\r\n أما في \"بياليستوك\"، وفي إحدى البنايات المتهالكة التي لا تبعد كثيراً عن الحدود مع روسيا البيضاء، فيقدم فريق من الصحافيين، بدعم من بولندا، بديلاً للاحتكار الإعلامي الحكومي في روسيا البيضاء المجاورة– البلد الذي يعتبرونه آخر ديكتاتوريات أوروبا. وقد قام البولنديون، الذين ما يزالون يتذكرون دور الدعم الغربي في مساعدة المعارضة البولندية في السبعينيات والثمانينيات، بإعادة إحياء وسيلة لم تعد تناسب العصر في نهاية الحرب الباردة، ألا وهي الراديو. ويقول باول ولوسكي، المدير ب\"مركز الدراسات الشرقية\" بوارسو، \"ما نحتاجه اليوم هو التزام طويل الأمد من أجل إقامة مجتمع ديمقراطي في روسيا البيضاء\"، مضيفا \"لقد تقوت حركة التضامن المعارضة في الثمانينيات بفضل مساعدات الغرب، ونعتقد أن روسيا البيضاء في حاجة إلى مثل هذه المساعدات\". \r\n \r\n ويتم التقاط راديو \"راتشيا\"، الذي يقدم برامج إخبارية وموسيقية مسائية، في روسيا البيضاء عبر موجات (AM) والموجات القصيرة (SW) بفضل محطتي إرسال في كل من بولندا وليتوانيا. وقد بدأت الإذاعة بث برامجها في 1999 بفضل تمويل أميركي، غير أن التمويل نفد سنة 2002، قبل أن تتم إعادة فتح المحطة قبيل انتخابات شهر مارس في روسيا البيضاء بأسابيع قليلة، بفضل تمويل من الحكومة البولندية هذه المرة. وتبدو مكاتب الراديو كما لو أن أحداً لا يملك الوقت لترتيب الأغراض المتناثرة في زوايا المحطة، في حين تبدو الجدران المطلية باللون الأخضر عارية سوى من علم مخطط بالأبيض والأحمر الذي يتخذه نشطاء الديمقراطية في روسيا البيضاء رمزا لهم. \r\n \r\n وتبدو الحركة الجديدة متأثرة بنموذجي المعارضة في كل من جورجيا وأوكرانيا. ورغم حصولها على الدعم الغربي، إلا أنها تظل حركة صغيرة حيث لا يتعدى عدد المشاركين في المظاهرات التي تدعو إليها بضعة آلاف. وفي هذا الإطار، يقول ولوسكي \"لا يزال مجتمع روسيا البيضاء مجتمعاً محافظاً جداً، كما أن الاستقرار والسلام والرخاء الاقتصادي هي القيم الرئيسية في الحياة اليومية\"، في إشارة إلى أن معظم سكان روسيا البيضاء يفضلون على ما يبدو حالة الاستقرار، وإن كانت في ظل حكومة سلطوية، على حالتي الفوضى والبطالة اللتين أعقبتا التحول الديمقراطي الذي شهدته أوكرانيا المجاورة. \r\n \r\n غير أن ذلك لا يثبط عزيمة صحافيي \"راديو راشيا\" كما لا يؤثر سلباً على حماسهم، إذ يعتبرون أنه مادام الخطاب يأتي من بلد مجاور، وليس من دولة قوية بعيدة –كما في حالة إذاعات عهد \"الستار الحديدي\"- فإنها ستكون مؤثرة وفعالة. وفي هذا السياق، يقول مدير المحطة يوجينيوس وابا \"الجيران يعرفون الكثير حول كيفية الحديث مع بعضهم البعض. وروسيا البيضاء هي جارة بولندا\". \r\n \r\n بالنسبة لبولندا، التي تعد اليوم عضوا في كل من الناتو والاتحاد الأوروبي، تعتبر روسيا البيضاء تذكيراً مؤلما بعقود من القمع والاضطهاد خلال الفترة السوفييتية. ففي التاسع عشر من مارس المنصرم، تمت إعادة انتخاب رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو عقب انتخابات وصفها زعماء المعارضة والمراقبون الدوليون بغير النزيهة. كما أفضت مظاهرات شهر مارس التي شهدتها العاصمة مينسك إلى سلسلة من الاعتقالات. وفي أواخر شهر مارس الماضي، زج بالعديد من الشخصيات البارزة في المعارضة في السجن بعد أن شاركوا في مظاهرات إحياء للذكرى العشرين لكارثة تشرنوبيل. \r\n \r\n إلى ذلك، يفرض نظام \"لوكاشينكو\" مراقبة صارمة على الصحافة في روسيا البيضاء حيث عدد الصحف المستقلة التي توزع على الصعيد الوطني قليل جداً، في حين لا توجد قنوات أو إذاعات مستقلة. كما أن أكثر من ثلثي سكان روسيا البيضاء يحصلون على معلوماتهم من الإذاعة والتلفزيون الحكوميين، وذلك وفق دراسة أعدتها مؤسسة \"نيسيبي\"، وهي مؤسسة مستقلة لاستطلاع الرأي في روسيا البيضاء. \r\n \r\n غير أن \"دميتري ويبورني\"، المتحدث باسم سفارة روسيا البيضاء في وارسو، يرى أن لدى مواطنيه العديد من الخيارات فيما يتعلق بوسائل الإعلام. كما أنه لا يخفي تشككه إزاء محطات من قبيل راديو \"راتشيا\" إذ يقول \"إن هدف هذه المحطات هو إنفاق المال الذي يمنحه الاتحاد الأوروبي أو الحكومة البولندية، ليس إلا\". غير أن المحللين البولنديين والعاملين في \"راديو راتشيا\" يرون أن هذه المحطات غالبا ما تمثل الطريقة الوحيدة التي تتيح لسكان روسيا البيضاء متابعة أخبار المعارضة التي لا تحظى بتغطية وسائل الإعلام الرسمية. \r\n \r\n وإذا لم يكن \"راديو راتشيا\" المحطة الأجنبية الوحيدة التي تصل إلى روسيا البيضاء– ذلك أن ثمة محطات أخرى مثل راديو أوروبا الحرة والإذاعة الألمانية- فإنه الوحيد الذي يركز على أخبار روسيا البيضاء وسياستها. وبالنسبة للبولنديين، يعتبر الراديو أيضا تتمة لإرث قديم. وفي هذا السياق، يقول \"جان ماليكي\"، مدير مركز دراسات أوروبا الشرقية بجامعة وارسو، \"عندما كانت الشيوعية سائدة في أوروبا الشرقية، كانت لدينا خمس أو ست محطات، ولكن مواطني روسيا البيضاء يستحقون المزيد من مصادر المعلومات إلى جانب التلفزيون الرسمي\". \r\n \r\n عندما تظاهر الآلاف من الأشخاص في مينسك على خلفية انتخابات مارس الماضي، وصف التلفزيون الرسمي في روسيا البيضاء المتظاهرين بمدمني المخدرات والجماعات المشاغبة. ويقول \"مينتشوناك\"، الذي يعشق موسيقى الروك، بغير قليل من الفخر والاعتزاز إنه كان واحدا من الصحافيين القلائل الذين حاوروا المتظاهرين، حيث يقول هذا الصحافي البالغ اثنتين وعشرين سنة والذي يزور بياليستوك لأسبوعين قبل العودة إلى روسيا البيضاء \"الناس المهتمون بالسياسة في روسيا البيضاء يبحثون عن معلومات بديلة. وأصدقائي في مينسك يستمعون إلى المحطة، كما أن الشباب وغيرهم يستمعون إليها أيضاً\". \r\n \r\n أندرو كوري \r\n \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في بيالستوك- بولندا \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n \r\n