\r\n بعد عامين من دخول القوات الامريكية الى العراق للاطاحة بصدام حسين, يشتد انجذاب قوى متناقضة الى هذا البلد الذي مزقته الحرب, فالعراقيون تقاطروا زرافات لانتخاب برلمان من 275 عضوا, عقد اولى جلساته يوم الاربعاء الماضي, واخذ الكثيرون منهم يتدفقون على عالم كان مغلقا في وجوههم زمنا طويلا بسبب العقوبات الاقتصادية فاندفعوا ينتزعون اطباق الساتلايتات والاغذية المستوردة. \r\n \r\n لكن مقاومة مسلحة مندفعة احبطت مهمات حاسمة لاعادة الاعمار وتوفير الامن, مزيلة الوهم لدى العراقيين العاديين, الذين اعتقدوا بان الوجود الامريكي سيحقق تغييرا سريعا. \r\n \r\n تقول راشيل برونسون, احد كبار العاملين في مجلس العلاقات الخارجية الامريكي, هناك بعض التطورات الايجابية, اما من حيث الوضع الامني, فمن الصعب القول انه على خير ما يرام. \r\n \r\n فحتى الان, كان الاستراتيجيون العسكريون يتصورون ان الوجود الامريكي, في العراق على انه مجرد جزء من 150.000 من القوات الاجمالية القائمة حاليا هناك, كما كانوا يتوقعون لعوائد النفط واستثمارات الاعمال الاجنبية ان تخلق الوظائف وتنعش الاقتصاد. \r\n \r\n تقول الوكالة الامريكية للمساعدات الدولية انها انفقت حوالي 4.8 مليار دولار لغاية الان على مشاريع لاعادة الاعمار في جميع انحاء العراق, غير ان اعادة الخدمات الرئيسية وخلق فرص العمل ما يزالان يشكلان اشكالية كبيرة, وفي هذا الخصوص تقول راشيل برونسون, ان كل شيء يتوقف دون قانون او نظام فلا يهم ان حصلت على عمل ان كنت لا تستطيع الوصول اليه. \r\n \r\n وفي الحقيقة, فان القليل من الجهود الامريكية يطال اكثر المناطق اضطرابا في العراق, فبينما حصلت محافظة ديالي المضطربة على مساعدات للبدء في تربية النحل ومزارع الابقار التعاونية اضافة الى تحقيق تحسن في مجاري وبواليع المياه وتقديم اعانات للادارات المحلية, فان معظم المشاريع تقوم في المناطق المستقرة نسبيا في الشمال, وفي بعض المناطق في الجنوب, وفقا لاحدث معلومات الوكالة, ومع هذا يشهد العراقيون بعض التقدم على جبهات عدة. \r\n \r\n فحسب احصاءات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فانه في الوقت الذي تبلغ البطالة حوالي 48 بالمئة تعتبر الرواتب الشهرية للوظائف المتوافرة اعلى, وخاصة تلك المرتبطة بالحكومة, فارتفعت رواتب المعلمين والموظفين الاداريين ورجال الشرطة, فالراتب الاولي للشرطي حوالي 220 دولارا, وهو ما يكفي لاقامة اود اسرة. وهو بالنسبة للكثيرين من العراقيين يستحق المخاطرة بالاستهداف من جانب رجال المقاومة, بل ان بعض المتقاعدين والمعلمين يرون ان رواتبهم تضاعفت عشر مرات. \r\n \r\n ونتيجة لذلك, تقول عائلات عديدة انها تستطيع دفع كلفة اللحوم لمعظم الوجبات, ولانواع اكثر من الفواكه والخضراوات ويحدث كل هذا بالرغم من ان الاسعار ارتفعت بنسبة تقارب الثلث لبعض المواد الغذائية, بما فيها اللحوم والفواكه والخضار, حسب ما يقوله بعض التجار في بغداد, اما الاغذية المعلبة والمرطبات والموز, التي كانت محددة العرض قبل الحرب, فمتوافرة الان باسعار زهيدة عنها ايام حكم صدام حسين, كما ان الاجهزة الالكترونية اختفت عن الرفوف منذ ان فتحت الحرب الحدود التي كانت قد اغلقتها العقوبات الاقتصادية. \r\n \r\n ومن ناحية اخرى, بمقدور العراقيين الان شراء الهواتف الخلوية, التي كانت تعتبر من الكماليات العصرية في ظل حكم صدام حسين. فشركة »اوراسكوم« المصرية التي تقدم خدمات الهواتف المتنقلة لبغداد ووسط العراق, سجلت 82000 مشترك في نهاية عام ,2003 عندما بدأت العمل في العراق, وبحلول شهر تشرين الثاني 2004 بلغ عدد المشتركين لديها 480000 وهي تخطط الان للوصول الى مليون مشترك بنهاية العام الحالي, عن طريق نشر وتوسيع خدماتها الى جنوبي العراق وشماله, وفقا لبيانات الشركة على موقعها على الانترنت, لكن تجربة اوراسكوم مرمزة للمشاكل التي يواجهها اولئك الذين يحاولون انتهاز الفرص الجديدة. \r\n \r\n والمشاكل الامنية جعلت من الصعب على العاملين في الشركة, الذين جرى اختطافهم او استهدفوا بالرشاشات, توسيع الشبكة, ذلك ان الامر قد يتطلب اجراء عشر محاولات قبل اكمال الاتصال الهاتفي, كما ان الشبكة تتعطل عن العمل تماما لفترات طويلة من اليوم. \r\n \r\n لقد عمل رجال المقاومة على تدمير الخدمات الاساسية, مثل الكهرباء والتمديدات المائية, في محاولة منهم لتحويل العراقيين ضد الامريكيين ولاضعاف الارادة الامريكية للبقاء في العراق, وفي هذا الشأن يقول الكولونيل توماس هامس, احد كبار الخبراء العسكريين في جامعة الدفاع الوطني, ان هذا يشكل سمة تكتيكية بارزة »لحرب الجيل الرابع« وكتب في احدى الصحف, في شهر كانون الثاني الماضي يقول, ان رجال المقاومة يسعون الى اقناع القادة السياسيين للعدو, بان اهدافهم الاستراتيجية اما انها غير قابلة للتحقيق, اوانها باهظة التكاليف بالنسبة للمنفعة المنظورة, فالقاعدة الاساسية تتمثل في ان الارادة السياسية العليا قادرة على هزيمة القوة الاقتصادية والعسكرية الاكبر, ان هي وظفت على نحو صحيح. \r\n \r\n وهذا يعني بعد عامين من الحرب ان الكهرباء تتوافر لمدة ساعتين من كل ست ساعات في العاصمة بغداد, لان رجال المقاومة يهاجمون العمال الذين يحاولون اصلاح الشبكات الكهربائية, وقد استعيد انتاج الطاقة الكهربائية الى مستواه ما قبل الحرب وحسب, اي بقوة 4400 ميغاواط في اليوم. \r\n \r\n لكنها على العكس من عهد صدام حسين, تتوزع بالتساوي. فعلى بغداد الان التي كانت تحظى بطاقة كهربائية اضافية على حساب مناطق الجنوب التي مارس عليها القمع, ان تتقاسم هذه الطاقة مع بقية مناطق البلاد. \r\n \r\n ووجه رجال المقاومة ضرباتهم كذلك الى البنى الاساسية العتيقة للنفط, الذي توقع المسؤولون في الادارة الامريكية ان تكون دم الحياة في اعادة اعمار العراق, وقد وزع رجال المقاومة منشورات تقول ان العمل في البنى الاساسية لصناعة النفط يساعد الولاياتالمتحدة, وان من يقوم بهذا العمل سيقتل, وحققوا مكاسب من هذه التهديدات, ومن مهاجمة العاملين الذين حاولوا اصلاح الانابيب والمصافي المدمرة والخربة, وفي الواقع فان الهجمات على ناقلات النفط, والانابيب, والمصافي, وخاصة في فصل الخريف, قد قلصت الانتاج الى 100000 برميل من المعدل العادي للانتاج في ذلك البلد والبالغ مليوني برميل في اليوم. ونتيجة لذلك, كان على العراقيين الانتظار فترة يومين, خلال الخريف والشتاء, كي يحصلوا على حاجتهم من النفط, ومع هذا, فيقول معظم العراقيين انهم يستطيعون العيش على انابيب الغاز, ويتعايشون مع انقطاع التيار الكهربائي ان هم اطمأنوا الى الامن والسلامة. \r\n \r\n فقال باسم مجيد, مدير احد محلات الاجهزة الالكترونية, نعم تتوافر لدينا بعض الاشياء الجديدة الان, مثل الهواتف الخلوية, والساتلايتات, والسيارات الجديدة, غير ان الشيء الذي فقدناه اكبر قيمة من ذلك, فنحن نعيش الان في حالة من الفوضى, ولا طريق للعودة, انني لآمل ان يستخدموا القوة لنشر الامن. \r\n \r\n اما بسام حنة, العاطل عن العمل, فمحبط وقال: بصراحة, ان ايام صدام كانت افضل, ولا اقصد بذلك صدام نفسه, بكل اخطائه وعيوبه, بل بصورة عامة, فذلك الزمان كان افضل من هذا الزمان, فان كنا نفتقده اليوم, فتصور ما يبدو عليه الوضع.0 \r\n \r\n كريستيان ساينس مونيتور \r\n \r\n