ولكن هنالك حوالي 5000 فرد ما زالوا يتواجدون في السفن التي تجوب المنطقة. إذن لماذا يتوجب على الأميركيين والغرب بصفة عامة الاستمرار في تقديم الدعم والمساعدات لأندونيسيا هذه الدولة التي تبعد آلاف الأميال عن قارتنا، وتتألف من جزر تتناثر في مساحة 3 آلاف ميل ما بين المحيطين الهندي والهادي؟ \r\n \r\n أولاً لأن ذلك هو عين الصواب. حيث إن مركز الزلازل الذي تمخض عن اكتساح طوفان \"تسونامي\" الهائل للسواحل الآسيوية وجّه ضربته الأقوى إلى أندونيسيا التي أصبحت الدولة الأمسّ حاجة إلى المساعدات الإنسانية حيث أدى ذلك الزلزال إلى تدمير قرى بأكملها ووفاة عدد لا يقل عن 110.000 فرد تاركاً المئات من العوائل بدون مأوى وعشرات الآلاف من الأطفال يتامى من دون عائل. إن أندونيسيا دولة يقطنها شعب لم تعرف الابتسامة طريقها إلى وجهه عبر تاريخها الطويل، حيث استعمرتها هولندا ثم احتلها اليابانيون أثناء الحرب العالمية الثانية قبل أن تحل بها الكوارث والملمات واحدة بعد الأخرى. وبعد أن نالت استقلالها عام 1945 عمد أول رئيس لها في فترة ما بعد الاستقلال \"سوكارنو\" برغم أنه يعتبر بطلاً قومياً إلى الدخول في مواجهات مع بريطانيا ثم الاصطدام بالشيوعيين مما أدى إلى إهدار وتبديد الكثير من موارد الدولة وانتهى الأمر إلى فشله في انتشال الأندونيسيين من وهدة الجوع والفقر. وفي النهاية تمت الإطاحة به بعد محاولة انقلابية بشعة دبرها الشيوعيون أطاحت برؤوس كبار قادة الجيش الأندونيسي قبل أن يتمكن الجنرال \"سوهارتو\" أحد القادة الناجين من لملمة أطراف الجيش ودحر المتمردين في حركة تطهير دموية شاملة أدت إلى قتل عشرات الآلاف من المواطنين. ثم نجح \"سوهارتو\" في تقلد الرئاسة ولكنه برهن على أنه زعيم ديكتاتوري فاسد لم يفعل شيئاً من أجل إنقاذ شعبه من الفقر والمشكلات الاقتصادية التي عصفت به. \r\n \r\n أما اليوم فقد أخذت بذور الديمقراطية في الازدهار، وفي أول انتخابات رئاسية مباشرة تمكنت أندونيسيا من اختيار \"سوسيلو بامبانج يودويونو\" رئيساً لها، وهو الجنرال السابق في الجيش الذي أمضى فترة من حياته في الولاياتالمتحدة. وبينما ظلت أندونيسيا تمارس حكماً إسلامياً أكثر اعتدالاً من بعض دول منطقة الشرق الأوسط الأخرى، إلا أن العناصر الإسلامية المتطرفة ظلت ناشطة تشن العديد من الهجمات \"الإرهابية\" في الكثير من أنحاء الدول المترامية الأطراف. لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل تستطيع أندونيسيا أكبر دولة مسلمة في العالم وخارج العالم العربي أن تنجح في محاربة المتطرفين في تنظيم \"القاعدة\" ودحر المجموعات الجهادية الأخرى؟ \r\n \r\n إن دافع الضريبة الأميركي وجد أسباباً سياسية مقنعة تشجعه على الاستمرار في تقديم هذا العون إلى دولة يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في \"الحرب ضد الإرهاب\". لذا وبعد أحداث زلزال \"تسونامي\" فقد أصبحت هذه المساعدات الإنسانية أفضل أنواع الدبلوماسية الشعبية في فعل الخير وإغاثة الملهوفين. وفي الحقيقة فقد تفاعل الأندونيسيون بحرارة وترحاب مع هذه الجهود الأميركية حيث ذكر وزير الخدمة الاجتماعية علوي شهاب في الاحتفال بوداع حاملة الطائرات الأميركية إبراهام لنكولن: بكثير من الامتنان والتقدير أتقدم لكم جميعاً بجزيل الشكر لهذا المجهود الرائع. لقد أحسنتم عملاً. \r\n \r\n إلا أن حكومة الرئيس \"يودويونو\" ما زالت حساسة وdساورها الكثير من الشكوك تجاه الوجود العسكري الأجنبي على أراضيها وبخاصة في إقليم \"أتشيه\" حيث يشن الجيش الأندونيسي حملة شرسة وطويلة الأمد ضد حركة أتشيه الحرة الانفصالية. ولكن الإدارة الأميركية تصرفت بحكمة وذكاء عندما قالت: إنها دولتهم وإن الحكومة الأندونيسية لها كل الحق في أن تقرر الفترة التي تحتاج فيها إلى وجود القوات الأميركية. وإلى الآن فإن كل المحاولات والجهود التي بذلت بعد أحداث \"تسونامي\" لإنهاء المواجهة بين حركة \"أتشيه الحرة\" والحكومة الأندونيسية باءت بالفشل فيما يبدو. ولعل الوضع قد ازداد تعقيداً بفضل نشاط بعض العناصر الإسلامية المتطرفة التي ظلت تؤجج الحرب في هذا الإقليم. \r\n \r\n إن الولاياتالمتحدة الأميركية لديها رغبة أكيدة في إرساء علاقات جيدة مع أندونيسيا نظراً لأنها تأمل في ازدهار الديمقراطية واجتثاث جذور \"الإرهاب\". وبسبب الاتهامات التي تشير إلى أن الجيش الأندونيسي قد ارتكب بعض الأخطاء وانتهاكات لحقوق الإنسان في تيمور الشرقية فقد سارعت الولاياتالمتحدة الأميركية إلى التقدم بمبادرة في عام 1999 تهدف إلى دعوة ضباط من الجيش الأندونيسي إلى أميركا للمشاركة في دورات وبرامج تدريبية. وكان الرئيس \"يودويونو\" نفسه أحد خريجي هذا البرنامج بعد أن شارك في 6 دورات تعليمية خمس منها عسكرية. \r\n \r\n ويبقى أن إدارة الرئيس بوش تسعى جاهدة لبناء وتعزيز هذه الروابط والعلاقات، وإذا أريد لها أن تحقق النجاح فيجب أن تستمر هذه الجهود ضمن إطار يدعو إلى تفهم الرغبات والمخاوف الوطنية الأندونيسية من جهة، وتلك الشكوك التي تساور بعض أعضاء الكونجرس بشأن سجل انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجيش الأندونيسي من جهة أخرى. ومن المؤكد أن كلا الجانبين لديه مصلحة قصوى في أن تستمر أندونيسيا في مقاومة \"الإرهاب\" والتطرف. \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"