\r\n وسواء تعلق الامر بما جرى في البانيا عام ,1997 او صربيا عام ,2000 او جورجيا في تشرين الثاني الماضي, او اوكرانيا اليوم, فان اجهزة الاعلام الغربية روجت لنفس الحكاية الاسطورية عن كيفية تمكن المتظاهرين الشبان من اسقاط الانظمة التسلطية بمجرد مشاركتهم في حفلة لموسيقى الروك تقام في الساحات العامة, ومن الملاحظ ان بوسع الصحافة البريطانية, مثلا, ان تتجاهل التظاهرات المليونية عندما تتدفق في شوارع لندن, لكن بضع مئات من الالاف تتجمع في مركز مدينة كييف سرعان ما يشار اليه في تلك الصحافة على انها »الشعب« في الوقت الذي تصف فيه صحافتنا نفسها الشرطة والمحاكم والمؤسسات الحكومية في اوكرانيا بانها ادوات قمعية. \r\n \r\n لقد سيطرت اسطورة الثورات الشعبية على المخيلة الغربية على نحو جعل الجمهور الغربي مستعدا لاظهار التسامح الكبير ازاء الحضور الصارخ للمعايير المزدوجة في التغطية الاعلامية, فقد خرجت تظاهرات حاشدة لتأييد رئيس الوزراء فيكتور بانوكوفيتش, لكنها حجبت عن شاشات التلفزة الغربية, وحيثما تم الاقرار بخروج مثل التظاهرات, فان المعلق كان يبادر على الفور الى تشويه صورة انصار يانوكوفيتش بصفتهم »اطرافا مسيَّرة« في حين نرى باعيننا ان انصار فيكتور يوشينكو في المعسكر المضاد مزودون بمصابيح الليزر, والدروع البلازمية الواقية, واجهزة الصوت المتطورة, وحفلات الروك الموسيقية, والخيم اللازمة لتجمعاتهم الليلية, والكميات الكبيرة من الملابس البرتقالية ومع ذلك تجدنا نخدع انفسنا بكل سهولة ونقول ان ما نراه ليس سوى تجمعات »عفوية«. \r\n \r\n وهناك من يؤكد لنا ان مشاركة 96 بالمئة من سكان مدينة »دونتسك« وهي المدينة التي ينتمي اليها يانوكوفيتش, ليس سوى دليل على تزوير الانتخابات, في حين ان مشاركة 80 بالمئة من سكان المدن التي اثبت خصمه يوشينكو لا تعتبر كذلك, كما ان نسبة ال 90 بالمئة التي احرزها يوشينكو في ثلاث مناطق لم تعتبر تزويرا. لكن النسبة نفسها استكثرت على يانوكوفيتش عندما توفرت له في منطقتين فقط واعلنت نسبة مزورة ولا بأس في ان نتذكر ان النسبة المئوية التي رجحت فوز يانوكوفيتش لم تزد على 54 بالمئة وعند مقارنة هذه النسبة بنسبة ال 96.24 بالمئة التي ذكرت وسائل الاعلام الرسمية ان رئيس جورجيا الجديد الموالي للغرب قد حصل عليها في شهر كانون الثاني الماضي, لا نملك الا ان نستغرب من السبب الذي جعل مراقبونا الذين ينتقدون الانتخابات الاوكرانية الحالية يرحبون بالنتائج التي اعلنتها جورجيا قبل عام معلنين انها قد جعلت البلاد اكثر قربا من تحقيق المستويات الدولية. \r\n \r\n وقد وصل بنا العمى الى حد التغاضي عن المعنى الخطير في الملصقات التي تتناقلها اجهزة اعلامنا والتي اصدرتها جماعة »بورا« التي تنعت بانها »مناصرة للديمقراطية« والتي تمثل بسطارا يسحق خنفساء في اشارة واضحة الى ما تنوي الجماعة فعله بمعارضيها. \r\n \r\n وبالرغم من الارث النازي الذي تنطلق منه هذه الملصقات عندما كانت اوكرانيا نفسها مسرحا لحرب استباقية شنها حكامها النازيون في حينه ضد »الوباء الاحمر« القادم من موسكو, فان الملصقات الحالية التي تتبع نفس الرسالة تصادف اليوم القبول التام من الجميع, فالمنطقة التي تصدرها, وهي منظمة »بورا« تقدم لجمهور المتلقين عبر العالم بصفتها مجموعة بريئة من الطلاب يمارسون حقهم في اللهو على الرغم من حقيقة كونها منظمة اوجدتها ومولتها وما زالت تمولها واشنطن شأنها في ذلك شأن شقيقاتها منظمة »او بتور« في صربيا و »كمارا« في جورجيا. \r\n \r\n وليت الامر يقف عند هذا الحد فقد التقيت وسط الجماعات المحتشدة في ميدان الاستقلال بكييف من انصار يوشينكو اعضاء في حزب »يونابونسو« وهو حزب من احزاب النازية الجديدة يتخذ الصليب المعقوف شعارا له. \r\n \r\n حتى موضوع »معاداة السامية« الذي يستنفر العاملين في اجهزة الاعلام الغربية من الظروف العادية, باتت الصحافة الموالية لواشنطن تتغاضى عنه عندما يتعلق الامر بمواقف ليوشينكو وانصاره من النازيين الجدد. اذ من المعروف ان اوكرانيا تؤوي اعدادا كبيرة نسبيا من اليهود وان وجود هذه الاعداد من اليهود وتأثيرها على السياسة المحلية اصبح يستفز بعض الجهات التي تعلن صراحة موقفها المعادي للتأثير اليهودي على مجرى الاحداث في اوكرانيا. \r\n \r\n لقد راقب الناخبون في بريطانيا والولايات المتحدة على مدى اكثر من عام اعضاء حكوماتهم وهم يمارسون الكذب الصارخ بشأن العراق ويختلقون الذرائع الزائفة لشن الحرب ضده دون ان يتعرضوا لاية مساءلة جادة, واذا كان لهذا الامر ان يؤشر الى حقيقة ما , فانه يؤشر الى خلل هائل فيما ندعوه بانظمتنا الديمقراطية. ان الميل الذي نرقبه اليوم باتجاه ترويج الاوهام السياسية حول دول مثل اوكرانيا التي لا نحمل عنها اية انطباعات مسبقة وباتجاه تقديم الغرب بصورة الجنية الطيبة التي تتدخل لانقاذ الموقف في اللحظات الحرجة, لا يمثل مجرد طريقة لتهدئة ضمائرنا المثقلة بالاحساس بالتقصير السياسي, انما تحول الى وسيلة لاعماء ابصارنا عن رؤية التدخل الغربي الفاضح والمستمر في المسارات الديمقراطية للدول الاخرى.0 \r\n \r\n عن »الغارديان« البريطانية \r\n \r\n