فبالرغم من أن رد ''كوندوليزا رايس'' على تلك الاتهامات جاء محسوباً بعناية، مؤكدة نفيها القاطع لتواطؤ الولاياتالمتحدة في عمليات التعذيب أو أنها كانت تجري في بلدان أخرى بمعرفة واشنطن، فإن كلمات ''رايس'' التي قالت فيها إن الولاياتالمتحدة لا ترحل أي شخص ''إلى بلد تعرف مسبقاً أنه سيتعرض فيه للتعذيب'' كانت مبالغاً فيها. فبدلا من استخدام عبارة ''سيتعرض'' كان الأجدى أن تقول ''ربما سيتعرض'' لأنها الأقرب إلى الواقع. \r\n علاوة على ذلك أعلنت ''رايس'' في معرض دفاعها عن واشنطن ونفي التهمة عنها ''أنه كلما دعت الضرورة إلى ذلك تطالب الولاياتالمتحدة بالحصول على ضمانات من الدول التي سيرحل إليها المتهم كي لا يتعرض للتعذيب''. ولابد أن ذلك سيبدو مضحكا للأوروبيين إذ كيف تستطيع ''رايس'' أن تقنعنا بالوثوق في ورقة تتعهد فيها الأجهزة الأمنية لبعض الدول بعدم إخضاع المعتقلين للتعذيب، في الوقت الذي تشير فيه تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن المنظمات الدولية إلى باع هذه الدول الطويل في ممارسة التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان؟ وفي هذا الصدد يكفي إلقاء نظرة ولو موجزة على سجل حقوق الإنسان في تلك الدول كي يتضح لنا مدى بعد تصريحات ''كوندوليزا رايس'' عن الواقع، وصعوبة تصديقها. \r\n ولعل ما يزيد الطين بلة هو الاختلاف المستفحل بين الأميركيين والأوروبيين، ناهيك عن باقي دول العالم حول ماهية التعذيب وآلياته. فقد دهش الأوروبيون كثيرا ووقفوا غير مصدقين للنقاش الذي دار مؤخراً في الولاياتالمتحدة حول ما إذا كان إغراق رؤوس المعتقلين في الماء ثم رفعها يشكل نوعاً من التعذيب أم لا؟ فإذا كان الأميركيون لم يحسموا بعد بشأن هذه الممارسات، فإن الأوروبيين من جهتهم قطعوا معها منذ فترة طويلة. والأكثر من ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام من شهادات لبعض المعتقلين الذين استطاعوا الخروج أحياء من أقبية السجون تؤكد تعرضهم للتعذيب على يد المحققين في بلدان غير الولاياتالمتحدة. ولا نعرف لماذا يُثار كل هذا الجدل داخل أميركا وخارجها، ولماذا تلجأ واشنطن إلى كل هذه السرية التي أرادت أن تلف بها موضوع التحقيق مع المشتبه بهم وترحيلهم إلى دول أخرى إذا لم يكونوا فعلاً يخضعون لمعاملة لا إنسانية تحط من قيمة الفرد وتنتهك كرامته؟ ولعل ذلك هو السبب الذي دفع حكومة الولاياتالمتحدة إلى ترحيل المعتقلين خارج ترابها حتى لا تقع تحت طائلة القوانين الداخلية التي تحرم ممارسة التعذيب وتعاقب المسؤولين في حال اقترافه. \r\n المشكلة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تعذيب المعتقلين. فلو نبشنا قليلا في الذاكرة لتبين لنا أن الولاياتالمتحدة سلكت الدرب ذاته في الماضي سواء في تشيلي أو السلفادور أو إيران أيام حكم الشاه، أو في فيتنام. وعلى سبيل المثال يذكر عميل وكالة الاستخبارات المركزية السابق ''فرانك سنيب'' في كتاب له أنه عندما دخلت القوات الفيتنامية الشمالية إلى سايغون رأى المسؤولون وقتها أنه ربما كان من الأفضل التخلص من ''نجويين فان تاي''، وهو أسير حرب شيوعي رفيع المستوى، حيث تم شحنه في طائرة ورمي به من ارتفاع يصل إلى 10 آلاف قدم! \r\n ولا أشك أبدا أنه بعد مرور بعض الوقت سنكتشف معلومات إضافية عن سجون سرية وانتهاكات لحقوق المعتقلين. وكالعادة سيبدأ عملاء متقاعدون من وكالة الاستخبارات الأميركية في سرد قصصهم، وربما ستعقد جلسة استماع في الكونجرس ليتم التعهد بعدم تكرار ذلك مطلقا في المستقبل. لكن الذاكرة سرعان ما تنسى لتتم معاودة ذلك بعد عشرين سنة أو حتى أقل. \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست \r\n