\r\n في الحقيقة إن هناك حادثتين اثنتين فقط على مدار العقد المنصرم استطاعتا توحيد أغلبيات كبيرة من المسلمين في موجة ردات فعل واضحة. الأولى كانت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n وفي حين سلطت وسائل الإعلام الغربية كاميراتها وميكروفوناتها على المتشددين الإسلاميين وهم يكيلون المديح لأسامة بن لادن، فإن معظم المسلمين روعتهم وصدمتهم تلك الهجمات. \r\n \r\n \r\n وفي حالات عديدة، استخدمت الحكومات في البلدان المسلمة ردة الفعل الشعبية المحلية ضد العنف الإرهابي، لتهميش (وسجن) العديد من منتقديها الأصوليين ولإحكام قبضتها أكثر على السلطة. \r\n \r\n \r\n والحادثة الثانية التي وحدت قطاعات كبيرة من جماهير المسلمين كانت نشر الصور الكاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الدنمارك الخريف الماضي ،ثم في أنحاء أوروبا أخيراً. وأنتجت هذه الحادثة تأثيراً معاكساً. \r\n \r\n \r\n فلقد أشعلت فتيل تظاهرات احتجاجية ملتهبة في أنحاء العالم الإسلامي وأجبرت الأنظمة المسلمة المعتدلة على الاصطفاف مع المتشددين الدينيين في شجب الحكومات ووسائل الإعلام الغربية. ويرجح ألا يدوم هذا التوحد طويلاً. \r\n \r\n \r\n حيث ما تلبث الانقسامات القديمة داخل المجتمعات المسلمة حتى تطفو للسطح مجدداً. لكن العلاقات بين الأمم المسلمة والغربية تكبدت أضراراً مستديمة. \r\n \r\n \r\n وفي قلب أزمة سوء الفهم هذه تبرز الافتراضات الثقافية المتضاربة حول حرية الإعلام وقوة الصور الدينية. فالكثير من المسلمين لا يقبلون بأن تسمح الحكومات للصحافيين بأن يتخذوا قرارات سياسة التحرير بأنفسهم. والكثيرون في الغرب أيضاً لا يفهمون ان معظم المسلمين لا يرضون حتى عن السخرية من عيسى أو موسى اللذين يوقرهما الإسلام باعتبارهما من أنبياء الله. \r\n \r\n \r\n وأن أي تمثيل بصري للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يغضب حتى أكثر المسلمين اعتدالا. وبالنسبة للمسلمين المتدينين، فإن قانون الشريعة يطغى على القانون العلماني. \r\n \r\n \r\n ومن هنا فإن حرق العلم يعتبر إهانة لرمز علماني، أما التهكم من النبي فهو إساءة إلى رمز ديني. تواصلت الاحتجاجات في أنحاء العالم الاسلامي. \r\n \r\n \r\n ولقد أشعلت التظاهرات شرارة أعمال عنف في كل من كينيا، الصومال، افغانستان، باكستان، سوريا، لبنان وإيران، في حين كانت الاحتجاجات أكثر سلمية في كل من مالي، النيجر، العراق، مصر، اندونيسيا، ماليزيا وأماكن أخرى غيرها. \r\n \r\n \r\n ولقد شهدت الغضب الجماهيري بنفسي خلال زيارتي أخيراً إلى إمارة دبي المتطورة والعصرية وإلى المملكة العربية السعودية المتجهة بشكل متزايد لتبني العقلية الابداعية. \r\n \r\n \r\n خلال منتدى جدة الاقتصادي الشهر الماضي، التقيت بعدد من السعوديين البارزين الذين شجبوا نشر الصور الكاريكاتورية دون شجب ردات الفعل العنيفة التي صدرت عن بعض المسلمين. ولم تنطلق احتجاجات كبيرة مناهضة للغرب في السعودية، لكن مقاطعة سعودية نادرة للمنتجات الدنماركية بدأت بالفعل بتأييد رسمي ضمني. \r\n \r\n \r\n كما نشرت دعايات كثيرة معادية للدنمارك في صحف سعودية مجازة من الحكومة. وانضم المسلمون في أوروبا إلى الاحتجاجات ايضا حيث انطلقت مظاهرات سلمية نسبيا في كل من لندن، باريس، اوسلو، بروكسل، برلين وفيينا. وهناك سببان لعدم خمود الغضب إلى الآن. الأول إن عدة حكومات مسلمة معتدلة تعتقد أن عليها دعم شرعيتها بمواءمة لغتها الخطابية مع لغة المتشددين المحليين. \r\n \r\n \r\n وفي باكستان حيث هاجم المتظاهرون عدداً من الشركات والمجمعات الدبلوماسية الغربية، دعا أعضاء في البرلمان إلى اضراب وطني شامل احتجاجا على الرسوم الكاريكاتورية. \r\n \r\n \r\n وفي نيجيريا قام مشرعون محليون من الأقاليم الشمالية التي تسيطر عليها غالبية مسلمة بحرق العلمين الدنماركي والنرويجي ومرورا قراراً باغلاق المحادثات التجارية مع الدنمارك. وانضم إلى الاحتجاجات سياسيون من الجنوب المسيحي، خشية أن يصبحوا هم أنفسهم هدفا لتلك الاحتجاجات. \r\n \r\n \r\n في بنغلاديش، حيث خرج آلاف المتظاهرين الغاضبين إلى الشوارع، طالبت رئيسة الوزراء خالدة ضياء، المعروفة برؤاها الداعية للتسامح الديني وإصلاح التعليم طالبة الحكومة الدنماركية بالاعتذار عن نشر الرسوم الكاريكاتورية. \r\n \r\n \r\n وجوهر الأمر أن نشر الرسوم المسيئة أتاح للمتطرفين الدينيين رفع التكلفة السياسية للتعاون مع الحكومات الغربية على زعمائهم المنتخبين. ويتنافس الآن الساسة المحليون والوطنيون فيما بينهم على استثمار الغضب الجماهيري لتحقيق مكاسب سياسية. \r\n \r\n \r\n والسبب الثاني لعدم انتهاء الأزمة إلى الآن هو أن الحكومات الإسلامية وبخاصة الحكومة الإيرانية لها مصلحة في استمرار الجدل حول هذه القضية. ولقد أججت إيران نيران الغضب الإسلامي بالإعلان عن مقاطعة رسمية للبضائع الدنماركية وبرعاية مسابقة في صحيفة مملوكة للدولة لإبداع رسوم كاريكاتورية تتهكم من الهولوكوست. \r\n \r\n \r\n ومن جانبها لم تفعل الحكومة السورية شيئاً يذكر لمنع المتظاهرين من حرق السفارتين الدنماركية والنرويجية في دمشق. \r\n \r\n \r\n ولن يمضي وقت طويل حتى تعود الانقسامات القديمة داخل المجتمعات المسلمة لتعيد تركيز الغضب الجماهيري على الصراعات الداخلية. \r\n \r\n \r\n والحكومات المسلمة التي لديها روابط قوية مع الغرب مثل مصر وباكستان، ستتحرك للحد من نفوذ الإسلاميين الذين قد يتحدون في سلطتها في الحكم. \r\n \r\n \r\n وفي 13 فبراير الماضي قرر الرئيس المصري حسني مبارك تأخير الانتخابات المحلية لسنتين، ربما بسبب خشيته من أن ارتفاع مد الغضب الجماهيري سيكون في مصلحة تيار الاخوان المسلمين المعارض. \r\n \r\n \r\n لكن قضية الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل تسببت بأضرار دائمة. فالمسلمون يعتقدون أن هذه الرسوم (وقرار نشرها) تكشف عن مشاعر معاداة الإسلام المتنامية في أوروبا. وهم على صواب في هذا إلى حد ما. فهناك نهوض لسياسات الخوف من الأجانب في أوروبا يوازيه أيضاً تزايد التشدد الديني في الجاليات المسلمة هناك. \r\n \r\n \r\n وبينما يدعو عدد متزايد من الساسة الأوروبيين إلى فرض قيود أكثر تشدداً على الهجرة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن المشهد الاقتصادي على المدى البعيد سيصبح أكثر قتامة بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يعاني من فقر متزايد في الأيدي العاملة. كما يزيد هذا الجدل أيضاً من تعقيد جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد نشر الصورة الكاريكاتورية المسيئة وحدت قطاعات كبيرة من جماهير المسلمينالأوروبي. \r\n \r\n \r\n لقد كان رئيس الوزراء الدنماركي أنديرس راسموسين مصيباً عندما حذر من «أزمة عالمية يمكن أن تتصاعد إلى خارج نطاق سيطرة الحكومات». فليس هناك مجموعة واحدة تقود هذا الجدل، وليس هناك مجموعة واحدة قادرة على وقفه. وربما يعود غضب المسلمين قريباً للتركيز على أهداف مألوفة أخرى. لكن في هذه الآونة، هناك شارع إسلامي، وثمة أناس غاضبون كثر في هذا الشارع. \r\n \r\n \r\n خدمة لوس أنجلوس تايمز \r\n \r\n \r\n خاص ل «البيان» \r\n \r\n \r\n