اذا كانت الولاياتالمتحدة ترغب بأن تكون وسيطاً نزيهاً وفعالاً في الشأن العربي– الاسرائيلي يجب أن لا تنحاز باتجاه أحد الطرفين. \r\n \r\n يعتبر الدفاع عن اسرائيل أولاً أمراً مقنعاً. فإسرائيل تعيش في جوار خطر، ولديها صديق حقيقي واحد فقط ومتطلبات أمنية غاية في الأهمية تلتزم الولاياتالمتحدة بتعزيزها. لو نظرنا الى المسألة بشكل عملي لرأينا أن اسرائيل تستقر في أراض يريدها العرب، لذا اذا لم تشعر اسرائيل بالثقة والأمان فلن يكون هناك عملية سلام. \r\n \r\n ان الخبرة التي جنيتها من العمل في قسم المفاوضات العربية-الاسرائيلية لدى ستة من وزراء الخارجية الأمريكية تجعلني أؤمن بأهمية وجود علاقة قوية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، لكن المفارقة هي أن هذه العلاقة القوية نفسها التي تجمع بيننا وبين اسرائيل هي التي تمنح أمريكا – وفقط أمريكا – القدرة على لعب دور الوسيط النزيه والفعال. والحكومات العربية أدركت هذه الحقيقة ولذلك فهي تستمر في المطالبة بالتدخل الأمريكي. \r\n \r\n في الحقيقة ربما يدرك العرب شيئاً نحن نسيناه، فنحن حققنا نجاحاً عندما استخدمنا الدبلوماسية بطريقة حكيمة وعملنا كمدافعين ومحامين لكلا الطرفين. ولو نظرنا الى تاريخ أمريكا في صنع السلام لوجدنا أن هناك ثلاثة أمريكيين نجحوا في لعب دور الوسيط بشكل فعال. وهؤلاء الأشخاص هم هنري كسينجر وجيمس بيكر الذين شغلوا منصب رئيس وزير خارجية أمريكا وتمكنوا من كسب ثقة اسرائيل وبنفس الوقت لبوا حاجات العرب وذلك من خلال التوسط في معاهدات وقف اطلاق النار التي تمت في السبعينات وفي مؤتمر مدريد الذي عقد عام 1991. أما الثالث فهو الرئيس جيمي كارتر الذي استخدم نفس الاسلوب (عدم الانحياز لأي من الطرفين) وتوسط معاهدة كامب ديفيد عام 1978 واتفاقية السلام الاسرائيلي المصري عام 1979. \r\n \r\n ولكن للأسف نحن نفقد أحياناً البصيرة التي تجعلنا نرى الحاجة الى أن نحامي عن كلا الطرفين العربي والاسرائيلي. وأخر مثال يدل على ذلك هو الجهود التي بذلتها ادارة كلينتون بين عامي 1999-2000 في التوسط في الاتفاقيات النهائية بين اسرائيل وسوريا وفلسطين. \r\n \r\n بكل دوافعنا ونوايانا الجيدة اصغينا للطليعة الاسرائيلية وانسقنا ورائها دون أن نسبر جيداً تأثير ذلك على مصالحنا الخاصة، ومصالح الطرف العربي وعلى نجاح المفاوضات فوق كل ذلك. ان سياسة \" اللا مفاجأت\"، التي تستوجب مراعاة اسرائيل أولاً في كل ما نقوم به، جردت سياستنا من الاستقلالية والمرونة المطلوبتين في صنع سلام جدي. اذا كنا لا نستطيع وضع مقترحات على الطاولة دون أخذ رأي اسرائيل أولاً، ولا نستطيع رفض التراجع في حال عدم قبولها، فكيف اذاً يمكننا أن نكون وسطاء فعالين؟ في معظم الأحيان وخاصة عندما كان الأمر يتعلق بمسألة الدبلوماسية الاسرائيلية- الفلسطينية كانت نقطة الانطلاق ليست النقطة التي يتقرر فيها ما هو ضروري للوصول الى اتفاق مقبول من كلا الطرفين وإنما ما يمكن أن يتماشى مع طرف واحد فقط وهو اسرائيل. \r\n \r\n هذا النقد لا يعني أن رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك لم يكن يتحلى في كامب ديفيد ولا يمنع أن يكون ياسر عرفات قد فشل في التفاوض بشكل جدي هناك. ولكن النقطة الأساسية ليست كرم باراك ولا خيانة عرفات، وإنما هي التأكيد على أهمية التقديرات المدروسة والموضوعية، وبحث السبل المؤدية الى الوصول لاتفاق مقبول من قبل الطرفين. لو كنا نعرف بأن الفجوة بين الطرفين كبيرة جداً، لكان علينا مقاومة ضغوطات باراك في عقد قمة فاصلة، ولما كنا لجأنا إلى لوم الفلسطينيين على هذا الفشل. ووهكذا انتهينا الى تأييد مواقف اسرائيل قبل القمة وخلالها وبعدها . \r\n \r\n لم يعد النقاش حول \" من أضاع كامب ديفيد\" يستحق الاثارة بعد اليوم. فالتعلم من الدروس المستفادة من أجل المستقبل هو المهم الأن. وأهم درس هو عدم توارث التناقضات الموجودة بين علاقتنا الخاصة باسرائيل ووقدرتنا على العمل كوسيط فعال في المفاوضات العربية- الاسرائيلية. يمكننا الاستمرار في علاقات الصداقة مع اسرائيل والعمل مع الاسرائيليين والفلسطينيين حتى نضمن أنه تم تحقيق حاجات كلا الطرفين. ضمن هذا السياق تبدو ادارة بوش بعيدة عن وضع بداية جيدة، فهي مفرطة في مراعاتها لسياسات اسرائيل وحاجاتها الأمنية دون منح مقدار مكافئ من هذه المراعاة للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يملك جميع الميول والنوايا الحسنة ولكنه يحتاج فقط لمساعدتنا. \r\n \r\n ومع ذلك لا يعتبر كل ما ذكرناه خطأً فادحاً. والزيارة التي سيقوم بها محمود عباس الى واشنطن هذا الاسبوع ستقدم فرصة جيدة للبدء بهذه العملية، وربما يكون ذلك بمنحه ضمانات تتعلق بحاجات أساسية للفلسطينيين على غرار الضمانات التي منحها لايريل شارون العام الماضي والتي كانت تتعلق بحاجات اساسية للإسرائيليين. وعندما يصبح الانسحاب من غزة آمناً ويسيطر الفلسطينيون بشكل فعال على الارهاب والعنف، عندها يجب أن تحدد الإدارة دورها – الدفاع عن كلا الطرفين: فالفلسطينيون بحاجة الى ايقاف عمليات الاستيطان والوصول الى حالة تفاوض ثابتة، بينما الاسرائيليون بحاجة الى انتهاء شامل للارهاب والعنف الفلسطيني. \r\n \r\n فإاذا كانت الإدارة مستعدة لأن تكون قاسية، منصفة، ومدافعة عن كلا الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، فقد تجد نفسها أمام فرصة حقيقية ليس لإنجاز العمل في غزة بل أيضاً للتحرك ووضع أسس تمكن كلا الدولتين من العيش الى جانب بعضهما البعض بسلام وأمن. إن شيئاً من هذا لن يتحقق بسهولة أو في القريب العاجل، ولكننا نعلم بأن حميع الأشياء القيّمة والهامة في الحياة لا تتحقق بسهولة. واذا أردتم التأكد من ذلك إسألوا كسينجر، كارتر وبيكر. \r\n \r\n عمل الكاتب في وزارة الخارجية الأمريكية مدة 25 عاماً وذلك كعضو مفاوض ومستشار للشرق الأوسط في العلاقات العربية – الاسرائيلية. \r\n \r\n \r\n \r\n واشنطن بوست- \r\n