وظهر هذا التعبير الساخر «الستار الحديدي» الذي اطلقه وينستون تشرشل في نهاية خطابه الشهير الذي ألقاه ربيع عام 1946 في فيلتون بميسوري عندما قال «ان ستارا حديديا قد اسدل عبر القارة بدءا من ستيتن في البلطيق الى تريستي في الادرياتيك وتقع خلف ذلك الخط جميع عواصم دول أوروبا الشرقية ووسط أوروبا القديمة»‚ \r\n \r\n وقد مرت اوقات كان البعض لا يزال يعتقد فيها انه يمكن اتباع سياسة الوفاق والتهدئة مع الاتحاد السوفياتي عوضا عن اللجوء للمواجهة والاحتواء‚ إلا انه وعندما وقف في وجه النازية‚ اطلق تشرشل تحذيره الشهير ضد قوى الشيوعية العالمية والتي كانت لتعزز وتبسط سيطرتها قبل انقضاء ذلك العقد من الزمان على وسط وشرق أوروبا اضافة للصين والشرق الأدنى‚ وكان مقدرا لفترة الستة واربعين عاما من عمر القرن العشرين ان تمضي في خضم هذه المعارك البطولية‚ واليوم نمر بمعركة مشابهة بين ذات الأفكار التي ظل يحملها الغرب ضد الشيوعية وبين قوى الاسلام الجهادي والتطرف التي تبحث عن اسدال ستار حديدي بهدف بسط سيطرتها على تلك المنطقة الشاسعة من الدول ذات الأغلبية المسلمة‚ من الرباط على المحيط الاطلنطي الى سورابيا في بحر يافا‚ \r\n \r\n وقد اختار مشرف الذي يخوض معركة حياة أو موت بين فهمه للدين الأكثر تسامحا وبين قوى الاسلام الجهادي‚ ان يحيي عبارة تشرشل مرة أخرى بهدف ترسيخ تحذيره عندما نادى بضرورة المجتمع الدولي لحل المظالم التي يعاني منها العالم الاسلامي حيث ان العالم يواجه خطر خسارة الحرب على الارهاب على الرغم من تحقيق بعض الانتصارات فيها على الارهابيين‚ ودعا في هذا الصدد الولاياتالمتحدة للعب دور الوسيط النزيه في عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين لما تمثله مأساة الفلسطينيين من جرح غائر ومفتوح في دواخل كل مسلم‚ \r\n \r\n وربما لا تعير «القاعدة» اهتماما للقضية الفلسطينية إلا أنها قد تستغل الظلم الحائق بأهلها بهدف جذب الانظار أكثر‚ \r\n \r\n كما ان المسلمين أصبحوا على دراية بجرح مفتوح آخر في كشمير‚ وذلك بفضل عصر الاتصالات السريعة‚ اضافة الى العراق بالطبع والذي أصبح أكثر الجروح الدامية المفتوحة في العالم الاسلامي مما دفع الى ان يتحد مئات الآلاف من المسلمين‚ وحشد الجهاديين الى جانب الارهابيين‚ \r\n \r\n وربما مرت اوقات اعتقد فيها أهل العراق والعالم الاسلامي بأن الولاياتالمتحدة دخلت العراق لتحريره‚ غير ان ذلك الزمن قد ولى عندما فقدت الإدارة المحتلة غير الكفؤة سيطرتها على الأوضاع الأمنية في جميع انحاء العراق عقب سقوط صدام‚ \r\n \r\n واستبدلت صورة تمثال صدام وهو يترنح في ذهن العالم الاسلامي بصور سجن ابو غريب والتي يعد الحديث عنها يدور مطلقا في الولاياتالمتحدة‚ كما تعززت صورة القوة الوحشية الظالمة ضد مدنيين مسلمين عاجزين عندما بعثت واشنطن بطائراتها الحربية لقصف قلب العاصمة العراقية بغداد‚ \r\n \r\n ان الرئيس بوش يرى نفسه في صورة تشرشل ووقف في وجه صدام مثلما وقف تشرشل ضد هتلر‚ إلا ان ما فشلت الإدارة الأميركية في إدراكه جيدا منذ البداية ان التهديد الذي تواجهه أتى من الاسلام الجهادي كفكرة وليس من دولة‚ \r\n \r\n وربما كان صدام يشكل خطرا محتملا‚ إلا ان الدرس الذي تم استقاؤه من احداث 11 سبتمبر هو ان الخطر الماثل والجلي يأتي من قبل تنظيم القاعدة وليس العراق‚ والرئيس بوش يتحدث اليوم عن «حفنة» فقط من العراقيين تعارض خطط الولاياتالمتحدة‚ إلا ان الحقيقة الماثلة ان هناك تمردا ومقاومة قوية ومتنامية تجتذب العراقيين الذين كرهوا صدام أكثر منا‚ \r\n \r\n ويجب على الغرب والمجتمعات الاسلامية الأكثر تسامحا ان تواجه اليوم التطرف الجهادي الذي انبعث من جديد والذي ربما يستغرق نصف قرن من الجهود مثل الحرب الباردة‚ \r\n \r\n ان مغامرة واشنطن السيئة في العراق قد أدت الى تهميش أفغانستان التي كان ينبغي ان تمثل نموذجا للاعتدال‚ \r\n \r\n وفي العراق‚ وجد التطرف الاسلامي تربة خصبة لمد جذوره في الأعماق‚ والعراق الآن في طريقه الى ان يصبح مأساة قومية بالنسبة للولايات المتحدة وزعزعة لأمن واستقرار الشرق والغرب معا‚ \r\n