\r\n \r\n وقمة الاتحاد الأوروبي مع أميركا اللاتينية والكاريبي، التي ستعقد في مايو المقبل في فيينا، ستنبئنا، في حال توفرت الإرادة السياسية، عن إحراز تقدم في هذا الاتجاه. وسنرى حينذاك إذا ما وصلت المفاوضات مع تجمع الدول أعضاء السوق المشتركة في الجنوب (ميركوسور) إلى بر الأمان أم لا. \r\n \r\n فعقب تركيزها على عملية توسيع نفسها باتجاه الشرق، يتعين على أوروبا الآن توجيه ذاتها ناحية الغرب،باتجاه أميركا اللاتينية تلك التي عادت ووجدت الديمقراطية مجددا، لكنها لا تتمكن من تقليص الفوارق الاجتماعية وعدم المساواة. وباتجاه الجنوب طبعا، حيث أفريقيا الفقيرة التي ينقض الناس على بواباتها ويحاولون القفز من فوق أسوارها، مثلما تبين لنا مشاهد الأحداث المأساوية في سبته ومليله. \r\n \r\n لكن التحدي الأكبر الذي تواجهه أوروبا اليوم على الصعيد الجيوسياسي يكمن في علاقتها مع العالم الإسلامي وعلى وجه الخصوص مع جزئه الواقع في حوض البحر الأبيض المتوسط. والموجهات الأساسية لتلك العلاقة هي تركيا والاندماج الثقافي للمهاجرين والحفاظ على التوازن المناسب في معادلة الحرية والأمن أمام التهديد الإرهابي. \r\n \r\n بينما يستهل المجلس الأوروبي مفاوضات الاندماج مع تركيا، فإنها تفهم جيدا، انطلاقا من قبرص، تلك الأهمية البالغة وذلك التعقيد الكبير في علاقة أوروبا بالإسلام. فأسوار مدينة فاماغوستا القبرصية، الحصينة جدا كما وصفها إي. سالغاري في رواياته التاريخية. ما زالت منتصبة هناك. \r\n \r\n وعند منحدراتها، تربض مدينة فاروشا، التي أسسها قبل400 عام الناجون من الغزو العثماني، خاوية هي تتهدم وتنهار بشكل بطيء منذ أن هجرها سكانها البالغ عددهم آنذاك 35 ألف نسمة وذلك عندما تم اجتياحها مجددا من قبل تركيا في عام 1974. \r\n \r\n وكما لو أننا أمام بومبي من دون حمم، فان مشهد المدينة يعكس زمنا توقف على حين غرة. ويعتقد القبارصة بأن جعل تركيا أوروبية هو الأمر الوحيد الكفيل بوضع حد لتقسيم جزيرتهم. \r\n \r\n لكن بعيدا عن الإشكالية القبرصية، فان استهلال المفاوضات مع تركيا ينعش أهمية النقاش حول أهمية أوروبا السياسية مقابل أوروبا الشاملة. المدافعون عن الفكرة الأولى يعتقدون بأن تركيا ستجعل من أوروبا المتماسكة سياسيا أمرا مستحيلا وبأنه سيكون من المحتم التخلي عن السياسات التضامنية (السياسة الزراعية والسياسة الاندماجية). \r\n \r\n ويعتبرون أن الاندماج سيؤدي إلى خلل في سير عمل أوروبا المؤسسي، ذلك أنه سيكون لتركيا وزن أكثر من أي دولة أخرى سواء في المجلس أم في البرلمان الأوروبيين. في المقابل، يرى آخرون في عملية الاندماج ولادة أوروبا كلاعب عالمي يتمتع بالثقل الجيوسياسي اللازم. \r\n \r\n تركيا ستساعد أوروبا على النمو وستساعدها بتأمين الطاقة وتدحض فرضية صراع الحضارات وقبل كل شيء ستوقف شيخوخة سكانها. مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك الشيخوخة وما يتبعها من هجرة هما العنصر الكبير الآخر للعلاقة بين أوروبا والعالم الإسلامي. \r\n \r\n أوروبا تشيخ، ومعدلات الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاماً ستواصل ارتفاعها حتى 2030، عندما يتقاعد أبناء جيل طفرة المواليد التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n في ذلك الوقت سيكون لأوروبا 18 مليون طفل أقل من اليوم وعدد العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و64 عاما سيبلغ 24 مليون عامل وسيكون لأوروبا 34 مليوناً من المواطنين الذين تزيد أعمارهم على 80 عاما ( عددهم اليوم 18 مليوناً). \r\n \r\n ومعدلات الولادة في البلدان الأوروبية كلها تقريبا هي أقل من عتبة تجدد الأجيال الطبيعي (2.1 )، حتى تلك المعدلات في بعض بلدان الجنوب والشرق الأوروبيين هي أقل من 1.3 ابن لكل امرأة. \r\n \r\n ويشير تقرير ويم كوك حول النمو والعمل في أوروبا إلى أن الشيخوخة يمكن أن تقلص »النمو الكامن« السنوي في إجمالي الناتج المحلي من 2%-2.25 % حاليا إلى 1.25% في عام 2040. \r\n \r\n ولذلك فإن الهجرة هي أمر جوهري من أجل تجاوز مأزقنا السكاني وتمثل حاليا 75% من صافي النمو السكاني في الاتحاد الأوروبي. من دون الهجرات العالمية فإن النمسا وألمانيا واليونان وايطاليا كانت لتواجه هبوطاً سكانياً حاداً. في اسبانيا 7% من السكان هم من الأجانب وفي أمستردام 40%. \r\n \r\n يتعين على الاتحاد الأوروبي تحريك سياسات ملائمة لضمان الاندماج الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين، لكن يتعين عليه أيضا تشجيع سياسات التطوير في بلدانهم الأصلية. \r\n \r\n إن الحدود الحقيقية بين أوروبا وجيراننا في الجنوب لا يمثلها الحاجز الطبيعي للبحر الأبيض المتوسط ولا الوديان التي تفصل سبته ومليله عن المغرب، فالحدود الحقيقية تكمن في الفروقات العميقة في الثروة وفي التعليم وفي فرص العمل وفي إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب والطاقة وفي الصحة والغذاء... وعن طريق اندماج المهاجرين، يتعين على أوروبا تعريف علاقتها مع العالم الإسلامي. \r\n \r\n ففي الاتحاد الأوروبي القديم، الذي كان يضم في عضويته 15 بلدا، يعيش اليوم 15 مليون شخص من ذوي الأصول الإسلامية. وفي منطقة البلقان، يعيش 10 ملايين آخرون، ومن المتوقع، من هنا حتى 2040، أن يصل الرقم إلى نحو 35 مليوناً، ولذلك،فان مستقبلنا الأوروبي المشترك يمر بالعلاقة التي نكون قادرين فيها على الحفاظ عليها مع ثقافات أخرى وبين الأديان، \r\n \r\n لأن الدين مازال، مع الأسف، عنصرا مرتبطا إلى حد كبير بتحديد الهوية الشخصية. من فاماغوستا إلى سرقسطة، لدي انطباع بأننا نحن الأوروبيين، المستغرقين في نقاشات مؤسسية، والذين ترعاهم طبقة سياسية وتفضل الرمزي على الحقيقي، ربما لأن الحقيقة تهرب منهم، لسنا واعين لتحديات مستقبلنا الحقيقية.إن محاربة الفقر في أميركا اللاتينية وفي أفريقيا وترسيخ الديمقراطية في العالم الإسلامي هما اثنان من أهم تلك التحديات. \r\n \r\n