أما لمن يمرون مع رفيقاتهم فما أن يقع نظرهم على اللوحة حتى يسحبوا أيديهم المتشابكة ويشرعون في قراءة ما كتب على اليافطة. التعليقات نفسها تتنوع بين ليلة وأخرى فتارة يقرؤون ما يقوله الكوميدي \"جورج بورنز\" من ملاحظات ساخرة مترجمة إلى الإسبانية مثل: \"محزن جداً أن نرى الأشخاص الأكثر قدرة على إدارة هذا البلد منهمكين إما في قيادة سيارات الأجرة، أو العمل في الحلاقة\". وتارة أخرى يقرؤون تعليقات تحمل انتقادات مباشرة مثل: \"في بلد حر لا تحتاج إلى إذن لمغادرته. فهل كوبا بلد حر؟\" \r\n وفي الليالي العادية حيث تعرض لوحة الإعلانات الإلكترونية رسائلها اللاذعة لا يتجرأ سوى القليل من الجمهور على الاقتراب من المكاتب الدبلوماسية الأميركية. وكان يمكن أن يتوافد جمهور أكبر لو لم يقم فيديل كاسترو برد سريع على البعثة الدبلوماسية الأميركية. ففي آخر جولة من حرب الدعاية الطويلة التي يخوضها كاسترو قامت حكومته بوضع أعلام كبيرة يصل عددها إلى 148 علماً مثبتة على أعمدة طويلة قبالة المبنى الأميركي بغرض حجب الرؤية عن الجمهور الراغب في قراءة ما تعرضه لوحة الإعلانات. وحتى المسرح المبني على الطراز الروماني القديم الذي وضعت أمامه الأعلام يطفح بالمعاني والدلالات، خصوصاً وأنه يحمل اسم \"مسرح مناهضة الإمبريالية\". والواقع أنه ليس كل الكوبيين كانوا ينظرون بعين الرضا إلى ما تورده اليافطة الإلكترونية من رسائل، بل هناك من سرتهم حركة كاسترو من الذين يسكنون بالقرب من مقر المكتب الأميركي الدبلوماسي. فبالنسبة ل\"لويس جارسيا\" الذي يعيش بالقرب من اللوحة الإعلانية أكد في حديث له أن \"فيديل كاسترو رجل ذكي للغاية\". \r\n بينما آخرون بالكاد لاحظوا ما كانت تعرضه لوحة الإعلانات مثل \"أوثمان غونزاليس\" الذي يعمل في أحد المطاعم ويملك إطلالة واضحة على اليافطة من شقته في الطابق الأرضي المقابلة للمبنى الأميركي، حيث قال: \"ليس لدي الوقت لقراءة ما يكتب في اللوحات الإعلانية، عليَّ أن أوفر لقمة العيش لأبنائي ولا أهتم بغير ذلك\". وبسبب الأعلام المثبتة على الجانب المقابل للوحة الإعلانات يقر الدبلوماسيون الأميركيون بأن الرؤية حجبت فعلاً ما قلص من عدد الأشخاص الذين كانوا يأتون لقراءتها. ورداً منهم على التضييق كتبوا على اليافطة رسالة أخرى تقول \"من يا ترى تخيفه لوحة الإعلانات؟ لماذا تحجبونها؟\"، وفي هذا الصدد أكد \"إيريك واتنيك\"، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في حديث هاتفي أنه رغم العدد القليل من الناس الذين أصبح في وسعهم رؤية اليافطة وقراءة رسائلها، فإننا حققنا مع ذلك إنجازاً لا يمكن إنكاره، مضيفاً: \"إن كاسترو يغضب من كشف الحقيقة، رغم ادعائه بأن ثورته هي ثورة أفكار. وعلى هذا الأساس نحن نخوض معه حرب الأفكار\". وأضاف واتنيك \"ما دام الشعب الكوبي لا يتمتع بحرية التعبير، فنحن نأتيه برسائل من العالم الحر\". \r\n ورغم أن اللوحة الإعلانية التي عرفت بدايتها في الولاياتالمتحدة خلال إحياء ذكرى حركة الحقوق المدنية بزعامة \"مارتن لوثر كينج\"، حيث كانت تحمل مقتطفات من خطابه الشهير \"لديَّ حلم\"، إلا أنها ليست بدون سابقة في كوبا. فقبل سنتين أثارت البعثة الدبلوماسية الأميركية في هافانا حفيظة حكومة كاسترو عندما أضاءت خلال احتفالات أعياد الميلاد مجسماً كبيراً لسانتا كلوز، وبجانبه الرقم 75 في إشارة لا تخطئها العين إلى عدد المعارضين الكوبيين المعتقلين في السجون عقب حملة اعتقالات واسعة قامت بها حكومة كاسترو. وما هي إلا ساعات حتى جاء رد كاسترو من خلال عرضه للوحات إعلانية كبيرة رسم عليها الصليب المعقوف الذي يرمز إلى النازية بجانب صور للانتهاكات الأميركية في سجن \"أبوغريب\" العراقي. \r\n وفيما تقتصر اليافطة الأميركية على عرض رسائل تستخدم حروفاً كبيرة تظهر على شاشة إلكترونية داخل المبنى الأميركي، جاءت ردة الفعل الكوبية كاسحة، بحيث علقت رايات ضخمة تحمل نجمة بيضاء لإحياء ما تسميه حكومة كاسترو ضحايا قرن ونصف من ثورات سكان أميركا اللاتينية ضد القوى الأجنبية ابتداءً من النضال ضد الغزاة الإسبان، وانتهاء بنضالاته هو في الحكم الذي دام 47 سنة. \r\n وفي حديث أجري مع رئيس مجلس الشيوخ الكوبي \"ريكاردو ألاكرون\"، الذي يعد حسب العديد من الخبراء الكوبيين الرجل الثالث في النظام بعد فيديل كاسترو وأخيه راوول كاسترو، اعتبر أن لوحة الإعلانات الأميركية \"أمر عبثي\". وأضاف أن \"تلك الرسائل تدخل في باب الاستفزاز، ولا تمت بصلة إلى العمل الدبلوماسي\". ورغم أن هذه هي المرة الأولى التي تعمد فيها أميركا إلى استخدام لوحة إعلانات إلكترونية في أحد مقراتها، إلا أن المتحدث باسم الخارجية الأميركية ألمح إلى رغبته في رؤية هذه التجربة تعمم على بلدان أخرى. \r\n \r\n مانويل رويج فرانزيا \r\n \r\n مراسل \"واشنطن بوست\" في هافانا \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n