فمنذ نهاية الحرب الباردة بدأت صورة الولاياتالمتحدة تظهر كقوة استعمارية فوقية في عالم خال من الاقطاب مما جعلها تتربع على عرش السياسة الدولية لتحل وتربط كيف تشاء‚ والحقيقة ان تلك كانت مجرد اسطورة وهي بحاجة لاعادة الفحص من اجل التوصل الى فهم واقعي لسلطة العالم في عهد العولمة‚ لم يكن هناك ابدا عالم خال من الاقطاب كما رآه المعلقون عندما انتهت الحرب الباردة‚ فكلمة «القوة الفوقية» مبالغ فيها ومثل هذه الكلمة ليس من المناسب استخدامها ومن الممكن استخدام كلمات اخرى اكثر تعبيرا عن واقع الحال مثل «القوة التي لا يمكن الاستغناء عنها» وذلك من اجل وصف وتعريف وضع اميركا في عالم اليوم‚ ان هناك فجوة كبيرة بين قدرات اميركا العسكرية وقدرتها الحقيقية على تشكيل الاحداث حسب رغبتها‚ قدرة اميركا كقوة عالمية واحدة بعد نهاية الحرب الباردة تبقى شيئا لا يمكن النزاع حوله او المجادلة فيه‚فالاقتصاد الاميركي يصل الناتج المحلي الاجمالي فيه الى 11 تريليون دولار وهو رقم فلكي بكل المقاييس تدعمه قدرات تكنولوجية متطورة للغاية وميزانية دفاع تفوق قيمة ميزانيات الدفاع مجتمعة في ال 25 بلدا التي تأتي بعد اميركا في ترتيب القوة‚ ومع ذلك فان قدرة الولاياتالمتحدة على استخدام القوة كقوة احادية عسكريا واقتصاديا في عالم خال من الاقطاب امر يعوقه الواقع‚ فمهما بلغت قوة النيران الاميركية فهي ليست كافية لاحراز النصر على خصوم يبدون ضعفاء‚ وبالرغم من ان عدد القتلى في العراق اقل بكثير من قتلى اميركا في فيتنام (58 الف قتيل اميركي مقابل 3 ملايين فيتنامي) الا ان هذه القوة العالمية على عظمتها غير قادرة على تجنب الهزيمة‚ فالتغطية الاعلامية خاصة المتلفزة منها للدمار الحاصل تقوض من مصداقية هذه القوة في الداخل والخارج‚ فاليوم في عالم العولمة المرتبط بالاقمار الصناعية والانترنت فان الوضع في العراق منذ ان اعلنت اميركا نهاية الانشطة القتالية الرئيسية قبل عام ونصف العام تقريبا يبقى شاهدا على فشل استخدام القوة العسكرية الضخمة احاديا ومن قبل طرف واحد‚ ان الحرب في العراق وما تبعها من فوضى تظهر سوء الفهم الذي ساد من ان استخدام القوة العسكرية المتطورة والقوة الاقتصادية كاف لقمع وهزيمة اي خصم‚ فالقوات الاميركية نشرت بصورة «رقيقة» غير كثيفة نظرا لالتزامات اميركا العالمية المتعددة وهي الآن تواجه مشكلة في توفير الرجال والمال الضروريين لوضع حد للنزاع‚ ولو اندلع نزاع عالمي آخر فان الولاياتالمتحدة لن تكون قادرة على الانخراط فيه كما هو مؤمل او متوقع منها‚ ولنأخذ الحرب على الارهاب كمثال‚ فهي اكثر تعقيدا من حشد الرجال والعتاد لمواجهة عدو ظاهر واضح مشكل من دولة او تحالف دول‚ في هذه الحرب فان الارهاب ليس هو العدو الفعلي بل هو مجرد معركة تكتيكية يستخدمها عدو جيد التمويل وجيد الانتشار عالميا‚ هذا العدو ايضا يمتلك موارد متقدمة للغاية من الاتصالات العالمية مع قدرة على التحرك الشخصي والمالي‚ فبناء ائتلاف عالمي لمحاربة مثل هذا العدو ليس مجرد خيار سياسي بل هو الخيار الوحيد في حرب لا توجد لها ارض معركة تقليدية‚ وتمتلك الولاياتالمتحدة اليوم اكداسا من الاسلحة تعد الاكثر تطورا في العالم ومع ذلك فان قواتها التقليدية تواجه وضعا غير مريح في المعارك التي تخوضها في العراق وافغانستان‚ حتى كوريا الشمالية التي يقال انها تمتلك بضع قنابل نووية اصبح من الصعب احتواؤها او حتى الاقتراب منها‚ التفوق الاقتصادي الاميركي الرهيب اصبح مهددا بدوره‚ فحرب العراق وتكاليفها المتصاعدةبدأت تضغط على الميزانية الاميركية مسببة عجوزات ضخمة اضافة الى تنامي الدين العام الذي يغطي الآن من قبل رأس المال الاجنبي‚ وقد بلغت قيمة الاقتراض الاميركي من الخارج مستويات غير مسبوقة وصلت الى اربعة مليارات دولار يوميا‚ فالمستثمرون الآسيويون والاوروبيون والشرق اوسطيون يشترون ما يرون انه اصول بالدولار‚ واذا ما استمرت قيمة الدولار في التراجع تراجعت بنسبة 30% في عامي 2002 و2003 فان المستثمرين الاجانب سيكونون بحاجة الى عائدات اعلى بمفاهيم اسعار الفائدة وهذا قد يدفعهم للتحول الى عملة اخرى مثل اليورو على سبيل المثال الذي من الممكن ان يحل محل الدولار كعملة احتياطية عالمية‚ بعد نهاية الحرب الباردة بدا العالم دون اقطاب وافترض ان بوسع الولاياتالمتحدة التصرف كما يحلو لها دون تعاون او موافقة الدول الاخرى من اجل حل او احتواء المشاكل الدولية ولن يكون بوسع دولة او مجموعة دول الوقوف في وجهها ومنعها من فعل ما تشاء‚ وبعد كل ما مررنا به من تجارب واحداث يمكن القول ان قدرات اميركا على ضخامتها محدودة ايضا بمواردها وحدود قوة ليس من الحكمة تخطيها‚ واذا ما ارادت الولاياتالمتحدة تأكيد نفسها كزعيمة مقبولة ومحترمة للعالم الديمقراطي فانه يتوجب عليها ان تتعاون مع هذا العالم لا ان تدير ظهرها له‚ وستفشل اميركا اذا ما استمرت في الاعتقاد ان بامكانها اللعب على الساحة الدولية كيف تشاء كونها القطب الوحيد في عالم اصبح بلا اقطاب اخرى‚ \r\n