\r\n وفي سياق يأخذ المصالح القومية العليا مأخذا جديا‚ جسر الرئيس بشار الاسد غداة تسلمه دفة الحكم‚ العلاقات مع القيادتين العراقية والفلسطينية‚ وعشية غزو العراق واحتلاله والى الآن عبرت سوريا عن موقف يرفض الغزو والاحتلال‚ هو موقف تستند فيه دمشق الى الشرعية الدولية والثوابت السورية الوطنية والقومية‚ وبمساندة مقاومة الاحتلال في لبنان وفلسطين والعراق وجدت سوريا نفسها في مرمى السياسة الاميركية العدوانية‚ ذلك ان الادارة الاميركية التي تقوم سياستها على شعار جورج دبليو بوش الشهير «من ليس معنا فهو ضدنا» صنفت سوريا ليس فقط على قائمة الدول الداعمة للارهاب‚ لأن سوريا ترفض عد مقاومة الاحتلال الاجنبي ارهابا‚ بل نظرت اليها كعقبة كأداء تحول دون تقدم المشروع الاميركي الصهيوني لاقامة الشرق الأوسط الكبير‚ يفترض ازالتها أي بمعنى آخر صار تغيير النظام الوطني الحالي في دمشق واستبداله بنظام ينفذ ما تمليه عليه الدوائر الصهيو اميركية على الاجندة الاميركية‚ \r\n الضغوط الأميركية لم تربك المسار الإصلاحي \r\n لقد كان متوقعا ان تحاول الادارة الاميركية ارتجال عملاء من أصل سوري يقيمون في الولاياتالمتحدة وأوروبا وتسويقهم كمعارضة مزعومة من أمثال فؤاد الغادري‚ النسخة الباهتة لأحمد الجلبي (العراقي)‚ الى جانب توظيف علاقات واشنطن وتل أبيب الوثيقة مع أكراد العراق لتحريك أكراد سوريا عرقيا في سياق الضغوط الاميركية على دمشق‚ فنجم عن ذلك أحداث القامشلي البشعة واضطرابات متفرقة أقل أذى تم استيعابها من قبل الحكومة السورية بصبر وحزم‚ \r\n ورغم ان القنوات الفضائية العربية استخدمت في حرب اعلامية على سوريا رافقت «قانون محاسبة سوريا» قبل وبعد توقيعه من قبل الرئيس الاميركي‚ وصارت التهديدات الصهيو اميركية بضرب سوريا تترى‚ بل نفذ بعضها‚ فان القيادة السورية لم تذعن لارادة الادارة الاميركية بل نشطت دبلوماسيا عربيا واسلاميا‚ شرقا وغربا وحققت نجاحات مهمة خصوصا خلال زيارتي الرئيس السوري الى أنقرة وموسكو وما نجم عنهما من اتفاقيات استراتيجية تحصن الموقف السوري في مواجهة الهجمة الصهيو اميركية اقليميا ودوليا‚ \r\n وبحنكة وشجاعة لم تشأ القيادة السورية ان تزيد في سرعة عملية الاصلاح تحت الضغوط الاميركية (قانون معاقبة سوريا) دبلوماسيا واقتصاديا‚ وتدبير عملية اغتيال رفيق الحريري‚ واستصدار القرار الأممي 1559 لاخراج القوات السورية من لبنان‚ وفي الوقت نفسه لم توقف دمشق عجلة الاصلاح تخوفا من احتمال استغلالها مثلما حاولت السفارات الاجنبية وأطراف خارجية استغلال «منتديات» ما سمي «ربيع دمشق» تيمنا بربيع براغ لدفع البلاد الى الفوضى تحت شعارات تصدير الديمقراطية الغربية المعروفة‚ بل سارت القيادة السورية بخطى واثقة وهادئة نحو المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تعلق عليه الآمال كمرجعية سياسية كبرى في وضع قوانين استراتيجية لعملية الاصلاح والتطوير والتحديث‚ \r\n مشهد حرية التعبير في مخاض ديمقراطي \r\n ليس بمقدور المراقب الموضوعي ان يتجاهل انه بين خطاب القسم والمؤتمر العاشر للحزب الذي انطلق يوم الاثنين 6 يونيو 2005‚ شهدت سوريا انفراجا نسبيا ملحوظا حيث اغلق نهائيا سجن المزة كأحد رموز مرحلة سياسية سابقة‚ وأفرج عن اغلب السجناء السياسيين وتم الغاء قوانين أمنية واستصدار قوانين جديدة تضبط وترشد علاقة الاجهزة الامنية بالمواطن‚ وقد كانت الاعتقالات التي حصلت مؤخرا بشكل او بآخر تحت سقف القانون‚ وكان طابعها احترازيا وردعيا لضبط أمن البلاد في مرحلة مخاض تسبق سن قانون تعددية الاحزاب السياسية وقانون الصحافة وغيرها من القوانين التي يتم بموجبها ضبط العملية الديمقراطية في البلاد‚ \r\n وقد عاد في هذه الفترة عدد كبير من المعارضين الوطنيين الى سوريا‚ وشهدت البلاد انفتاحا اعلاميا‚ كان طبيعيا ان يسوده الاضطراب والتشنج لأن الناس لم تتعود بعد الحوار بين الاطراف المختلفة‚ فتغلب حوار الطرشان على الحوار البناء لكن مع الوقت والدربة سنجني الثمار الحلوة لأن الممارسة الديمقراطية تحتاج الى تربية وتعود على الاختلاف فضلا عن أن المنابر تربك من لم يسبق له ان اعتلاها فبدلا من أن يناقش ويطرح رأيا أو فكرة يصرخ وربما يعوي لافراغ ما احتقن عنده من المكبوتات وأشكال المسكوت عنه‚ \r\n ولقد نشرت الصحافة السورية الرسمية وما تزال منذ تسلم الرئيس بشار الاسد دفة الحكم مقالات تنتقد الوضع السياسي والاعلامي لا تجرؤ على نشرها الصحف «المستقلة» في دول عربية يعدها البعض نماذج للديمقراطية‚ ومع ذلك تتعرض هذه الصحافة السورية لانتقادات مرة من منابر ثقافية رسمية كمجلة «المعرفة» العريقة التي تصدر عن وزارة الثقافة السورية‚ حيث نشرت حوارا مع الكاتب السوري ياسين رفاعية قال فيه مثلا: «لا تسألني عن الصحافة السورية‚ لأن رأيي فيها سلبي جدا‚ أنا في المطلق ضد الصحافة الرسمية التي تطبل وتزمر للنظام‚ دون ان يخطر في بالها ان تضع يدها على اركان الفساد والتي هي تشمل البلد من أوله الى آخره»‚ هذا بعض ما قاله ياسين رفاعية حرفيا في عدد مارس 2005 من مجلة «المعرفة» ص261 فهل ثمة انفتاح من مجلة وزارة ثقافة عربية في المشرق والمغرب العربيين أوسع من هذا الانفتاح الذي يعبر عنه رفاعية في هذه الفقرة التي تنتقد بقسوة نظام البلاد وصحافتها؟! بل ان بعضهم شط وصار يحبر ضروبا من «الردح» الصحفي ضد بلاده وينشره في صحف خارج سوريا باتت «تتمعش» على نقد كل ما هو سوري وترحب به خصوصا اذا كان بأقلام سورية‚ الا ان الدولة السورية التزمت ازاء هذا البعض الصمت وفي اسوأ الاحوال دور المراقب الحليم‚ لدرجة أن ثمة من أعاد ذلك الى ضعف في النظام ! \r\n الإخوان ورفعت وسجن المزة من رموز مرحلة قاسية ! \r\n ويبدو ان اختبار مدى تماسك النظام وقوته لم يقتصر على الادارة الاميركية واسرائيل اللتين حاولتا خرق الأمن الوطني بالتفجيرات والقصف الجوي والاضطرابات العرقية‚ بل أدلى الاخوان المسلمون والدكتور رفعت الاسد كل بدلوه‚ فتصرف «الاخوان» وكأن النظام قيد الانهيار فصاروا يضعون الشروط للحوار معه‚ وبات «الدكتور» يصور نفسه منقذا حكيما يحتفظ بالترياق لنظام وشعب عليلين ويضع موعدا لعودته على طريقة الجنرال اللبناني ميشال عون‚ لكن الذي فاتهما ان عملية الاصلاح والتطوير والتحديث السياسي خاصة تستثنى موضوعيا والى ان تزول أخطار التدخل الخارجي وأسبابها عن البلاد‚ ويهزم المشروع الصهيو اميركي لاعادة صياغة المنطقة بما يخدم الاستراتيجية الاسرائيلية الاخوان والدكتور من المسار الاصلاحي التعددي الديمقراطي‚ ليس لمجرد الاقصاء المجاني‚ بل لأنهما رمزان من رموز مرحلة قاسية مثلهما مثل سجن المزة الذي اغلق‚ أولا لأنهما كانا طرفي صراع دام على السلطة كاد يدخل البلاد حربا أهلية طاحنة في ثمانينيات القرن الماضي‚ وثانيا لأن كلا منهما مرشح للعب دور حصان طروادة لأطراف خارجية‚ وأداة في شن حرب أميركية مكارثية ضد حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا على غرار حملة ساجتثاث البعث» التي قادها احمد الجلبي ووراءه قوات الاحتلال الانجلو اميركية في العراق‚ والتي سوقتها الفضائيات العربية وكأن البعث الذي أسس مع الناصرية والقوميين العرب النهوض القومي العربي أوائل القرن الماضي وخاض تجربة ديمقراطية ثرية قبل ان يتسلم السلطة التي أمنت في ظل حكمه التعليم المجاني الاساسي والثانوي والعالي لعامة الشعب وقضت على الاقطاع ومكنت الفلاحين من امتلاك أراضيهم وخاضت اكثر من حرب بعضها خاسر وبعضها رابح ذودا عن وجود الأمة العربية‚ كأن هذا «البعث» شر كله والانتماء اليه تهمة دامغة‚ لأن الادارة الاميركية ترى ذلك‚ ولأن الاخوان المسلمين صنف نفسه كذلك افهمت السلطة السورية «منتدى الأتاسي» انه ليس مسموحا له ان يكون منبرا لخطاب الاخوان المسلمين «الاستفزازي» كما افهمت رفعت الاسد رسميا انه سينقل من مطار دمشق الى السجن‚ في حال عودته لأنه مطلوب للعدالة على خلفية التمرد المسلح في اللاذقية ربما‚ \r\n الاستقواء بالداخل على الخارج \r\n إذا كان البعض يتطير من القول ان الهدف من الضغوط الاميركية على دمشق هو جرها الى مواقف تصطدم مع كونها قلب العروبة النابض وأمل الأمة في الوقوف بوجه هذا المد من الشر الصهيو اميركي الذي يستهدف الهوية العربية الاسلامية في كل قُطر عربي‚ ويعد ذلك كلاما نظريا فليأخذ الامور اذن من منطلق براغماتي ويتعلم من أعدائنا‚ فالولاياتالمتحدة الاميركية أرسلت وترسل مئات الآلاف من جنودها عبر المحيطات والقارات لتغزو وتحتل أفغانستان والعراق‚ دفاعا عن مصالحها وبذريعة محاربة اعداء مفترضين خارج الحدود الاميركية‚ واسرائيل التي يبنى «مواطنها» بناءه الفعلي داخل الجيش الاسرائيلي الذي يجمد فيه الانتماء الحزبي‚ تقيم بين القوى والاحزاب اليهودية علاقات ديمقراطية تعددية‚ لتكون «الديمقراطية» التي يستثنى «عرب اسرائيل» من «التنعم بفضائلها» أداة لتنفيذ المشروع الصهيوني‚ وبمعنى آخر تكون اسرائيل مرنة ازاء الداخل اليهودي قاسية ازاء الخارج العربي خاصة‚ \r\n وبالتالي أولى بنا نحن ان ندعم مقاومة المشروع الصهيو اميركي في العراق ولبنان وفلسطين قبل ان يتمدد ليصل الى سوريا‚ وبناء عليه يفترض ان يكون شعار المعارضة والنظام الوطنيين في سوريا هو الاستقواء بالداخل على الخارج‚ وتمتين الجبهة الوطنية الداخلية بوحدة وطنية صلبة تقوم في مناخ ديمقراطي على تعددية سياسية وحزبية واعلامية‚ نبنيها بخطى راسخة الى الامام دائما‚ أي دون تلكؤ ولكن بتدرج ودون ارتجال‚ \r\n أميركا تستهدف الآن الشرعيات الوطنية \r\n ان من حق وواجب القيادة السورية ان تكون شديدة الحذر ازاء كل تحرك أو موقف يشتم منهما رائحة تناغم ما مع اطراف خارجية‚ فالولاياتالمتحدة الاميركية بعد ان شنت عدوانها على العراق خروجا على القانون والشرعية الدوليين وأجبرت العالم لاحقا على التعاطي مع نتائج عدوان غير شرعي بل رفض قبل وخلال وبعد حصوله‚ انتقلت الآن بعد تهميش وامتهان الشرعية الدولية الى دوس وتمزيق الشرعية الوطنية في سياق تصدير الديمقراطية الغربية‚ كما حصل في جورجيا وأوكرانيا ولبنان‚ واذا كانت استبدلت الشرعية الدولية بشرعية القوة فانها تريد استبدال الشرعية الوطنية الدستورية بشرعية الشارع الذي جندت سفاراتها للنزول اليه جماعات شابة جاهزة لتنفيذ املاءاتها ووضع البلاد تحت وطأة التهديد بالفوضى والتدويل أو الاذعان لإرادة الاجنبي‚ \r\n وبما ان سوريا بقيادة الرئيس بشار الاسد وهي تقاوم المشروع الاميركي الصهيوني للشرق الأوسط تطمح الى تقديم نموذج ديمقراطي متمسك بالثوابت الوطنية‚ فان بامكان المعارضة الوطنية السورية ان تسجل «دينا» في ذمة النظام وذلك بتركيز كل نشاطها لمواجهة الضغوط الاميركية والصهيونية على سوريا‚ بدلا من ان تحاول تسجيل رصيد لها عند الادارة الاميركية بفتح ملفات ملتبسة على قارعة الطريق ومواجهة مؤتمر حزب البعث العربي الاشتراكي العاشر بالتشكيك ومحاولة جر الاجهزة الامنية الى الشارع وأمام كاميرات القنوات الفضائية المندفعة في سياق الخطاب الاعلامي الصهيو اميركي عن قصد أو دون قصد ! \r\n \r\n