\r\n أما خسائر الاقتصاد الإسرائيلي، باستثناء الإنفاق العسكري، فتقدر بنحو 2.2 مليار دولار حتى الآن، ولو استمرت الحرب لأشهر بدلاً من أسابيع لكانت الخسائر أفدح بطبيعة الحال. أما أسعار الأسهم في سوق تل أبيب فلا تزال نسبياً مرتفعة على الرغم من هبوطها بنحو 19 في المائة منذ أن بلغت أعلى معدلاتها في شهر مايو (أيار) الماضي بسبب الانخفاض الذي شهدته أسواق المال العالمية وبسبب العمليات العسكرية في قطاع غزة، وبدرجة أقل بسبب الحرب في لبنان. ومقارنةً بالأوضاع قبل شهر عندما بدأت الحرب لم يتراجع مؤشر الأسهم في بورصة تل أبيب أكثر من 2 في المائة، وفي الفترة نفسها فقدت أسهم المصارف الكبيرة نحو 22 في المائة منذ وصولها إلى أعلى مستوى لها، إلا أنها ما زالت تتزايد بنحو 30 إلى 40 في المائة على سعر الشراء. معدلات الفائدة على الدولار والشيكل متساوية، وإن كانت الآن عند أدنى مستوى وصلت إليه حتى الآن. فخلال الانتفاضة الفلسطينية اتسعت الفجوة بين الفائدة على الدولار والشيكل إلى نحو 4 في المائة. معدلات التضخم تقف الآن عند أدنى مستوياتها ولا تزيد على 3 في المائة مقارنةً بنحو 400 في المائة عام 1984، ويحرص على إبقائها في حدود هذا المعدل ستانلي فيشر حاكم البنك المركزي الإسرائيلي الذي سبق له أن تولى منصب نائب المدير الإداري لصندوق النقد الدولي والمدير التنفيذي لمصرف سيتي بنك. \r\n إلا أنه لا بد من القول إن حرباً طويلة الأمن ستنعكس سلباً على معدلات الفائدة وسعر صرف الشيكل والأسهم بسبب القلق الذي سينتاب المستثمرين والمؤسسات. وكما كان متوقعاً، فإن أكبر الخسائر أصابت الاقتصاد الإسرائيلي في المناطق الشمالية. أما اتحاد الصناعيين الإسرائيليين الذي يتمتع تاريخياً بنفوذ قوي في الحكومة واتحادات العمال، فقد أعلن أخيراً أن الخسائر المالية للقطاع الصناعي والمصانع في الشمال تقدر بنحو 4.6 مليار شيكل منذ بداية الحرب، علماً أن هذا لا يتضمن الخسائر غير المباشرة مثل خسارة الطلبات والزبائن المحتملين والخسائر التي لحقت بالمصانع نتيجة للقصف الصاروخي لأن شركات التأمين وضريبة الملكية ستعمل على تغطيتها. \r\n \r\n واستناداً إلى المعلومات المتوافرة في يوليو (تموز) لاتحاد الصناعيين في منطقة شمال إسرائيل، فإن 35 في المائة من أصل 1800 مصنع ومؤسسة صناعية صغيرة في حيفا والشمال قد أغلقت أبوابها، وأن 35 في المائة منها تعمل بشكل جزئي، بينما تعمل الثلاثون في المائة المتبقية بكامل طاقتها. أما وزير الزراعة الإسرائيلي فقد أعلن أن إعادة تأهيل القطاع الزراعي في الشمال ستحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات على الأقل. أضف إلى ذلك أن إنتاج إسرائيل من الفواكه والحمضيات قد تعرض لخسائر فادحة، علماً أن إسرائيل تصدر الفواكه إلى معظم دول العالم وتؤمن نحو 16 – 18 في المائة من احتياجات سوق الاتحاد الأوروبي من الزهور الطبيعية. أمام هذه التحديات، بادرت الجالية اليهودية في الولاياتالمتحدة إلى إطلاق حملة تبرعات لجمع ما بين 250 و300 مليون دولار لمساعدة سكان شمال إسرائيل. هذه الحملة التي أطلقها اتحاد الجمعيات اليهودية تشبه تلك الحملة التي أُطلقت خلال موجة العمليات «الانتحارية» في إسرائيل. \r\n \r\n قطاع السياحة أيضاً هو أحد القطاعات التي تأثرت بالحرب، وسيحتاج إلى فترة زمنية طويلة قبل أن يستعيد عافيته. لقد كان من المتوقع أن يصل عدد السياح هذا العام إلى نحو 2.5 مليون سائح، أي ما يقترب من أعلى معدل تحقق عام 2000 عندما بلغ العدد 2.7 مليون سائح وبلغت نسبة مساهمة السياحة في إجمالي الدخل المحلي نحو 3 في المائة، ووفرت العديد من فرص العمل. كما أن زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى المنطقة بداية عام 2000 أدت إلى ارتفاع كبير في عدد السياح. إلا أن هذه الوتيرة لم تستمر لفترة طويلة، حيث أدى تجدد أعمال العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين عام 2000 إلى تراجع حاد في عدد السياح، وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لتزيد الطين بلّةً. لقد وصلت أعداد السياح الأجانب في إسرائيل إلى أدنى معدلاتها عام 2003، لكنّ العدد حتى الآن لا يزيد على 50 – 55 في المائة من السياح الذين قدموا إلى إسرائيل عام 1999 وبداية عام 2000. \r\n \r\n أما نسبة البطالة المرتفعة والتي تقدر بنحو 9 في المائة، فقد تشهد تراجعاً طفيفاً خلال الأشهر القليلة القادمة نتيجة الانتعاش الاقتصادي المتوقع بعد عودة النشاط في القطاعين العام والخاص. \r\n \r\n وتفيد بعض التقديرات بأن تكلفة الحرب خلال الشهر الأول بلغت أكثر من مليار وستمائة مليون دولار أو 1.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. فالحرب إذاً تكلف الفرد الإسرائيلي نحو 6.17 دولار من دخله اليومي بالنسبة إلى إجمالي الدخل المحلي، مقارنةً ب 0.95 دولار في اليوم يتكبدها المواطن الأمريكي نتيجةً للحرب الأمريكية في العراق. تجدر الإشارة إلى أن هذا الفرق الشاسع في التكلفة يعود إلى أن معدل دخل الفرد الإسرائيلي في الشهر لا يزيد على 18 ألف دولار، بينما يزيد معدل الدخل الشهري للفرد الأمريكي بقليل على 33 ألف دولار. إن هذه الأرقام تثير التساؤلات حول قدرة إسرائيل على شن حرب لفترات متوسطة أو طويلة الأمد بدون أن يؤدي ذلك إلى انهيار اقتصادها أو تعرضه لخسائر فادحة. إن تكاليف حرب إسرائيل ستنعكس سلباً كذلك على معدلات الإنفاق العام ولا سيما إذا أقرت الحكومة زيادة الضرائب لرفع إيراداتها. \r\n \r\n حالياً، يفضل البنك المركزي رفع ضريبة القيمة المضافة لتصل إلى 16.5 بدلاً من 15.5 في المائة. ولكن وزارة المالية تعارض أي زيادة للضرائب. لقد بلغت النفقات العسكرية الإسرائيلية عام 2005 ما يزيد على 11 مليار دولار أو ما يعادل 9.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي أو نحو 30 في المائة من الإنفاق الفعلي للحكومة الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن ميزانية عام 2007 تتضمن الآن خفض ميزانية الدفاع بنحو 445 مليون دولار وتحويل هذا المبلغ إلى وزارات أخرى، فإن قوة المؤسسة العسكرية والظروف العسكرية القائمة ستحولان على الأرجح دون خفض الميزانية المخصصة للدفاع. تجدر الإشارة إلى أن القطاع الصناعي العسكري الإسرائيلي يوظف نحو 131 ألف عامل، أو ما يعادل عشرة في المائة من إجمالي العمالة الإسرائيلية في القطاع الصناعي. كما أن العقود العسكرية الثانوية والخدمات في المجال العسكري توفر 30 ألف وظيفة أخرى. وتصل نسبة صادرات إسرائيل من الصناعات الحربية إلى نحو 17 في المائة من إجمالي الصادرات الإسرائيلية باستثناء صادرات الماس، حيث بلغت قيمة صادرات إسرائيل من الماس المصقول ما يزيد على 12 مليار دولار عام 2005. \r\n \r\n ومن المتوقع أن يحقق قطاع الصناعات الحربية خلال السنة القادمة أرباحاً عالية بسبب زيادة الطلب على المعدات العسكرية. وقد كانت إسرائيل منذ ثمانينيات القرن الماضي تحتل مكانة مرموقة بين أكبر منتجي الأسلحة في العالم. ومن الأمور المهمة بالنسبة لاقتصاد في حالة الحرب، أن الصناعات الحربية الإسرائيلية توفر معظم احتياجات الجيش من الذخائر. \r\n \r\n وكانت الولاياتالمتحدة ولا تزال مصدراً للدعم الاقتصادي والعسكري لإسرائيل. فمنذ عام 1985 تقدم واشنطن لتل أبيب 3 مليارات دولار كمنحة سنوية، منها مليار وثمانمائة مليون دولار مساعداتٍ عسكريةً تحصل إسرائيل بموجبها على معدات وتجهيزات أمريكية. في عام 2003 وافقت أمريكا على منح إسرائيل مليار دولار إضافي كمساعدة حتى تتمكن من تغطية نفقات الدفاع عن نفسها خلال الحرب الدائرة في منطقة الخليج. \r\n \r\n كما قدمت واشنطن للحكومة الإسرائيلية تسهيلات للحصول على قروض طويلة الأمد تحت مظلة الضمانات الرسمية في سوق السندات الأمريكية. ففي بداية عام 2003 صادقت الحكومة الأمريكية على ضمانات قروض بقيمة 9 مليارات دولار. وخلال النصف الثاني من العام نفسه وبداية عام 2004 استطاعت الحكومة الإسرائيلية توفير ما يزيد على 3 مليارات دولار من خلال طرح سندات طويلة الأجل بضمانة من الحكومة الأمريكية، وتم بيع السندات بعائد أقل من ثلاثين نقطة أساسية مقارنة بمثيلاتها الصادرة عن الخزانة الأمريكية. ونتيجة لذلك، فإن هيكلة الديون الإسرائيلية تبقى مريحة على الرغم من ارتقاع معدلات الديون بالنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي الذي يزيد على مائة في المائة. في نهاية عام 2005، كان أكثر من 55 في المائة من الدين يتكون من سندات رسمية مستحقة إما للحكومة وإما لأصحاب السندات التي تغطيها ضمانات الحكومة الأمريكية، وينطبق هذا كذلك على الديون ولا سيما أنها جميعاً ديون طويلة الأجل. \r\n \r\n إن جوهرة تاج الاقتصاد الإسرائيلي هي قطاع التقنيات كالإلكترونيات والاتصالات وبرامج وخدمات الكومبيوتر. لقد قاد هذا القطاع عودة الانتعاش للصادرات التي شهدتها الدولة منذ عام 2003 والتي جاءت بعد الانهيار العالمي لقطاع التقنيات عام 2000. أضف إلى ذلك، أن خدمات التقنيات مثل برامج الكومبيوتر وخدماته والاتصالات، والتي تشكل نحو 20 في المائة من قطاع الأعمال الإسرائيلي، عادت إلى النمو عام 2003. فمعظم مراكز إدارة وتشغيل شركات التقنيات الإسرائيلية موجودة وسط البلاد الذي لم يتأثر حتى الآن. كما أن لدى بعض شركات التقنيات مرافق تحت الأرض. ولكن بما أن إسرائيل تُعتبَر تجسيداً ل«دولة تحت السلاح»، وبما أن معظم الموظفين في قطاع التقنيات دون سن الأربعين، فإنه يتم عادةً استدعاؤهم للخدمة العسكرية في حال نشوب حملة طويلة الأمد، الأمر الذي تترتب عليه تبعات اقتصادية وخيمة. فخلال الحرب اللبنانية تم عقد أكبر صفقة بيع في تاريخ إسرائيل في أواخر شهر يوليو، حيث وافقت شركة «هيلويت باكارد» على دفع مبلغ 4.5 مليار دولار لشراء شركة «مريكوري» الدولية، والتي تعتبر أكبر من الصفقة التي تم إنجازها في شهر مايو(أيار) عندما استولت شركة «بيركشاير هاتواي» لصاحبها وارن بوفيت على شركة «أسكار»، المختصة بتصنيع أدوات خاصة بالماكينات، بشراء الأولى 80 في المائة من أسهم هذه الشركة مقابل 4 مليارات دولار نقداً. \r\n \r\n لقد أصبح الاقتصاد الإسرائيلي اليوم ثالث أكبر اقتصادات المنطقة بعد المملكة العربية السعودية وإيران على التوالي. ولكن على الرغم من أن اقتصاد إسرائيل يتميز بالتنوع والحيوية والقدرة على التصدير إلى معظم الأسواق العالمية، فإن قيام إسرائيل بشن حرب قد تستمر أشهراً عدة وليس مجرد أسابيع، ستكون له حتماً تبعات مدمرة على الاقتصاد وهو ما لا تستطيع إسرائيل تحمُّله. \r\n \r\n قد يكون العائق الأكبر أمام انتعاش الاقتصاد الإسرائيلي على المدى القصير ردود الفعل السياسية التي يمكن أن تواجهها الحكومة بسبب طريقة إدارتها للحرب على لبنان والنتائج الغامضة وغير الحاسمة على أرض المعركة، الأمر الذي سيؤدي إلى عدم قدرة الحكومة على تنفيذ سياساتها الاقتصادية المزمعة. \r\n \r\n * المستشار المالي الأول \r\n \r\n مركز الخليج للأبحاث \r\n