وبرزت مثل هذه المظاهر في نهاية القمة التي عقدت في لاهاي مؤخرا بين الاتحاد الاوروبي وروسيا بعد ان اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل صراحة ووضوح انه ليس لاي دولة من دول الاتحاد الاوروبي الحق الاخلاقي في التدخل في العملية الانتخابية الاوكرانية او الحق في تقييم وتثمين نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة, او محاولة فرض واملاء رأيها على نتائج تلك الانتخابات, مشيرا في الوقت نفسه الى ان تلك الانتخابات مسألة تخص الشعب الاوكراني وهو الذي يرفض او يقبل النتائج المثيرة للجدل لهذه الانتخابات. ويبدو ان الموقف الروسي الرسمي لم يعجب قادة وزعماء ومسؤولي دول الاتحاد, حيث شدد ممثلو دول الاتحاد الاوروبي من ناحيتهم على رفض هذا الموقف وعلى ابراز قلقهم العميق ازاء التطورات الخطيرة واعمال العنف والاضطرابات التي واكبت العملية الانتخابية, وقال رئيس المفوضية الاوروبية العليا خوزيه مانويل باروسو ان ما شهدته وتشهده اوكرانيا يعتبر موضوعا على جانب كبير من الاهمية, فيما رأى رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكينيندي ان اوكرانيا تحتاج الى انتخابات حرة ونزيهة وعادلة وطبقا للاسس والمعايير والمقاييس الدولية, الامر الذي يحتم على دول الاتحاد رفض نتيجة الانتخابات وعدم الاعتراف بها. \r\n \r\n في خضم هذا الاختلاف الواضح في المواقف والرؤى بين دول الاتحاد الاوروبي وروسيا, يرى المحللون بأن جهود الوساطة التي يقوم بها الاتحاد في الازمة السياسية الراهنة في اواكرانيا جعلت هذا الاتحاد يكشف عن دور اوروبي فاعل في السياسة الخارجية, في منطقة ظلت روسيا تنظر اليها طويلا على انها خط الدفاع الخلفي لها, وليس امام روسيا بالتالي اي خيار اخر سوى القبول بذلك بخاصة بعد توسع الاتحاد شرقا في شهر آيار الماضي الى حدود ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي, وزاد بالتالي من حدة التوترات بين موسكو وبروكسل بشأن طبيعة الدور الذي يتعين على الكتلة الاوروبية الساعية الى تحقيق وحدتها الشاملة, ان تلعبه في ست من الجمهوريات السوفياتية السابقة, اذا كان لا بد ان يكون لها دور تلعبه اساسا. \r\n \r\n وطبقا لما يراه الخبراء السياسيون الاوروبيون فان الروس لا يزالون ينظرون الى المنطقة باعتبارها مجال نفوذهم, وهم يفضلون بالتالي الا يكون هناك اي نوع من التواجد العسكري او السياسي لاي دولة من دول الاتحاد الاوروبي. \r\n \r\n ويشدد هؤلاء الخبراء على القول ان الشريكين التجاريين العملاقين الاوروبي والروسي يحاولان جاهدين منذ فترة طويلة اعادة تحديد طبيعة العلاقة بينهما على اسس المجالات المشتركة في الاقتصاد والتجارة والحرية والامن والعدالة والتعليم والامن الخارجي, وهذه النقطة الاخيرة المتعلقة بالامن الخارجي كانت ولا تزال اكثر النقاط اثارة للجدل, حيث يقول الاتحاد الاوروبي ان له دورا فيما يتعلق بالجوار المشترك الذي يشمل دول الاتحاد السوفياتي السابق وهي اوكرانيا وروسيا البيضاء, ومولدوفيا اضافة الى جمهوريات القوقاز جورجيا واذربيجان وارمينيا. \r\n \r\n وبالطبع فان روسيا ترفض ذلك بل وشطبت مثل هذا التعبير من مسودة وثيقة الاتحاد الاوروبي التي تحدد مجال الامن الخارجي وترى بان الدول الست في مجموعها تمثل (الدول الاجنبية المجاورة والقريبة). \r\n \r\n غير ان الاحداث الخطيرة التي شهدتها اوكرانيا في الآونة الاخيرة جعلت الاتحاد الاوروبي معني بشكل او بآخر بالقيام بدور وساطة, ولكن ليس في هذه المرحلة, وانما بعد اعادة الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة بموجب قرار اتخذه البرلمان والمحكمة العليا الاوكرانية رفضت فيه نتائج الانتخابات ودعت الى اعادة الانتخابات, وبخاصة بعد ان ادت عمليات التزوير والتلاعب الى اندلاع موجة من الاضطرابات والفوضى في اوكرانيا التي تسعى الى ان تكون عضوا في الاتحاد الاوروبي, وهو ما ترفضه القيادة الروسية جملة وتفصيلا. وحتى تلعب الكتلة الاوروبية الموحدة دورا ايجابيا في اوكرانيا توسط مسؤول السياسة الخارجية والامنية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا والرئيس البولندي الكسندر كفاسنيفسكي والرئيس اللتواني فالداس ادامكوس في الازمة حيث اجروا محادثات مع رئيس الدوما الروسي بوريس جريزلوف ومع مرشحي الانتخابات الاوكرانية, مرشح السلطة الاوكرانية فيكتور يانوكوفيتش ومرشح المعارضة فيكتور يوشتيشينكو, اللذين اعلن كل منهما فوزه في الانتخابات قبل ان تندلع الاضطرابات ويعلن البرلمان الاوكراني بطلان نتيجة الانتخابات والغائها بانتظار اعادتها من جديد في وقت لاحق. \r\n \r\n وحقيقة ان جريزلوف يتحدث مع ممثلي الاتحاد الاوروبي يعني بشكل او بأخر ان روسيا تعترف بدور الامر الواقع للاتحاد الاوروبي في المنطقة وبان اوكرانيا تعتبر في واقع الامر من دول الجوار المشترك, رغم ان مثل هذا الاعتراف الروسي الضمني يمكن ان يشكل حرجا شديدا للرئيس الروسي بوتين الذي وكما يقول الباحث البارز في مركز الدراسات السياسية الاوروبية مايكل ايمرسون, قد وجد نفسه في ورطة شديدة بمجرد تدخل الاتحاد الاوروبي كطرف في الازمة الاوكرانية, حيث ان ارسال مبعوث خاص الى المحادثات, سيعني اعترافا ضمنيا بدور الاتحاد الاوروبي في المنطقة, فيما ان البقاء بعيدا من شأنه ان يحرم روسيا من المشاركة في المحادثات.0 \r\n \r\n »دي فيلت« الالمانية