يكن من المتوقع حدوث حالات تزوير فاضحة، فلسوف تظل احتمالات اللجوء إلى الخداع الانتقائي تشكل خطراً. وهذا من شأنه أن يفرض تحدياً ضخماً على الجهات الدولية المراقبة للانتخابات منظمة الدول الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، ومركز كارتر إذا ما أرادت أن تحول دون التورط في موقف مشابه، أو ربما أشد خطورة من الطريق المسدود الذي وصلت إليه المكسيك في أعقاب انتخاباتها الأخيرة. \r\n إن النتيجة الوحيدة المؤكدة التي ستسفر عنها هذه الانتخابات تتلخص في تأليف كونجرس جديد، ولسوف يؤدي هذا إلى إضعاف التحالف بين أليمان وأورتيجا الذي نجح في السيطرة على إدارة الرئيس الحالي إنريكي بولانيوس. وعلى هذا فإن أي حكومة جديدة سوف تتاح لها مساحة أكبر للمناورة الديمقراطية في ظل هذا الكونجرس المنقسم الذي يتألف من أربع كتل انتخابية قوية. \r\n إن نيكاراجوا تواجه مستقبلاً معقداً إلى حد كبير، إلا أن هذا التعقيد يحمل في طياته قدراً أكبر من الرجاء مقارنة بالجمود الحالي. \r\n \r\n