ويمكن ان نجد العذر للرئيس بوش الأب لتصريحاته المزهوة بالنصر في عام 1991‚ حيث نجح في حشد وقيادة تحالف دولي لاخراج قوات صدام حسين من الكويت‚ وكانت الحرب قصيرة الأمد ولم تتسبب في خسائر بشرية كبيرة على صعيد قوات التحالف‚ وتم تمويلها بواسطة الآخرين وسلبت أذهان الرأي العام الأميركي‚ \r\n \r\n وقد بدا في الواقع ان مفهوم السبعينيات القديم القائل بان الشعب الأميركي لن يدعم التدخل العسكري في الخارج ضعيف على الرغم من انه ربما لم يختف كليا الى ان وقعت هجمات 11 سبتمبر المأساوية والتي انبعث عقبها مفهوم الأمن القومي الاستراتيجي من جديد‚ وتأسست نظرية بوش الجديدة على مبدأ الضربة الوقائية التي كانت دوما جزءا من سياسة البلاد الخارجية وتم منحها الأولوية القصوى ورفعها للمرتبة الأولى استنادا الى ان الأمة لن تقف مكتوفة الأيدي انتظارا للضربة الارهابية‚ \r\n \r\n ويقوم المبدأ الثاني لهذه النظرية على أساس ان واشنطن ستتخذ كل الاجراءات اللازمة لتكريس تفوقها على أية دولة او مجموعة من الدول على الصعيد العسكري‚ وتتطلب هذه السياسة بهدف استخدام هذه القوة المهيمنة والاستعراض بها ترويع اصدقاء أميركا واعدائها واذعانهم للتعاون والوفاق حول القضايا الدولية الرئيسية‚ \r\n \r\n فيما يتبدى المبدأ الثالث في ان تهدف هذه الاستراتيجية لنشر الديمقراطية في جميع انحاء العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط كعلاج لذلك النوع من الانظمة الاضطهادية القمعية الخارجة عن القانون والتي تشكل مصدرا للارهاب‚ \r\n \r\n وكان غزو العراق اول اختبار لهذه النظرية بهدف القضاء على النزاع الممتد لأكثر من عقد مع صدام حسين وتم رسم نظرية «الصدمة والترويع» لايفاد رسالة الى جيران العراق مفادها انه من الخطورة بمكان معارضة القوة والهيمنة الأميركية‚ وتمثلت ردود فعل الدول الاقليمية المتوقعة في مساعدة واشنطن بكل الوسائل الهائلة الممكنة للتعاطي مع قضايا مثل الانتشار النووي والنزاع الاسرائيلي الفلسطيني‚ يضاف الى ذلك ان استبدال الدكتاتور صدام حسين بحكومة أكثر ديمقراطية سيصبح نموذجا للاصلاح في المنطقة وبديلا للاسلام المتطرف‚ \r\n \r\n وقد كانت هذه رؤية شجاعة وحتى متطرفة أمكن تطبيقها بمساعدة ردود فعل الأميركيين الغاضبة تجاه هجمات 11 سبتمبر‚ وشكلت مغامرة كبيرة وتراجعا سريعا عن سياسة واشنطن الخارجية التقليدية اعتمادا على نجاح التجربة العراقية‚ \r\n \r\n إلا ان هذه الرؤية لم تنجح حيث أثارت عملية اكتشاف عدم حيازة العراق لأسلحة دمار شامل والتي كانت الدافع الرئيسي للحرب‚ شكوكا قوية ليس فقط حول عمل الاستخبارات الأميركية والغربية بل ايضا حول مفهوم الضربة الوقائية‚ حيث كانت الحاجة ماسة لخلق ثقة كبيرة في آلية تقييم الأخطار‚ \r\n \r\n فالغزو قد نجح في اظهار حقيقة تفوق الآلة العسكرية الأميركية بفضل هزيمة العراق في مدى ستة أسابيع فقط‚ إلا ان القوات الأميركية أظهرت عدم كفاءة واضحة في التعامل مع الوضع الأمني على الأرض لدى انتهاء الحرب‚ حيث ان بقاء 140 ألف جندي أميركي في خضم دائرة مفرغة من حرب العصابات قد ترك اثره السلبي الواضح على تلك القوات وألقى بأعباء ضخمة على كاهل الخزينة الأميركية‚ \r\n \r\n وعقدت عمليات المقاومة المستمرة جهود اعادة اعمار بنى العراق التحتية ونظامه السياسي والذي قصد منه ان يشكل نموذجا لحكومات المنطقة القمعية ‚ وعوضا عن ذلك اضطرت واشنطن الى تنحية اهدافها وتوقعاتها جانبا لصالح احداث ترتيبات سياسية تستجيب للحد الأدنى من المتطلبات التي تسمح لها بالخروج من المستنقع دون المزيد من الاحراج‚ \r\n \r\n لقد نجم عن فشل تلك السياسة مولد ظاهرة العراق المرضية المرشحة لأن تكون الاسوأ وان تلقى بظلالها الشيطانية على سياسة واشنطن الخارجية في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور على الأقل‚ واليوم نجد سوريا وايران على ادراك تام بان واشنطن غارقة في المستنقع العراقي‚ وانها وعلى الرغم من بعض الأصوات الصادرة من قلة من المتشددين‚ غير مرشحة لخوض مغامرة عسكرية مكلفة أخرى في المنطقة في المدى القريب‚ \r\n \r\n وايران بصفة خاصة أكثر اطمئنانا اليوم على وضعها الأمني أكثر من أي وقت مضى خلال ال 25 عاما من حكم الملالي‚ فقد قضت واشنطن على عدويها الكبيرين نظام طالبان ونظام صدام حسين البعثي‚ وهي اليوم في حاجة ماسة لمساعدة ضمنية على الأقل من ايران لتسيير سياستها تجاه شيعة العراق‚ كما استغل محافظو ايران تهديدات واشنطن بنجاح في التشكيك بمواقف معارضيهم الاصلاحيين من قضايا الأمن وخططهم الخاصة باستكمال البرامج النووية‚ \r\n \r\n في الوقت نفسه هبطت شعبية الولاياتالمتحدة ومصداقيتها في المنطقة والعالم الى أدنى مستوى لها‚ والتعامل مع قضايا الأمن العالمي يتطلب القدرة على نيل الدعم من الآخرين عن طريق احترامهم ورغبتهم في القيام بذلك‚ وباكستان كنموذج للدول الراغبة في القيام بذلك مع واشنطن غير مؤهلة لأن تصبح رائدة الاصلاح‚ \r\n \r\n وخطى الاصلاح التي كانت نشطة في منطقة الشرق الأوسط قبل هجمات 11 سبتمبر‚ تتقدم اليوم بخطى وئيدة‚ وقد ادى انهيار العراق الى دفع حكومات الشرق الأوسط القمعية لأن تصبح أكثر تشددا لا ان تتجه نحو التحرر‚ \r\n \r\n لقد كانت تهدف نظرية الرئيس بوش لأن تشكل استراتيجية اميركا الحاسمة في التعامل مع عالم الارهاب‚ إلا ان الإدارة الأميركية‚ باقدامها على تطبيق تلك النظرية اولا في العراق وفشلها في ذلك‚ قد زرعت الشك في صلاحيتها وقللت من اي فرص بأن يكون لمثل هذه المعالجات السياسية اي وجود في المستقبل حينما تكون الحاجة اليها في أمسها‚ \r\n