واليوم فإن أكثر ما يخشاه الأميركيون والمواطنون العراقيون على حد سواء، اندلاع حرب أهلية واسعة لا تبقي ولا تذر. ففي شهر يوليو المنصرم وحده ارتفع عدد ضحايا هذا العنف الطائفي ليصل إلى ما يقارب ال3500 قتيل، وهو أعلى معدل للضحايا منذ غزو العراق في عام 2003. \r\n إلى ذلك ينظر البعض إلى استمرار الحملة الأميركية- العراقية المشتركة على فرق الاغتيالات والمليشيات الطائفية باعتباره أمراً في غاية الأهمية لاستقرار العراق واستتباب الأمن فيه. وفي وصف هذه الأوضاع إجمالاً قال مسؤول أميركي رفيع المستوى -رفض ذكر اسمه- إن العنف الطائفي والقتل المتبادل بين المسلمين السُّنة والشيعة، قد بلغا حداً خفت معه صوت التمرد الذي بالكاد يسمع اليوم. ولكن يعود اشتعال هذا العنف الطائفي -في جانب كبير منه- إلى التركة التي خلفها وراءه أبومصعب الزرقاوي. وترتبط تلك التركة بتخطيط الزرقاوي لاستخدام التمرد السُّني في إشعال حرب أهلية واسعة النطاق عبر الاغتيالات والتفجيرات الانتحارية، وشن الهجمات على رموز ومعابد المسلمين الشيعة، بما فيها ذلك الهجوم الذي استهدف الضريح الشيعي في سامراء في شهر فبراير الماضي. وقد أشعل الهجوم الأخير هذا، موجة من الثارات والاغتيالات المتبادلة بين المسلمين السُّنة والشيعة. وقد تزامنت هذه العمليات مع فوز الشيعة بمناصب حكومية رئيسية، من بينها منصب وزير الداخلية، خاصة وأن الاتهامات توجه إلى هذه الوزارة بإدارة شبكة من فرق الاغتيالات التي تستهدف المسلمين السُّنة. \r\n وفي الوقت الذي قتل فيه أبومصعب الزرقاوي، كان قد تضاءل دور تنظيم \"القاعدة\" في العراق سلفاً، ليصبح واحداً ضمن مجموعة واسعة من تنظيمات وجماعات التمرد السُّني هناك. وذلك هو رأي \"توماس دونلي\"، الزميل الأول بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. واستطرد \"دونلي\" قائلاً: ولكن الذي حدث هو اقتفاء المتطرفين الشيعة لأثر الزرقاوي وخطاه الرامية لإشعال نار حرب أهلية بهدف إفشال مشروع التحول الديمقراطي وتقويض المصالح الأميركية. \r\n وكما جاء في تصريح محمد العسكري -الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع العراقية- فإن من خلفوا الزرقاوي في المنصب والقيادة والنهج، يُبدون حرصاً على ألا يكونوا أقل شأناً ولا بأساً منه في نظر العامة والأعداء. ولذلك فإنه لم يطرأ أي تغيير يذكر على أساليب وتكتيكات عمل التنظيم: العمليات الانتحارية، واستهداف المدنيين وتأجيج نيران الفتنة الطائفية في البلاد. بل لقد شرع هؤلاء في استخدام المزيد من مدافع الهاون في عملياتهم والقليل من الصواريخ الصغيرة القصيرة المدى. وقد تمكنت هذه الترسانة من الأسلحة وأساليب القتال الناشئة من قلعة التمرد السُّني في محافظة الأنبار من تقويض مصداقية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وقواته العسكرية التي تلقت تدريباتها على يد القادة والجنرالات الأميركيين. \r\n وجاء في تصريح مسؤول استخباراتي في واشنطن أن الأوضاع لا تزال مستمرة وماضية نحو الأسوأ في العراق. وبالنظر إلى الصورة الواسعة لما هو عليه الحال هناك، فإنه لابد من الاعتراف بأن التمرد العراقي يزداد قوة وخطراً. وهذا ما أكده قائد سياسي من الاتحاد الوطني الكردستاني بمدينة الموصل -وكان قد التقى بأبومصعب الزرقاوي وفاوضه كطرف ممثل للحكومة- بقوله إن شوكة التمرد السُّني ربما باتت أشد قوة وبأساً في غيابه. \r\n وليس أدل على هذه الحقيقة من الارتفاع الملحوظ في عدد القتلى المدنيين في العاصمة بغداد على إثر مصرع الزرقاوي. فقد سجلت مشرحتها 1.850 حالة وفاة جراء العنف خلال شهر يوليو المنصرم وحده! ولكن الملاحظ أن هذا العدد هو نتاج عنف التمرد والاغتيالات الطائفية المتبادلة بين السُّنة والشيعة في المدينة. هذه النسبة تشير إلى ارتفاع بلغ حجمه 20 في المئة، قياساً إلى عدد ضحايا العنف في شهر يونيو الماضي. والملاحظ الآن تداخل الخطوط بين مختلف فرق التمرد السُّني المؤلف في معظمه من الحلفاء السابقين لنظام \"البعث\" بقيادة صدام حسين. \r\n غير أن هناك من المحللين والمراقبين الأميركيين من يرى أن الولاياتالمتحدة قد أفرطت في انفرادها بالاهتمام بتنظيم \"القاعدة\" وحده، دون المخاطر الإرهابية والمهددات الأمنية الأخرى في العراق. وأشار هؤلاء إلى أن الوطنيين العراقيين هم الذين يمثلون قلعة التمرد ضد الجهود الأميركية المبذولة في العراق. ليس ذلك فحسب، بل إ، هناك من يرى أن الولاياتالمتحدة تستهين بقدرة التمرد السُّني على فرض هيمنته على منطقة بعينها، وبحجم أعداد المقاتلين المتفرغين والمتعاونين معه، وبمستوى مهارتهم في تدبير الخطط والكمائن العسكرية، وكذلك بقدرتهم على التخفي والانتشار. ذلك هو رأي \"أنتوني كوردسمان\"، خبير الشؤون الشرق أوسطية والمحلل الاستخباراتي السابق بوزارة الدفاع الأميركية. وأضاف \"كوردسمان\" قائلاً: إن هذه الأساليب نفسها يستعيرها الآن المقاتلون الشيعة. \r\n \r\n جيفري فلايشمان \r\n مراسل صحيفة \"لوس أنجلوس تايمز\" في بغداد \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n