\r\n جمهورية الكونغو الديمقراطية هي واحدة من الدول الافريقية التي لا تزال تشهد اكثر واخطر الازمات والحروب والمواجهات التي تشارك فيها ست من اصل تسع دول مجاورة للكونغو وترتبط معها بحدود مشتركة. كما ينظر الى نزاع الكونغو باعتباره من اكبر النزاعات المميتة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من ان السلام يسيطر على هذه الدولة الافريقية من الناحية الرسمية, الا ان الشيء الذي لا يعلمه سوى القليلين يكمن في الحقيقة الثابتة القائلة ان اكثر من الف شخص يموتون ويلقون مصرعهم في اليوم الواحد كنتيجة مباشرة او غير مباشرة لهذه النزاعات والحروب واعمال العنف التي لا تزال تعصف بهذا البلد الغني بالموارد والمصادر الطبيعية والفقير جدا في الحياة المعيشية. ففي كل يوم تقريبا تشهد الكونغو صدامات ومواجهات واعمال عنف جديدة في الوقت الذي تواصل فيه جمهورية رواندا المجاورة تهديداتها العلنية بغزو جارتها الكونغو, مهددة بذلك العملية الانتخابية التي سيشهدها هذا البلد في العام الحالي 2005 . \r\n \r\n انه يوم كغيره من الايام الحزينة والمأساوية في شرق الكونغو: مسلحون قبليون ينتمون الى قبيلة ليندو هاجموا قرية مونا في اقليم ايتوري, حيث اطلقوا نيران اسلحتهم الرشاشة على سكان هذه القرية وذبحوا بالسكاكين والبلطات النساء والاطفال قبل ان ينسحبوا من القرية مخلفين وراءهم مئات القتلى والجرحى معظمهم من المدنيين ومن الاطفال الذين لم تتجاوز اعمارهم العشر سنوات. وبعد انقضاء يومين فقط على هذه المذبحة التي تعتبر واحدة من مذابح اخرى مماثلة شهدتها القرية ذاتها وقرى اخرى كونغولية مجاورة, هاجم مسلحون اخرون ينتمون هذه المرة الى قبيلة »ماجي-ماجي« قرية كانيا بايونغا المجاورة واشتبكوا فيها مع ثوار حركة الكونغو من اجل الديمقراطية في معركة دموية سقط خلالها المئات من الجانبين اضافة الى الالاف من المدنيين في القرية المذكورة, علما ان مقاتلي الجماعتين المتحاربتين تعتبران جزءا من الجيش الكونغولي الرسمي, لكنهم اضطروا الى محاربة بعضهم البعض لكون القبيلتين تتنافسان على زعامة الاقليم الشرقي من الكونغو. \r\n \r\n هكذا يبدو الوضع في الكونغو منذ عقود طويلة من الزمان: الجيش ضد الجيش, والميليشيا القبلية المسلحة ضد الجيش, والميليشيات بدورها ضد المدنيين. ففي الاقاليم الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية, لا يكاد يمر يوم واحد دون عمليات سفك دماء جديدة, بالرغم من ان رئيس الكونغو جوزيف كابيلا كان قد ابرم معاهدات سلام رسمية مع الدول المجاورة لبلاده ومع اكبر مجموعات الثوار في البلاد قبل حوالي عامين. \r\n \r\n وقبل حوالي اسبوعين خاضت قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة معارك ضارية مع الميليشيات القبلية المسلحة في اقليم ايتوري بشرق الكونغو وذلك بعد اكتشاف هذه القوات مقبرة جماعية. \r\n \r\n وقبل حوالي ثلاثة اسابيع تحدث مواطنو اقليم كيفو في شرق الكونغو عن عمليات اقتحام واجتياح قام بها جنود روانديون لهذا الاقليم, احرقوا خلالها مئات المنازل وقتلوا المئات من المدنيين. \r\n \r\n واذا ما كانت هذه التقارير صحيحة, فان ذلك يعني ان الكونغو الواقعة في وسط القارة الافريقية على وشك ان تشهد حربا جديدة ستكون عواقبها وخيمة للغاية. وسبق لهذه الجمهورية الافريقية ان خاضت حربا سابقة في الفترة بين عامين 1998 و,2002 وصفت بانها الاسوأ او الاكثر مأساوية في تاريخ العالم, حيث قدرت منظمات الاغاثة الدولية عدد القتلى في هذه الحرب التي استمرت زهاء اربعة اعوام, باكثر من ثلاثة ملايين مواطن كونغولي. \r\n \r\n مسلسل القتل الجماعي في الكونغو مستمر \r\n \r\n وحتى في الوقت الراهن تبدو نتائج وتبعات اعمال العنف اكثر مأساوية ودراماتيكية: ففي كل يوم يسقط في هذه الازمة المميتة والقاتلة والمتواصلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, اكثر من الف شخص قتلى, طبقا لتحذيرات اطلقتها لجنة الانقاذ الدولية IRC وقالت فيها ان نصف هؤلاء الضحايا هم من الاطفال الذين لم تتجاوز اعمارهم الخمس سنوات. وبموجب دراسة نشرتها المنظمة الدولية المذكورة فان معظم الضحايا المدنيين وبخاصة الاطفال والنساء والشيوخ, يلقون حتفهم نتيجة مباشرة للحرب الاهلية والمواجهات القبلية المتنافسة في المقام الاول, ونتيجة مباشرة او غير مباشرة للفقر والجوع والمرض ونقص التغذية, حيث ان معظم المناطق المضطربة وغير الآمنة وغير المستقرة تشهد منذ زمن طويل عمليات نزوح جماعية هربا من هذه الاوضاع, الامر الذي يجعلهم يعانون من قلة الغذاء والدواء. \r\n \r\n وآخر تقرير دولي اصدرته منظمات الاغاثة الدولية يؤكد هذه الصورة المأساوية حيث يقول التقرير انه منذ عام 1985 ازداد الوضع حدة ومأساوية في ثالث اكبر دولة افريقية. فهذه الدولة الافريقية السوداء تتبوأ المركز ال 168 من اصل 177 دولة من حيث فرص التطور والنماء لمواطنيها. كما ان متوسط اعمار مواطني هذا البلد البالغ عددهم 53 مليون نسمة, لا يزيد على اربعين عاما. \r\n \r\n حكومة الكونغو عاجزة عن مواجهة استمرار العنف \r\n \r\n طبقا لما تؤكده لجنة الانقاذ والاغاثة الدولية IRC, فان المجتمع الدولي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في استمرار هذه الازمة, فقوات حفظ السلام الدولية غير قادرة على فرض الامن والاستقرار والهدوء في المناطق المضطربة والتي تشهد نزاعات وحروبا اهلية وهي ايضا غير مؤهلة بما يكفي لتنفيذ مهامها وتفتقر بشكل اساسي للاسلحة الحديثة. كما ان لجنة الانقاذ الدولية تعيب على منظمات الاغاثة الدولية عدم قدرتها على اقامة تواصل مع مواطني المناطق المتضررة, وعدم قدرتها كذلك على تقدير حجم الازمة التي ارسلت خصيصا لمواجهتها. \r\n \r\n دور مأساوي وحزين خاص لرواندا \r\n \r\n جمهورية رواندا المجاورة تأتي في مقدمة دول الجوار التي تشكل تهديدا للامن والسلام والاستقرار في جمهورية الكونغو. وهذه الدولة الافريقية الصغيرة المجاورة تمارس منذ سنوات نفوذا على شرق الكونغو وتواصل في الوقت نفسه تزويد الثوار المناهضين لنظام الحكم في ذلك البلد بالاسلحة لاشاعة حالة عدم الاستقرار فيها من جهة ولتهديد الانتخابات القادمة في الكونغو وعرقلة هذه الانتخابات, وضم الاقاليم الكونغولية الشرقية اليها. ولعل هذه الاسباب والمبررات مجتمعة هي التي دفعت الرئيس الرواندي بول كاجام في 25 تشرين الثاني الماضي الى التهديد العلني بغزو الكونغو. \r\n \r\n واعلن صراحة امام منظمة الاتحاد الافريقي وامام المنظمة الدولية بان قواته لن تتوانى لحظة عن شن هجمات عسكرية واسعة ضد ثوار قبيلة هوتو في شرق الكونغو الذين حمّلهم مسؤولية عمليات قتل جماعي نفذها الثوار في عام 1994 ضد الشعب الرواندي. ففي ذلك العام قام ثوار قبيلة هوتو التي تشكل الاغلبية بقتل وذبح اكثر من 800 الف من منتسبي قبيلة التوتسي التي تشكل الاقلية, ومنذ تلك المذابح, نفذت القوات الرواندية محاولتي غزو واجتياح للاراضي الكونغولية في عامي 1996 و1998 حيث قدرت المنظمات الدولية عدد القتلى نتيجة لهذين الاجتياحين بحوالي مليون شخص. \r\n \r\n ولا تزال جمهورية الكونغو مهيئة لمزيد من الحروب الاهلية والقبلية, طالما ان السلام والاستقرار لم يتحققا بعد في هذه الدولة الافريقية.0 \r\n \r\n عن »دير شبيغل« الالمانية \r\n