\r\n ولم تكن محاكمة مايكل جاكسون سوى أحدث حالة قادت إلى هذا النوع من الجدل في الولاياتالمتحدة. فالأميركيون يحبون دائما أن يعتقدوا أن العدالة عمياء، بمعنى أن يقوم القضاء بإصدار أحكامه بناء على نصوص القانون ووقائع الدعوى، وليس بناء على شخصية المتهم. ولدينا في أميركا تمثال جميل يجسد العدالة في صورة امرأة معصوبة العينين بحيث لا ترى من الذي يحضر القضية إليها للبت فيها. ولكن البعض يعترضون على هذه الصورة، خصوصا عندما يصدر القضاة أحكاما لا تروق لهم. وهذه المعارضة تتحول عادة إلى حالة من الجدل الوطني، خصوصا عندما يكون المتهم موضوع القضية من الشخصيات البارزة.\r\n لقد حوكم مايكل جاكسون بواسطة هيئة محلفين تتكون من 12 مواطنا أميركيا قالوا للقاضي إنهم يرون أنه غير مذنب. وقرارات مجالس المحلفين كما هو معروف مهمة للغاية في القانون الأميركي، لأنها هي التي تساعد القاضي على البت في القضية المطروحة أمامه. وبعد انتهاء محاكمة جاكسون، قال هؤلاء المواطنون الأميركيون الإثنى عشر، إنهم قد نحوا مشاعرهم الشخصية تجاه مايكل جاكسون جانبا، وأصدروا قرارهم بناء على حقائق وملابسات القضية وبنود القانون، وبمعزل عن شخصية المتهم. \r\n ليس هناك من شك بالطبع في أن بعض أعضاء هيئة المحلفين من عشاق جاكسون، وأن بعضهم الآخر لا يحبه، بل وقد يعتقد أنه شخص غريب الأطوار ومقزز أيضا. ولكنهم - المحلفون- نظروا إلى الأدلة، وتحاوروا فيما بينهم، وشعروا في النهاية بالرضا والاقتناع بأنهم كانوا منصفين في التعامل مع جاكسون، ومع من اتهموه على حد سواء دون أن يفكروا في مشاعرهم الشخصية تجاهه. مع ذلك سيظل بعض الناس يعتقدون أن شهرة مايكل جاكسون لابد وأن تكون هي التي ساعدته على الخروج بريئا من هذه القضية، وأنه لو كان شخصية عادية لتمت إدانته. \r\n كان أو. جي. سيمبسون شخصاً مشهوراً آخر تمت تبرئته من قبل هيئة المحلفين منذ سنوات قليلة في قضية جنائية. في تلك القضية التي كانت قضية قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد، اعتقد الكثيرون أن شعبية سيمبسون قد ساعدته على الخروج بريئا من القضية. \r\n كان سيمبسون نجما لامعا من نجوم كرة السلة، قبل أن يتجه بعد ذلك إلى هوليوود، ليمثل عدة أفلام سينمائية، ويظهر في عدة إعلانات تلفزيونية، وبالتالي فإنه كان شخصا معروفا للجميع، ويحظى بالحب والإعجاب على نطاق واسع. ومثله مثل جاكسون تمت تغطية قضيته بواسطة وسائل الإعلام باعتبارها حدثا خبريا رئيسيا، وتواصلت تلك التغطية يوميا على مدار عدة أسابيع. وعندما صدر الحكم ببراءته في النهاية، اعتقد الكثيرون أنه لم يكن عادلا. ولكن أعضاء هيئة المحلفين ردوا على ذلك بالقول إنه لم يتطرق إليهم \"أي قدر معقول من الشك\" يكفي لجعله مذنبا... ولو كان لديهم مثل ذلك القدر من الشك لكانوا قد أدانوه بارتكاب الجريمة. هذا معيار يصعب التحقق منه في الواقع، وكل ما يحتاجه محامو الدفاع في مثل هذه القضايا، هو أن يثيروا \"قدرا معقولا من الشك\" حول الاتهام كي يحصلوا على حكم بالبراءة للمتهم. \r\n مع ذلك فإن الشخصيات البارزة لا تحصل دائما على البراءة كما يعتقد الكثيرون. ففي الآونة الأخيرة دخل رؤساء، ورؤساء مجالس إدارة شركات كبرى في الولاياتالمتحدة، السجن بسبب مخالفات قانونية تتعلق بارتكاب أخطاء في مشروعاتهم. ففي العام الماضي على سبيل المثال، دخلت \"مارثا ستيوارت\" وهي شخصية إعلامية مهمة السجن بسبب تقديم إفادات كاذبة عن معاملاتها المالية. في تلك القضية قرر أعضاء هيئة المحلفين أنها قد خرقت القانون، وأنهم قد تغاضوا عن وضعها كشخصية مشهورة. \r\n في الوقت الراهن، يحتدم جدل جديد حول العدالة الأميركية. هذا الجدل له مضامين دولية وأخرى متعلقة بالسياسة الخارجية. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعندما شنت الولاياتالمتحدة حربها على أفغانستان، فإن القوات الأميركية هناك قامت باحتجاز عدد من الأشخاص من جنسيات مختلفة ممن أطلقت عليهم \"مقاتلي العدو\". وفيما بعد تم إرسال هؤلاء الأشخاص إلى القاعدة العسكرية الأميركية في خليج جوانتانامو في كوبا، حيث تم الاحتفاظ بمعظمهم هناك لعدة سنوات دون أن يتم تقديمهم للمحاكمة. ومن المعروف أن من بين المبادئ الأساسية للعدالة الأميركية، أن يتم توفير محام لأي شخص يقبض عليه، وأن تجرى له محاكمة في أسرع وقت ممكن. أما ما حدث في جوانتانامو فهو أن المحتجزين هناك حرموا لبعض الوقت من الحصول على محامين، كما لم يتم تقديمهم للمحاكمة. وادعت سلطات الولاياتالمتحدة أن هؤلاء المتهمين يندرجون تحت فئة خاصة، لأن أميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر أصبحت في حالة حرب ضد الإرهاب، وبالتالي فإن الأشخاص المتورطين في تلك الحرب يجب ألا يحصلوا على الحقوق الطبيعية، التي يحصل عليها المتهمون عادة في القضايا الجنائية. \r\n ولكن سياسة الحكومة الأميركية في هذا الشأن تتعرض إلى انتقادات متزايدة ليس فقط من قبل الحكومات الأجنبية، ولكن من قبل أميركيين بارزين أيضا، - منهم أعضاء كونجرس من المعارضة- يريدون أن يتم إغلاق معتقل جوانتانامو الآن. ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي يصر على عدم إغلاق المعتقل يتعرض الآن إلى ضغوط متزايدة من الأميركيين، الذين يشعرون بعدم الراحة بسبب تلك الاستثناءات التي تمثل خروجا على قواعد العدالة والإنصاف في النظام القضائي الأميركي. لقد أصبحت لدى هؤلاء السجناء فرصة الآن للحصول على محامين ولكن رامسفيلد سوف يواصل رفض إجراء المزيد من التغييرات، مما يعني أن الجدل حول الموضوع سوف يتواصل. \r\n رامسفيلد لن يستطيع أن يعارض ذلك إلى ما لا نهاية، لأن الكثيرين في أميركا يريدون أن تتم محاكمة السجناء وفقا لقواعد العدالة القضائية، ويصرون أيضا على أن تظل العدالة الأميركية عمياء كما يفترض أن تكون.