وإذا دققنا ملاحظتنا عن الحروب نستنتج انه عند بدء حرب ما ينتهي في مقابلها اثنتان, ولذلك يمكننا القول: إن أعداد الحروب في نقصان دائم وأحدث مثال على تلك الحروب الأخبار التي تردنا من بوروندي وعند النظر للآثار السلبية التي خلفها الصراع في بوروندي , نجد أن 200.000 قتيل هي حصيلة عشر سنوات من الحرب الأهلية هناك ناهيك عما خلفته تلك الحرب من مئات الآلاف من اللاجئين إضافة إلى الدمار الذي حل بالبنية الأساسية للدولة . وفي العام الماضي , وبمساعدة منظمة الأممالمتحدة إلى جانب المجتمع الدولي, تم التوصل إلى دستور للبلاد وإقامة انتخابات ديموقراطية أدت إلى نقل السلطة إلى رئيس منتخب من قبل الشعب إضافة إلى طلب الأمين العام للأمم المتحدة من مجلس الأمن إرسال قوات لحفظ السلام في بوروندي للمساعدة في حفظ الأمن هناك أثناء فترة نزع السلاح وتسريح الجيش . \r\n وفي نهاية المطاف يجد الشعب البوروندي سبيلا للتفاؤل في شكل أفضل للحياة , وعلى العالم أن يستمر في دعمه لبوروندي حتى تصل لحالة الاستقرار ويسود السلام . \r\n والى جانب ذلك نرى الكثير من الصراعات حول العالم وقد تمت السيطرة عليها ففي النصف الآخر من العالم يعلن الجيش الجمهوري الايرلندي عن نهاية للصراعات المسلحة الدائرة هناك , وليبيريا تنعم الآن بالسلام بعد نزع سلاح 100.000 مقاتل , وفي تيمور الشرقية وسيراليون حزمت قوات حفظ السلام حقائبها بعد أن أدت مهمتها فاتجه بعضها إلى السودان للمساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام ينهي عقدين من الحرب التي أدت إلى قتل مليوني شخص , ويبدو الاتفاق مهزوزا بوجه عام ولكنه صمد بالرغم من مقتل جون قرنق , زعيم التمرد العتيد في جنوب السودان ورغم إحلال السلام في كثير من بقاع العالم لكن تلك المناطق مازالت معرضة لعودة الاضطرابات من جديد لان السلام يحتاج وقتا طويلا , ربما عقدا كاملا, ليترسخ في تلك المناطق . \r\n وعلى الجانب الآخر هناك الكثير من المناطق التي ما زالت تتأرجح بين الحرب والسلام من أفغانستان والكنغو وصولا إلى هاييتي ولكن أعداد الصراعات تقل من آن إلى آخر وحتى بالنظر إلى تلك المناطق نجد أن الأمل في إحلال السلام بها مازال موجودا . \r\n وبالنظر للجهود المبذولة في أفغانستان نلاحظ قيام موظفي الأممالمتحدة بالاستعدادات والتجهيزات لإقامة انتخابات برلمانية هي الأولى من نوعها منذ الإطاحة بحكم طالبان أما عن الكونغو فهي الأخرى تستعد للقيام بالانتخابات المحلية وذلك بعد فرار الجماعات المسلحة في الشرق بسبب تلقيها ضربات عنيفة من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وبالنسبة لهاييتي فهي تسير قدما في تشكيل حكومة ديموقراطية في وجود قوات حفظ السلام التي تساعد في إزالة الأخطار وتعزيز الوضع الأمني الهش . \r\n وإذا سألنا عن الأسباب التي قادت بعض الدول بأن تنأى بنفسها عن النزوع نحو الحرب نجد أن النمو الاقتصادي هو أحد تلك الأسباب والذي قام بدور فاعل في أن تنأى دول شرق وجنوب آسيا بنفسها عن الانخراط في مثل هذه الصراعات . وهناك سبب آخر جنب بعض الدول التي لا تتمتع بنمو اقتصادي من أن تكون فريسة لمثل هذه الحروب ألا وهو حسن التعامل مع الصراع لإنهائه . \r\n وجدير بالذكر أن معظم الصراعات التي نراها , إضافة إلى الصراع المنتهي في بوروندي , تحدث جميعها نتيجة للحروب الأهلية وتنشب في اكثر الدول فقرا والتي تعاني في أغلبها من انهيار وتدمير لأجهزة ومؤسسات الدولة . \r\n ورغم أن أمراء الحرب يستغلون النزاعات العرقية والخلافات الدينية إلا أن اهتمامهم الكسب المادي للثروة أكبر من اهتمامهم بالأفكار والمبادئ ويصعب على القوى الخارجية التدخل لإنهاء هذه الحروب ولكننا في المقابل نملك عدة إجراءات تساعد في دفع الأمور في المسار الصحيح , ومن هذه الإجراءات الحد من المكاسب التي يجنيها أمراء الحرب من سلب للثروات الطبيعية مثلما فعلنا في ( تجارة الماس الدموية ) التي كانت تمول حروب غرب أفريقيا . \r\n ويمكن الحد من هذه الحروب عن طريق أعمال الوساطة والمفاوضات مثلما فعل نيلسون مانديلا عندما توسط وبذل جهدا كبيرا لإنهاء الصراع في بوروندي. وعندما يتم التوصل لاتفاق في أي صراع في العالم يمكن بعدها إرسال قوات حفظ السلام والتي بدورها تقوم بحفظ الأمن لفترة معينة وتقوم بتنظيم عملية نزع سلاح الأطراف المتحاربة وتساعد في إقامة انتخابات والوصول إلى دستور للحكم , ووقتها يكون الجميع على استعداد , وبحب, لمد يد العون والدعم الاقتصادي لمثل هذه المناطق من العالم , وبالطبع كل هذا ليس بالأمر الهين أو غير المكلف أو حتى بعيدا عن المخاطر ولكن يعد هذا أمرا غاية في الأهمية بل ويعتبر أساسيا عندما نعرف أن البديل له هو الحرب . \r\n لقد كنت في بوروندي أثناء تنصيب الرئيس الجديد وفي غضون ذلك كانت الأجواء مشحونة بالبهجة من قبل اتباع الرئيس الجديد وكان الشعور العام الذي ينتاب معظم الذين قابلتهم هو الإحساس بالارتياح بسبب انتهاء الصراع وإمكانية العمل سويا من جديد على إعادة كل شيء إلى طبيعته . \r\n إن النجاح الذي تحقق في بوروندي يوضح مدى الإنجاز الذي يمكن أن يتحقق لشعب عانى من الحروب ومزقته الصراعات إذا ما حصل على الدعم اللازم من المجتمع الدولي ومن كل المحيطين حوله ولعلنا نرى لأول مرة في التاريخ سيطرة قوات حفظ السلام على مجريات الأمور وإحكام قبضتها على الصراع في بوروندي . \r\n \r\n جين ماري جوهينو \r\n نائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام \r\n خدمة انترناشيونال هيرالد تريبيون نيويورك تايمز خاص بالوطن