\r\n ولم يرحل المحتجون إلا بعد أن انتزع فيكتور يوتشنكو ,الذي تعرض لمحاولة اغتيال سابقة أبقت على بعض الآثار على وجهه ,منصب الرئاسة بمساعدة رئيس الوزراء يوليا تيموشنكو الذي وقف بجانبه . وفي هذه المنطقة من العالم حيث القمع هو الحاكم والحرية الغائبة وانتشار الفساد وحكم القانون يعد مشروعا على المدى البعيد أسفر ذلك التحرك الشعبي الشجاع عن ميلاد جديد لدولة حديثة .\r\n ويبدو الآن ذالك الأمل الذي دبت فيه الحياة بعد أحداث العام الماضي بأوكرانيا وقد بدأ ينطفئ نوره ,فالاقتصاد الذي كان قد انتفض ليشق طريقه نحو النمو السريع بفعل الثورة البرتقالية نراه وقد بدأ منذ الصيف الماضي في التقهقر والانكماش ثانية ,مع تأجيل الكثير من الإصلاحات التي كانت مقررة أو حتى عدم ظهور التأثير الفعلي لبعضها .وأما البرلمان فيتصرف بعدم انتظام وبغوغائية أكثر من أن يكون مجلسا نيابيا ,علاوة على أن القادة السياسيين ومعاونيهم من الفاسدين يتعاملون مع الدولة وكأنها ملكية خاصة لهم .إلى جانب ما يواجهه رجال الأعمال , الكبار منهم والصغار ,من ابتزاز من عصابات المافيا بالإضافة إلى النظام البيروقراطي الممل .علاوة على أن نصف الاقتصاد الأوكراني غير مسجل رسميا في سجلات ,إلى جانب توقف تدفق الاستثمار الأجنبي للدولة . \r\n ومن ثم فلا تزال أوكرانيا دولة فقيرة يعادل نصيب الفرد فيها من الدخل القومي نصف مثيله في روسيا .وبين تبادل الاتهامات بالفساد وعدم الأهلية يظهر الانشقاق والانفصال بين كل من (يوتشنكو) و (تيموشنكو) .وباقتراب الانتخابات العامة في الأفق , اطلق (يوتشنكو) ما يعرف بمذبحة سبتمبر حيث لم يكتف فقط بعزل (تيموشنكو) عن منصبه كرئيس وزراء بل وطرد أيضا المقربين له من حاشيته المتهمين في قضايا فساد .وقام (يوتشنكو) بعمل اتفاق مع فيكتور يانكوفيتش غريمه السابق في الانتخابات الرئاسية .ومع هذا فلا يعد ذلك الاتفاق ضربا من الجنون ولا هو شكلا من أشكال الخداع , ومن ثم فان أوكرانيا تسير في منزلق خطير . \r\n وبالتفحص الدقيق نجد أن مساحة الفرصة التي فتحتها الثورة البرتقالية أصبحت الآن أضيق مما يتصور أحد .وللمرور من خلال هذه المساحة الضيقة لابد من التجرد من بيروقراطية ما بعد الحقبة السوفيتية ونستأصل المفسدين الخارجين من عباءة الحزب الشيوعي ويستحوذون على الطبقة الحاكمة التي تمتلك القوة والحكم ,مع بناء إطار ثابت للعمل وفق القانون والعدالة ,بالإضافة إلى فتح السوق للمنافسة .وعلاوة على ذلك فالمطلوب أيضا المحافظة على الأمل في الانضمام للاتحاد الأوروبي ,الذي يشهد مناقشات محمومة للوصول لنتيجة إزاء الفشل في التوصل لصيغة للدستور الأوروبي الموحد ,بالإضافة إلى التوصل إلى تفاهم مع روسيا التي تتمتع الآن بزيادات في دخلها من النفط والغاز . \r\n والمشكلة الرئيسية التي تواجه كل المجتمعات التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي هي التخلص من النمط الاقتصادي الذي ورثته تلك الدول من النظام الشيوعي الفاشل .ونرى دول وسط وغرب أوروبا - وخاصة استونيا - قد قطعت خطوات بعيدة تجاه النظام الاقتصادي الليبرالي وأصبحت أكثر الدول نجاحا في النمو الاقتصادي . \r\n وعلى سبيل المثال فان خطوط أنابيب الغاز هي المحرك الأساسي للفساد في أوكرانيا وعليه فان التحكم فيها يعد المسألة الرئيسية في السياسات الأوكرانية .حيث تقوم شركة غاز بروم الروسية الحكومية العملاقة للغاز الطبيعي بإمداد أوكرانيا بالغاز بسعر أقل من السعر العالمي .وهذا الاختلاف في الأسعار هو العملة التي عن طريقها تشتري روسيا التأثير السياسي في أوكرانيا .والحل الوحيد للخروج من هذا الموقف الصعب هو المنافسة . \r\n فالسياسات الأوكرانية غير أيديولوجية ورئيسها يوتشنكو هو القائد السياسي الوحيد الذي يمتلك تصورا عاما محدد الملامح .فهو صاحب فكر السوق التحرري حيث يؤمن بإبقاء الحكومة صغيرة ومحلية وتتمتع بالشفافية .ويؤمن أيضا بالتأثير الجيد للمنافسة وحقوق الملكية الخاصة والابتعاد عن القوانين التضييقية .ومن هنا فهذه الأفكار نجدها تتناغم مع مطالب المنظمات الدولية لقبول عضوية الدول مثل منظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو . \r\n وهذه الأفكار ليست بالضرورة مثل الأفكار التي تنتهجها موسكو ولكن إذا ما استطاعت أوكرانيا أن تصبح نموذجا تحتذيه شقيقتها السلافية الكبرى. وهذا لن يعتمد فقط على مدى نجاح الرئيس يوتشنكو في الإصلاح الاقتصادي ولكن أيضا على نتائج انتخابات مارس القادم . \r\n وحتى يصبح يوتشنكو ومن يواليه ويتفق معه في وجهات نظره جزءا من أي حكومة قادمة عليهم أن يتوصلوا إلى تسوية وحل وسط ليكونوا جزءا من حكومة ائتلافية .وإذا فشل يوتشنكو فلن يتقدم وينمو الاقتصاد كما حدث بعد أحداث نوفمبر من العام الماضي .ومن ثم فأوكرانيا تحتاج بيأس إلى ثورة برتقالية ثانية لن تحدث ,فالروح التي كانت في ميدان كييف يجب أن تعود وتدب فيها الحياة مرة أخرى . \r\n جون جلينجام وماريان توبي \r\n باحث في معهد الأبحاث الأوكراني ومساعد مدير مشروع تحرير الاقتصاد العالمي في معهد كاتو \r\n خدمة كيه آر تي خاص ب ( الوطن )