\r\n كانت هذه هي الرسالة التي مثلتها الزيارة الهادئة إلى أميركا قبل عيد العمال، والتي قام بها عادل عبدالمهدي الذي كان واحداً من حلفاء أميركا الرئيسيين في محاولة استبدال حكم صدام الشمولي بنظام ديمقراطي. \r\n وعلى الرغم من أن عادل عبدالمهدي يشغل في الوقت الراهن منصب نائب الرئيس العراقي، فإنه وصف اجتماعاته مع الرئيس بوش ونائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وكبار أعضاء مجلس \"الشيوخ\" بأنها تأتي في إطار \"زيارة خاصة\". \r\n وفي الواقع أن الرجل قد جاء إلى هنا كي يوصل رسالة ويسأل سؤالاً بالنيابة عن المرجع الديني العراقي الشيعي آية الله علي السيستاني الذي يظل أقوى الشخصيات في العراق نفوذاً، الذي لا غنى عنه في عملية إعادة البناء السياسي في العراق والتي بدأت منذ ما يزيد على 40 شهراً. وقال عبدالمهدي في لقاء مع الصحفيين الذين كنت قد انضممت إليهم الأسبوع الماضي إن رسالة السيستاني إلى بوش هي \"أن العراقيين يتمسكون بمبادئ الدستور والديمقراطية\" ولكن آية الله يريد أن يعرف هل الولاياتالمتحدة أيضاً لا تزال باقية على دعمها وملتزمة بما تعهدت به؟ \r\n وكان ما قاله عبدالمهدي في هذا الشأن: \"إن اللحظة الحالية حرجة. ونحن نريد أن نكون متأكدين أننا نفهم تماماً ما الذي يجري، وأن نعرف الاستراتيجية الحقيقية للولايات المتحدة. حيث نقرأ في الصحف عن وجهات نظر مختلفة ومواقف متباينة. وهذا هو السبب الذي يجعلنا راغبين في أن نعرف بوضوح ما إذا كانت هناك خطة (ب) أم لا\". \r\n عبدالمهدي أشار إلى أنه حصل على تعهد من بوش بالوقوف إلى جانب الحكومة العراقية، ولكن الإحساس بعدم التأكد الذي نقله عن السيستاني هو إحساس حقيقي. وقال الاقتصادي الملتحي، القوي البنية الذي تخرج من مدارس \"الجيزويت\" في بغداد ثم درس بعد ذلك في فرنسا والذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة: \"عندما أقرأ الصحف الأميركية أصاب بالتشوش وتنتابني الحيرة\". \r\n والحقيقة أن القلق الذي يشعر به العراقيون يتجاوز بكثير ذلك القلق الناتج عن النداءات المتصاعدة بإجراء انسحاب سريع للقوات الأميركية، كما يتجاوز القلق الناتج عن الأنباء الواردة بأن البعض حتى في إدارة بوش يبحثون الآن التخلي عن العملية الديمقراطية في العراق. وعبدالمهدي يرى أن عدم التوافق أو الانسجام بين الأجندتين الأميركية والعراقية يتزايد بشكل مطرد، فالأميركيون سواء كانوا يؤيدون حكومتهم في سياستها في العراق أم لا، إلا أنهم يبحثون عن طرق للتراجع بسرعة -أو حتى الهروب- من الوضع المتدهور الذين يرونه على الأرض. \r\n وعبدالمهدي والسيستاني وغيرهما من الزعماء الشيعة لا يتفقون مع واشنطن في رؤيتها المتمثلة في أن الوضع في العراق آخذ في التدهور السريع. كما أنهم غير مقتنعين أيضاً بذلك الشعور بالاستعجال -أي بتلك الفكرة التي يتم التعبير عنه ومؤداها أن الحكومة العراقية ليس أمامها سوى شهور قليلة كي تنجح. ولذلك فإن معظم الحلول السحرية المتداولة في السجال الأميركي لا تثير اهتمامهم. \r\n ويمكن تبين ذلك من سياق المناقشة التي شاركت فيها بجناح عادل عبدالمهدي في فندق \"ريتز كارلتون\". ففي تلك المناقشة أمطرْنا عبدالمهدي بعدد كبير من الأسئلة حول سبب فشل حكومة الوحدة الوطنية في تقليص العنف في العراق. كما سألناه عن كافة الخيارات التي يتم الحديث عنها في واشنطن بدءاً من إعادة كتابة الدستور إلى تقسيم البلاد، ومن عقد مؤتمر دولي إلى إرسال المزيد من القوات الأميركية. \r\n معظم هذه الأسئلة تم الرد عليها بأسلوب مهذب ومقتضب من جانب عبدالمهدي الذي حاول أن يخفف منها بقوله إنه ليست هناك حرب أهلية في العراق وإن الأمر لا يستدعي إرسال المزيد من القوات الأميركية. وأن العراق لديه دستور وحكومة منتخبة، وبالتالي فإنه ليس هناك ما يستدعي عقد مؤتمر دولي. أما بالنسبة للإصلاح الدستوري فإن الأطراف الشيعية والكردية التي شاركت في صياغة الدستور العام الماضي في انتظار مقترحات من السُّنة الذين لم تتلق الحكومة منهم أي رد حتى الآن. \r\n وعندما سألناه: وما الحل في مثل هذه الحالة؟ رد عبدالمهدي: \"الوقت.. فأمة مثل العراق في حاجة إلى وقت؛ فالانتخابات الخاصة باختيار حكومة دائمة تمت منذ ثمانية شهور. كما أنه لم يمض علينا في مناصبنا سوى فترة بسيطة، والأشخاص الذين تم اختيارهم للمناصب لم يحكموا أبداً من قبل، بل جاءوا من عهد اتسم بالقمع وفساد النظام السياسي. هذا هو الموجود ونحن لا نستطيع استيراد وزراء من الخارج، ولذلك علينا أن نتوقع أنه ستكون هناك أخطاء كثيرة، وهو ليس بالشيء الغريب، فالأميركيون ذاتهم ارتكبوا أخطاء، ويجب على العراقيين أن يساعدوا حكومتهم\". عبدالمهدي رجل شجاع ذو أعصاب فولاذية. فمنذ عامين وبينما كان يحضر اجتماعاً مع مجموعة من الصحفيين جاءه نبأ مصرع أخيه في كمين للمتمردين ومع ذلك ظل الرجل يجيب على الأسئلة في جلَد ورباطة جأش. وعلى الرغم من أنه ليس واضحاً فيما إذا كان أعضاء الحكومة التي ينتمي إليها قادرين على التسامي على مشاعر الطوائف التي ينتمون إليها والتي تتقاتل في الشوارع أكثر مما تتباحث في البرلمان، فإنه لا يوجد أدنى شك في أن عبدالمهدي نفسه والكثير من الساسة العراقيين الآخرين سيظلون ملتزمين التزاماً قوياً بهدف الديمقراطية في العراق. \r\n أما قدرتهم على الوصول إلى ذلك الهدف، فتتوقف إلى حد كبير على ما إذا كانت المهارات السياسية لزعماء مثل السيستاني ستكون كافية لوحدها لإيقاف الحرب الطائفية قبل أن تدمر النظام السياسي الذي ساهموا في تدشينه أم لا. ولكن الشيء الآخر الذي سيكون مهماً في هذا الشأن أيضاً، هو أن يستمر الأميركيون في إيمانهم بهذا المشروع وتوفير الوقت الكافي الذي طالب به عادل عبدالمهدي. \r\n \r\n جاكسون ديل \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n