\r\n نعم، كل ذلك كنت قد عشته، البلاغة الوطنية المتطرفة وعسكرة المجتمع والطريقة التي يطعن بها أخف صوت ناقد. نعم، كل ذلك كان يمكن التعرف اليه بشكل محزن، اما معنا أو ضدنا، حيث يبرز الامن القومي كمبرر لأي شطط في استئصال أي عدو. \r\n \r\n من كان بمقدوره أن يتخيل امكانية ان يتم في الولاياتالمتحدة، مع سلطتها القضائية المستقلة الى هذا الحد، اعتقال ألوف الرجال في صمت الليل غالبيتهم بسبب أنهم مسلمون واجانب من دون اخضاعهم لمحاكمات وبدون ان يوافق أحد على اعتقالهم؟ ومن كان بمقدوره أن يجرؤ على التلميح الى امكانية وجود مفقودين في وطن جيفرسون ولينكلولن ذات يوم؟ \r\n \r\n ماذا عن التعذيب وعن النقاشات حول متى يمكن أن يكون شرعياً استخدام ذلك النوع من العنف لحماية مجتمع مهدد، اضف الى ذلك ما علمنا به لاحقاً عن استخدامه الوحشي في غوانتانامو وافغانستان والصور الفاحشة الآنية من العراق؟ كل ذلك يعيدني ويردني إلى صور بلادي نفسها والاصداء المؤلمة لتشيلي الخاصة بي. \r\n \r\n لكن الأسوأ في كل ذلك كان تأمل التآكل البطيء للبوصلة الأخلاقية للولايات المتحدة واللامبالاة لدى الكثير من الاميركيين امام المعاناة الغريبة والقبول المتراخي بانه ليس مهماً اذا ما كانت الحرب ضد الارهاب ستقتل الكثير من الضحايا البريئة والآلية الشيطانية للعدو كرد احمق على الهجمات. تلك القساورة وذلك النفور اخافاني اكثر من الهجمات الاجرامية ضد نيويورك وواشنطن وراحت تهمس في أذني انه بعد كل شيء لعل تشيلي بينوشيه لم تكن بعيدة جداً عن الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n كل يوم قرأت الأخبار في منزلي في نورث كارولينا الشمالية وكل صباح شعرت بالرعب من جراء الدوار عينه، وتساءلت: هل يمكن ان تتكرر هذه الجائحة القمعية التي كنت قد سجلتها في تشيلي. مرة أخرى في هذا البلد الشمالي الذي لجأت اليه؟ هل حقاً كان سهلاً الى هذا الحد افساد ديمقراطية الولاياتالمتحدة؟ وهل يمكن التلاعب بمواطنيها سجناء الخوف بشكل وقح؟ الجواب هو بالنفي، اذ انه لن يكون سهلاً إلى هذا الحد لي مصير الشعب الأميركي.. \r\n \r\n فلقد أكتشفت على طول العام الأخير، واينما وليت وجهي في اميركا، روح مقاومة مذهلة، ومواطنة يحدوها الأمل ومدفوعة به وليس بالذعر وموجة من النشاط المتعددة والخلاقة والجمعية التي لم أكن قد شهدتها منذ عام 1970، عندما اختارت بلادي سلفادور الليندي رئيساً لها، ذلك العام، الذي اعلن فيه مواطنو بلادي المسالمون والمتحمسون لرياح التاريخ انه من الممكن بناء اشتراكية باستخدام الدايمقراطية، وانه ليس ضرورياً ترهيب ولا ملاحقة خصومنا لتحرير انفسنا من الجور والاضطهاد. \r\n \r\n اذا كانت الحملة الرئاسية الاميركية قد ذكرتني بتلك اللحظة الثورية في تشيلي، فذلك ليس لأني اخلط، بعد ثلاثة عقود، بين جون كيري وسلفادور الليندي، ولا لأني اعتقد أن جورج دبليو بوش هو نسخة عن أوغستو بينوشيه.لكن ما يتطاير في سماء الولاياتالمتحدة اليوم حقاً هو تصور مسبق مرتعش لذلك النوع نفسه من الحماس الذي رفعنا نحن رايته في تشيلي والقناعة ذاتها بأن التاريخ ينتمي للبشر الذين يتجرأون على تخيل مستقبل بديل. \r\n \r\n ليس لدينا شيء نقبل من أجله العالم كما وجدناه عند الولادة. وهذه هي الرسالة التي تغنت بها قبل سنوات كثيرة خلت حشود الفلاحين الجياع، الذين طالبوا بأن تسلم لهم الأرض التي كانوا قد ظلوا يحرثونها طوال قرون زمنية مغفلة التوقيع. وهي رسالة عاد ليبثها اليوم ملايين المجتهدين والمتحمسين في الولاياتالمتحدة عبر موقع «موف أون. أورغ» والذين يشكلون صدى لاعداد كبيرة من الناشطين في ائتلاف تقدمي اوسع من ذلك الائتلاف الذي انتصب للاحتجاج ضد حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي والذي يظهر، كذلك، نضوجاً كان ناقصاً في تلك المرحلة. \r\n \r\n في تشيلي الامس كما في الولاياتالمتحدة اليوم، ثمة يقين حقيقي: التاريخ لنا، كما قال ذلك الهدوء والمعدني بصوت سلفادور الليندي من قصر «لامونيدا» قبل ان يموت، وتصنعه الشعوب. ما لا استطيع معرفته، في المقابل، هو مااذا كانت هذه النزعة النشاطية الاجتماعية الاميركية الجديدة تمتلك المثابرة عينها أو العمق ذاته الخاص بالتحرك التشيلي. لقد استغرقنا في النضال قرناً من الزمن تقريباً لاختيار سلفادور الليندي رئيساً لنا وعندما اطيح به في عام 1973 11 سبتمبر واصلنا القتال طوال 17 عاما حتى تحررنا من الدكتاتورية. لم نقرر الاعتراف بالهزيمة في فجر الثاني عشر من سبتمبر الحزين. \r\n \r\n والدليل الحقيقي بالنسبة لسكان الولاياتالمتحدة جاء بالطبع في الثالث من نوفمبر، أي بعد يوم واحد من معرفة نتائج الانتخابات على ملايين الرجال والنساء الاميركيين، الذي تحركوا بهذا القدر من الحمية يتعين عليهم مواجهة المعضلة الاكثر صماً لوجودهم. هل تعودون إلى منازلكم والى اللامبالاة القديمة والفتور أم أنكم فهمتم بشكل مكثف انه بغض النظر عن الفائز في الانتخابات. يعتمد على كل واحد منكم. الواحد تلو الآخر والجميعً معا، اذا ما كانت بلادكم ستكون مختلفة عن تشيلي بينوشيه؟ \r\n \r\n \r\n والمعركة من أجل روح الارض التي ولد فيها مارتن لوثر كنغ بالكاد بدأت للتو. \r\n \r\n