فالولايات المتحدة لم تتخلص فقط من الخصم الرئيسي لإيران، وهو صدام حسين، وكذلك حركة طالبان المناوئة لإيران في أفغانستان، ولكنها مع إتمام الدستور العراقي الجديد هذا الأسبوع، والذي سيضمن حكومة مركزية ضعيفة وحكما ذاتيا واقعيا لمعظم الجنوب الشيعي، فإن تأثير إيران في العراق –والذي يتقدم بالفعل بعد تولي حكومة مؤقتة مؤيدة لإيران في الربيع الماضي– يبدو أيضا أنه سوف يزداد أكثر وأكثر. \r\n \r\n وبحسب جوان كول الخبير في الشئون العراقية بجامعة ميتشجان فإن \"الدستور الجديد سوف يقوي القوى المحلية في الجنوب والمؤيدة لإيران\"، كما أشار كول إلى أن تركيب الدولة الذي أقرته مسودة الدستور يمكن أن يصل إلى اتحاد كونفيدرالي أكثر منه نظاما فيدراليا. \r\n \r\n كما أضاف كول ل آي بي إس قائلا إن حظر الدستور لأي قانون ينافي الشريعة الإسلامية من المرجح أن يعطي المرجعيات الدينية الشيعية قوة كبيرة في الدولة، وهو ما يقود العراق أكثر نحو النموذج الإيراني. \r\n \r\n وتابع كول قائلا: \"في الوقت الذي لا يوجد فيه رجل دين دكتاتور على رأس الحكومة في إيران، فإنه إذا كان هناك خمسة من حاملي لقب آية الله على رأس المحكمة العليا يُسقطون القوانين لأنها تتنافى مع الإسلام فإن هذا قريب بدرجة كبيرة من النظام الإيراني\". \r\n \r\n وفي إحدى الحلقات النقاشية لمجلة ذي نيشن (الأمة) أشار شبلي تلحمي، المتخصص في شئون الشرق الأوسط معهد بروكينجز، إلى أنه \"لم يكن أحد في واشنطن ليتصور أنه مع كل هذه التكاليف البشرية والمالية للحرب سوف تجد الولاياتالمتحدة نفسها تساند حكومة.. ذات روابط قوية مع إيران، وأنها سوف تعقد اتفاقية عسكرية مع طهران لتدريب القوات العراقية، حتى في الوقت الذي لا يزال فيه 140 ألفا من القوات الأمريكية على أرض العراق\". \r\n \r\n وهذا في الحقيقة ليس ما افترض المحافظون الجدد أنه سيحدث، فقد احتجوا بأن عرفان العراقيين بالجميل على \"تحريرهم\" من صدام سوف ينتج عنه تنصيب حكومة علمانية موالية للغرب، والتي ستسمح باستخدام أراضيها من أجل قواعد للجيش الأمريكي كنقطة ضغط –أو كمنصة إطلاق محتملة– ضد جمهورية إسلامية مجاورة غير مرغوب بها ويتزايد الحصار حولها (وكذلك ضد سوريا). \r\n \r\n ومع هذا فعندما لم يتم الترحيب بالقوات الأمريكية في العراق ب\"الزهور والحلوى\" التي كانوا يتوقعونها، وبدأ تمرد سني غير متوقع في تحدي الاحتلال على نحو خطير، فإن هذا قد أربك المحافظين الجدد. \r\n \r\n وقد احتج المحافظون الجدد بأنه بتمكين الأكثرية الشيعية من خلال الانتخابات فإن الولاياتالمتحدة سوف تنشئ نموذجا ديمقراطيا سوف يثبت أنه نموذج لا يقاوَم أمام الجماهير الإيرانية التي تحررت من الوهم، والتي سوف تنتفض –بدعم سياسي وربما شبه عسكري من الولاياتالمتحدة– لتُسقط الحكومة الدينية. \r\n \r\n وفي مقال في أحد أعمدة جريدة وول ستريت جورنال في ديسمبر الماضي، وقبل انتخابات 30 يناير التي جاءت بحكومة الجعفري إلى السلطة، قال أحد كبار خبراء المحافظين الجدد في الشأن الإيراني، وهو ريول مارك جيريشت، من معهد العمل الأمريكي: \"إن هذه الحكومة المؤيدة من قِبل المؤسسة الشيعية العراقية هي خنجر يستهدف دكتاتورية رجال الدين في طهران\". \r\n \r\n غير أنه وفي الوقت الذي كان يتنبأ فيه جيريشت بثقة بأن حكومة شيعية في بغداد وآية الله علي السيستاني في النجف سوف يدقان أجراس موت الملالي في طهران، كان محللون آخرون يرون سيناريو مختلفا تماما. \r\n \r\n وقد انتهى تقرير صادر عن المعهد الملكي للشئون الدولية في سبتمبر 2004، وهو أكبر مؤسسات التفكير البريطانية تأثيرا، إلى أن \"الكاسب الحقيقي الجغرافي السياسي على المدى الطويل من 'الحرب على الإرهاب‘ يمكن أن يكون إيران\". \r\n \r\n وقد صرح أحد المشاركين في كتابة التقرير، وهو جاريث ستانفيلد، لصحيفة يو إس إيه توداي في نفس الوقت: \"إن الإيرانيين يسيطرون بشكل كبير على ما يحدث في العراق، والولاياتالمتحدة تبدأ الآن فقط في إدراك هذا\". \r\n \r\n وعلى عكس توقعات جاريث فإن هذا التأثير ،إذا لم يكن سيطرة، قد اشتد منذ انتخابات يناير التي فاز فيها التحالف الشيعي، بقيادة حزب الدعوة الذي يرأسه إبراهيم الجعفري، وكذلك المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بصفة خاصة. وبالإضافة إلى حصول التحالف على أكثرية الأصوات في الانتخابات الفيدرالية فقد اكتسح تسع محافظات من بين 11 محافظة، ومن بينها محافظة بغداد والتي يعيش بها أعداد ضخمة من الشيعة. \r\n \r\n وفي الحلقة النقاشية التي عقدتها مجلة ذي نيشن قال كول: \"في عام 1982 قام الخميني بتأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وكان من بين أعضائه عبد العزيز الحكيم، وهو القائد الحالي للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وإبراهيم الجعفري رئيس الوزراء الحالي. وكان الخميني يحلم بوضعهم في موضع السلطة في بغداد، وقد قام بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد بتحقيق ذلك الحلم\". \r\n \r\n ومنذ وصولهم إلى السلطة قام هؤلاء المسئولون بتكسير العلاقات الباردة مع إيران تماما، والتي كان قد تسبب فيها رئيس الحكومة الانتقالية إياد علاوي، وبدءوا ما يمكن أن يوصف بأنه علاقات دافئة، إن لم تكن أخوية، مع الجمهورية الإسلامية. \r\n \r\n وقد تم عقد اتفاقيات بين البلدين تغطي التعاون والمساعدة العسكرية، ومشروعات البنية التحتية الرئيسية، ومن بينها إنشاء خط أنابيب بترول إلى إيران من أجل تكريره، وإنشاء مطار في مدينة النجف المقدسة للحجاج الإيرانيين، وغير ذلك من برامج المساعدة تشمل المدارس، والمستوصفات الطبية والمساجد. \r\n \r\n وفي زيارة قام بها الجعفري إلى طهران، والتي دامت ثلاثة أيام، استقبله بحفاوة كبار القادة الإيرانيين، ومن بينهم الرئيس الجديد محمود أحمدي نجاد والقائد الأعلى آية الله علي خامنئي، وتُوجت بزيارة تكريم لقبر الخميني نفسه، في إشارة يمكن ألا يتم تفسيرها كعلامة جيدة، حتى من قِبل جيريشت وغيره من المحافظين الجدد. \r\n \r\n وبحسب كول فإن الزيارة \"كانت تجمعا للمحبة\". \r\n \r\n وكما أشار أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين الأسبوع الماضي في وول ستريت جورنال فإن المقابلة الرسمية الأخيرة مع السيستاني والتي حظي بها وزير الخارجية الإيراني الحالي كمال خرازي \"لم تعجبنا تماما\"، وخاصة أن آية الله السيستاني، والذي يُعتبر على نطاق واسع القائد الأكبر تأثيرا في إيران اليوم، قد رفض مقابلة أي مسئول أمريكي منذ الغزو\". \r\n \r\n وبحسب المسئولين هنا فإن التقارير تقول في هذه الأثناء إن المخابرات الإيرانية قد اخترقت بشكل كامل قوات الأمن العراقية والميليشيات –والتي تم تدريب الكثير من أعضائها على يد الحرس الثوري الإيراني– إلى الحد الذي جعل الجيش الأمريكي يحصر عمليات مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع من يخضعون للرعاية الأمريكية من بين العراقيين. \r\n \r\n وفي الحقيقة أن العديد من قادة الحكومة العراقية، كما اعترف بذلك جيريشت نفسه، قد عاشوا لسنوات عديدة، أو لعدة عقود في بعض الحالات، في إيران، وكانوا مدعومين من الحكومة هناك. وحتى جلال طالباني، الرئيس الكردي في الحكومة، كان معتمدا إلى حد كبير على الدعم الإيراني أثناء حكم صدام حسين. \r\n \r\n ورغم أن كول لا يُهمل تماما فرضية جيريشت القائلة بأن حكومة يقودها الشيعة في بغداد وتعمل تحت تأثير الآراء الأهدأ للسيستاني حول علاقة الإسلام بالدولة، وهو ما يمكن أن يمثل في النهاية نموذجا مقابلا لإيران، وبهذا يقوض التأييد لحكم رجال الدين، فإن الإيرانيين، الذين أظهروا رغبة متزايدة في تحدي الولاياتالمتحدة منذ انتخابات يناير يمكن أن يوجهوا الشكر للمحافظين الجدد على حظهم الجيد حتى الآن.