\r\n \r\n \r\n \r\n ومعروف عن \"بان كي مون\" الذي خدم في منصبه لمدة طويلة أنه إداري حاذق ودبلوماسي صبور، بيد أن وظيفته الجديدة تتطلب منه مواهب أهم من ذلك كثيراً. فهو مطالب بأن يتطور إلى رجل دولة ذي عقل مستقل وسلطة دولية. وليست هذه بالمهمة اليسيرة بحال، لأن وظيفة السكرتير العامة للأمم المتحدة من الوظائف التي تتسم بسمة غريبة وهي أنها وظيفة ذات مسؤوليات هائلة وسلطات قليلة في الآن ذاته. \r\n من الناحية الرسمية، واجب السكرتير العام هو تنبيه الدول الأعضاء إلى أي تطور قد يؤدي في رأيه إلى تعريض صيانة السلام والأمن الدولي للخطر. أما في الواقع العملي، فإن جزءاً كبيراً من ممارسة تلك المهمة، يتوقف على شخصية شاغل هذا المنصب ونفوذه المعنوي. \r\n وقال الكثير من المعلقين إن المهمة المباشرة التي سيجد \"بان كي مون\" نفسه أمامها هي مواصلة وتنفيذ الإصلاحات التي كان سلفه في المنصب قد شرع فيها، وهي إزالة أي شبهة فساد أو محسوبية في المنظمة الدولية، وتيسير إدارتها وغير ذلك.وهذه الأهداف مهمة بالطبع، بيد أن الشيء الأكثر أهمية، هو استرداد الإيمان بالمنظمة الدولية التي تعرضت في السنوات الأخيرة إلى أضرار شديدة، لدرجة يصح معها القول إن المنظمة لم تبد في أي وقت على مدار تاريخها أكثر هشاشة، مما هي عليه الآن. فبدلاً من سيادة نظام دولي، يسود الآن شيء قريب من الفوضى الدولية، حيث يفعل الأقوياء ما يحلو لهم دون أن يطولهم عقاب في حين يرتعش الضعفاء ويتطلعون للمنظمة كي تحميهم وتدافع عنهم. \r\n وكان غزو العراق واحتلاله وتدميره بواسطة الولاياتالمتحدة وبريطانيا دون تفويض من المنظمة الدولية، قد وجه ضربة هائلة لمنظومة الأمن الدولي برمتها، لم يُقدّر لها أن تفق منها حتى الآن. ويرجع السبب في ذلك على وجه التحديد إلى أن النظام الدولي قد أصبح ضعيفا للغاية لدرجة أن دولة مثل كوريا الشمالية تجد أنه من الضروري بالنسبة لها أن تمتلك أسلحة نووية، ولدرجة أن تظل النوايا الإيرانية بشأن أنشطتها النووية مغلفة بالغموض حتى لحظتنا هذه دون أن يتمكن هذا النظام من كشفها. وبالتالي فإنه لن يكون من المستغرب البتة أن تسعى إيران- بعد أن رأت ما حل بالعراق- إلى الحصول على رادع فعال. \r\n بعبارة أخرى يجب أن تكون الأولوية الأولى ل\"بان كي مون\" هي إقناع القوى العظمى التقليدية مثل الولاياتالمتحدة والقوى العظمى الصاعدة مثل الصين بضرورة الالتزام بقواعد اللعب، على أن يقوم في ذات الوقت بطمأنة القوى الصغرى نسبياً التي تواجه بشكل دائم بالإهانات، والعقوبات، والتهديد بتغيير النظام أن المنظمة الدولية يمكن أن توفر لها بعض الحماية الحقيقية. \r\n في الوقت الراهن تفكر دول شرق آسيا جميعاً في تأثير التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية على أمنها وعلى شبكة أصدقائها وتحالفاتها. وفي هذا الإطار قامت اليابان بقيادة رئيس وزرائها الجديد المتشدد \"شينزو آبي\" بالدعوة لفرض عقوبات مالية وتجارية قاسية على كوريا الشمالية- وهو ما يرقى فعلياً إلى مقاطعة دولة تتضور جوعاً في الأساس. فضلاً عن ذلك، من المتوقع أن يقوم القوميون اليابانيون من الجناح \"اليميني\" برفع أصواتهم مطالبين بلادهم بالسعي للحصول على أسلحة نووية- وهو ما تستطيع أن تفعله خلال أسابيع إذا ما أرادت ذلك- وإن كان المرجح أن يقوم \"شينزو آبي\" بالاعتماد أكثر من ذي قبل على حماية المظلة النووية الأميركية، وهو ما قد يعني في حالة حدوثه المزيد من التعزيز للتحالف الأمني بين الولاياتالمتحدةواليابان. \r\n والصين قد تخشى أن تؤدي التجربة النووية التي أجراها \"كيم يونج إيل\" إلى دفع اليابان نحو الحصول على سلاح نووي ينهي الاحتكار الصيني لهذه الأسلحة إقليمياً. ولكن الصين باعتبارها الحليف الرئيسي والشريك الاقتصادي التقليدي لنظام \"بيونج يانج\" لن تكون راغبة في هز استقرار هذا النظام كما أنه من غير المرجح أن توافق على الإجراءات العقابية التي قد ترغب الولاياتالمتحدةواليابان في فرضها عليها. \r\n علاوة على ذلك فإن بعض خبراء الاستراتيجية الصينيين قد يرون أن السلاح النووي الكوري الشمالي يمكن أن يفيد كمعادل موضوعي للقوة العسكرية الأميركية في شرق آسيا يساعد على تشتيت انتباهها ويساعد بالتالي على توحيد الصين مع تايوان. \r\n رد الفعل الرئيسي على التجربة النووية الكورية الشمالية، هو رد الفعل الأميركي بالطبع. ففي مؤتمر صحفي في الحادي عشر من أكتوبر وُجه لبوش سؤال عن استعداده للتعايش مع كوريا شمالية نووية فأجاب بكلمة واحدة\" لا\" .. والآن ما ذا تعنى هذه ال\"لا\" القاطعة من جانب بوش؟ من المرجح أنها تعني فرض المزيد من العقوبات الشديدة، والتهديدات الأكثر عنفاً، وبالتالي المزيد من العزلة على نظام بيونج يانج. فضلاً عن ذلك، كرر بوش رفضه للدخول في مفاوضات ثنائية مع كوريا الشمالية. \r\n والأمر المرجح هو أن كل ذلك سيدفع \"كيم يونج إيل\" إلى توسيع ترسانته النووية بدلاً من دفعه للاستسلام. \r\n كالعادة كان أكثر الأصوات تعقلاً وسط كل هذا النشاز الدولي هو صوت جيمي كارتر الرئيس الأميركي الأسبق والحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2002، والذي لا زال يواصل جهوده الدائبة لحل الصراعات في مختلف أنحاء العالم، مما يجعل الكثيرين يرون أنه يستحق جائزة ثانية.ففي مقال له نشر في عدد صحيفة \"انترناشيونال هيرالد تريبيون\" الصادر في الثاني عشر من أكتوبر، حث كارتر الولاياتالمتحدة على إصدار بيان حازم ومباشر موجه لكوريا الشمالية يفيد أن الولاياتالمتحدة \"لا تحمل أي نوايا عدوانية تجاهها\" على أن تمضي قدماً بعد ذلك نحو \"تطبيع العلاقات\" معها إذا ما تخلت عن المضي قدماً في برنامجها النووي لإنتاج الأسلحة، وظلت على سلام مع جيرانها. وكارتر ينتقد الرئيس بوش لرفضه الدخول في مفاوضات ثنائية مع نظام بيونج يانج، ويقترح إرسال مبعوث دولي موثوق به هو وزير الخارجية الأميركية الأسبق\" جيمس بيكر\" إلى بيونج يانج لأن أخطر شيء في نظره هو \"ترك نظام محاصر يعتقد أنه سيظل مستبعداً من النظام الدولي، وأن وجوده ذاته مهدد، وأن شعبه سيظل يعاني قدرا هائلا من الحرمان، مما يدفعه لترك شؤونه السياسية والعسكرية بالكامل تحت سيطرته المتشددين\". \r\n والسؤال هنا هل سيتبع \"بان كي مون\" نصيحة جيمي كارتر، أم أنه سيتحول إلى مجرد بوق لبعض الأصوات في واشنطن التي تميل إلى إطلاق التهديدات، وفرض المقاطعة، واستخدام القوة؟ الإجابة على هذا السؤال تمثل، في رأيي، التحدي المباشر الذي سيواجه السكرتير العام الجديد للأمم المتحدة. \r\n \r\n \r\n