وقد أدى تدني شعبية الرئيس الأمريكي، وتراجع التأييد للحرب في العراق على نحو مطرد إلى نقل السلطة والنفوذ داخل الإدارة من المحافظين الجدد المتشددين، الى "مديري نزاعات" أكثر نفوراً من المخاطر. \r\n \r\n وقد ظهرت وجوه جديدة، فنائب وزير الدفاع السابق بول وولفويتز - وهو من غلاة مؤيدي تغيير النظام في العراق - انتقل إلى البنك الدولي وحل محله في وزارة الدفاع وزير البحرية السابق جوردون إنجلاند الذي لقي إشادة كبراجماتي قادر على حل المشكلات. وأما وكيل وزارة الخارجية نك بيرنز - وهو دبلوماسي موهوب - فقد أصبح عنصراً في تشكيل سياسة الشرق الأوسط على حساب المحافظ الجديد البارز إليوت إبرامز. \r\n \r\n وقام انجلاند وبيرنز وغيرهما من العناصر الجديدة بتنفيذ سياسات جديدة. وبينما كانت الإدارة تهدد في وقت من الأوقات خصومها الخارجيين، مثل سوريا، بتغيير النظام عبر تهديدات بالتدخل العسكري، أو الدعم الفعال لقوى المعارضة، تسعى الإدارة الآن في كثير من الأحيان لاتباع نهج حذر متعدد الجوانب يهدف الى حماية الوضع الراهن المستقر، وتستحق مبادرة سفير الولاياتالمتحدة لدى العراق زلماي خليل زاد الالتفات اليها، حيث يدعو خليل زاد الى إشراك إيران مباشرة في ترتيبات أمن العراق مستقبلاً. وقد عارض إبرامز بقوة تلك المبادرة. \r\n \r\n وفي ما يتعلق بكوريا الشمالية، تجاوزت الإدارة مقولتها المكررة عن أن برنامج بيونج يانج النووي "غير مقبول" واتجهت نحو مساع لتهدئة النزاع الدبلوماسي وعرضت الإدارة تقديم دعم حقيقي لقوى المعارضة في جورجيا وأوكرانيا، وشجبت المعاملة القاسية من جانب السلطات ضد المتظاهرين في أوزبكستان. \r\n \r\n وعلى الرغم من ذلك، وفي أعقاب الانتخابات التي جرت مؤخراً في أذربيجان وكازاخستان، لم يجد معارضو النظام في الدولتين - والذين اشتكوا من حدوث تزوير انتخابي - إلا دعماً ضئيلاً من واشنطن. \r\n \r\n وعن الصين، وعلى الرغم من الهوة التجارية الثنائية المتنامية، عارض البيت الأبيض مساعي الكونجرس لدمغ الصين بأنها "متلاعبة في أسواق العملات". ولم يؤد عزوف الرئيس الصيني هو جينتاو عن منح بوش أي إعادة تقييم ذات معنى لعملة الصين - الرينمينبي - أو تنازلات بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية خلال زيارة قام بها الرئيس الأمريكي لبكين مؤخراً، الى أي خطوات من جانب الإدارة لاتباع نهج أكثر تشدداً. \r\n \r\n ولكن عدم رغبة إدارة بوش في إضافة ضغوط على نزاعات قائمة، أو في إيجاد نزاعات جديدة، لا يعني أنها يمكن أن تستبعد المخاطر. وفي الحقيقة، تواجه استراتيجية "الوضع الراهن" تحديين مهمين. \r\n \r\n فأولاً، إن كثيراً من الانظمة - التي لا تزال الإدارة الأمريكية راغبة في التفاوض معها - تتسبب في مخاطر خاصة بها. وعلى سبيل المثال، لم يحل النهج الأكثر احتراساً إزاء إيران وكوريا الشمالية دون لجوء هذين النظامين لمواقف جديدة متصلبة. \r\n \r\n وعلاوة على ذلك، تتسبب بعض الحكومات التي تدعمها إدارة بوش ضمنياً في حدوث اضطرابات. وقد بقي البيت الأبيض صامتاً إزاء اعتزام الرئيس النيجيري أولوسيجون أوباسانجو تعديل دستور بلاده في محاولة للبقاء لفترة رئاسية ثالثة. وتدرك الإدارة الأمريكية أن جهود الإصلاح الاقتصادي التي بذلها أوباسانجو وعلاقاته الجيدة مع المؤسسات المالية الدولية، تعزز الاستقرار في منطقة مضطربة (وغنية بالطاقة). \r\n \r\n وتخشى واشنطن من ألا يكون خليفة أوباسانجو جديراً بالثقة التي يتمتع بها اوباسانجو. وعلى الرغم من ذلك، عرضت ادارة بوش نفسها لاتهام بأن معارضة الولاياتالمتحدة "لإصلاحات" مماثلة في أوغندا وزيمبابوي تكشف ازدواجية في المعايير. \r\n \r\n والأمر الذي يثير قلقاً أكبر هو رد الفعل المحتمل لخطط أوباسانجو داخل نيجيريا. ففي حال نجاح التعديل الدستوري الذي يسعى إليه، يمكن للرئيس النيجيري أن يتوقع تحالفات معارضة جديدة وسط منافسيه في شمال البلاد، ومؤيدي نائبه الطموح، وعلاوة على ذلك، ربما ينضم قادة الميليشيا في دلتا النيجر الى النزاع. وإذا حدث هذا، فهناك خطر داهم بحدوث أزمة يمكن أن تكون لها نتائج مثيرة للقلق بالنسبة لإنتاج النفط النيجيري. \r\n \r\n وينبعث التحدي الثاني لهذا النهج من الكونجرس ومن حلفاء الولاياتالمتحدة. فهناك عدد من أعضاء الكونجرس أكثر إصراراً من البيت الابيض على رفض إعطاء الصين درجة النجاح في القضايا التجارية. وتحديداً، جدد عضوا مجلس الشيوخ تشارلز شومر وليندسي جراهام تهديدهما بفرض رسوم قيمتها 27،5 في المائة على جميع الواردات الصينية في حال أخفقت بكين في التحرك الى الأمام بإجراء إعادة تقييم كبرى لعملتها، تفوق ما قامت به في الصيف الماضي، وقاوم سبعة وستون عضواً في مجلس الشيوخ ضغط البيت الابيض وأيدوا مشروع القانون خلال تصويت إجرائي في ابريل/نيسان ،2005 ومع تراجع نفوذ بوش داخل الكونجرس، ربما يكون غير قادر على منع الكونجرس من إشعال حرب تجارية مع الصين عندما يعود الموضوع - كما هو متوقع - الى جدول أعمال الكونجرس. \r\n \r\n وإضافة إلى ذلك، وبينما ترغب الإدارة في التحكم في وتيرة واتجاه بناء الأزمة حول برنامج إيران النووي الوليد، ربما تكون لإيران و"إسرائيل" أفكار أخرى. وقد أوضح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مراراً رأيه بضرورة مسح "إسرائيل" من وجه الأرض. ورفعت طهران الرهان بشرائها صواريخ ارض جو من روسيا وإزالة أختام الأممالمتحدة عن ثلاث من منشآتها النووية. \r\n \r\n وردت "إسرائيل" بقعقعة خاصة بها، وقبل اصابة رئيس وزرائها المريض ارييل شارون بالسكتة الحالية، كان قد حذر من ان بلاده "لا تستطيع أن تقبل" بإيران مسلحة نووياً، وأن "إسرائيل" "تجري استعداداتها" لردع تهديدات إيران. ويقول مسؤولو الدفاع "الإسرائيليون" إن نظام الدفاع الصاروخي "أرو" لدى الدولة العبرية اعترض بنجاح صاروخاً تجريبياً مماثلاً في تصميمه لصاروخ شهاب 3 البعيد المدى الذي قيل إن إيران تعكف على تطويره. \r\n \r\n وأما زعيم الليكود الجديد بنيامين نتنياهو وهو أحد أبرز المتنافسين على تولي منصب رئيس الوزراء في الدولة العبرية بعد انتخابات 28 مارس/ آذار المقبل فقد قال إنه يفضل إن توجه "إسرائيل" ضربة استباقية لمواقع إيران النووية المشتبه فيها. وفي حال وصول نتنياهو إلى منصب رفيع في الحكومة سيخفف من لهجة خطابه، ولكن آراءه الأساسية ستبقى دون تغيير. \r\n \r\n وربما تخدم قدرة "إسرائيل" على مهاجمة منشآت إيران النووية المصالح الأمريكية، ولكن البيت الأبيض يعرف أن المواجهة قد تقع في زمان ومكان تحددهما جهة أخرى. وفي الشرق الأوسط كما هو الحال بالنسبة لمناطق أخرى فإن نهجاً أمريكياً براجماتياً ومدروساً بدرجة أكبر لا يضمن أن جميع القنابل الزمنية السياسية في العالم أجمع يمكن إبطال مفعولها بأمان. \r\n \r\n وقد أفسحت رؤى السياسة الخارجية المنادية بالتغيير، المجال تدريجياً لإدارة النزاعات. ولكن النهج الجديد لا يعني أننا نستطيع أن نتفادى النزاعات. وينطوي الإبقاء على الوضع الراهن على مخاطر خاصة به، وهي مخاطر يمكن أن تصبح أزمات مع تقدم شهور عام 2006. \r\n \r\n \r\n \r\n * رئيس مجموعة "أوراسيا" وهي مجموعة للاستشارات حول المخاطر السياسية العالمية وزميل أول في معهد السياسة العالمية والنص منشور في موقع "سليت" \r\n