\r\n سأل أحد المسؤولين في المسجد، موجها كلامه إلى مسؤولي مكتب المباحث: «نريد أن تطلعونا على تعريف الإرهاب والإرهابيين». وتساءل آخر حول الاسباب التي حدت بمكتب (إف. بي. آي) الى ان يهاجم جماعة ساعدته على التوجه لاداء فريضة الحج؟ وقال ثالث ان المخبرين التابعين لمكتب المباحث لا يمكن الثقة بهم. وقال ساخرا انهم حذروا صديقا له يعمل سائق سيارة اجرة لمدة 16 ساعة في اليوم قائلين له إنه «يتحرك أكثر مما يجب». \r\n كان يمكن اعتبار مثل هذه الاسئلة متهورة لو طرحت في مساجد أخرى. لكنها لم تكن كذلك في مركز دار الهجرة، أكبر وأعرق مساجد نيويورك، الذي عرف القائمون عليه بانتقاداتهم الحادة لسلطات تطبيق القوانين في تعاملهم مع المسلمين ولسياسات الولاياتالمتحدة في منطقة الشرق الأوسط. \r\n ومسؤولو دار الهجرة على علم تام ولصيق بأعمال المراقبة التي تقوم بها الحكومة الأميركية. فقد جاء في تقرير لمكتب (إف بي آي)، ولجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أن اثنين من منفذي الهجمات كانوا يترددون على ذلك المسجد وارتبطوا بعلاقات صداقة مع إمامه في سان دييغو. وقال محققو (إف بي آي) انهم لم يجدوا دليلا على أن الإمام، الذي استقال وغادر البلاد بعد ذلك، كان على علم مسبق بالهجمات. كما قالت لجنة التحقيق انها لم تتوصل الى نتيجة محددة حول علاقته بالخاطفين. \r\n ويتميز مسجد دار الهجرة عن المساجد الأخرى في منطقة واشنطن بما يلي: ارتباطه بشكل وثيق مع الجمعية الإسلامية الأميركية، وهي جمعية عمرها 12 عاما، وتهتم بنشر الإسلام في الولاياتالمتحدة. وكان العديد من أعضائها ناشطين في جماعة «الإخوان المسلمين». وبينما يقول بعض مسؤولي الحكومة الأميركية ان جماعة الإخوان المسلمين لديها صلات خطرة بالإرهاب، فإن آخرين يقولون ان الجماعة معتدلة ويمكن التعامل معها كحليف ضد التطرف. \r\n وقال قادة المسجد ان هدفهم الأساسي، وخصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر، ليس سياسات الشرق الأوسط بل تنوير الأميركيين برسالة الإسلام والتدليل على أن المسلمين الأميركيين يؤمنون بالقيم الأميركية ويعتنقونها. وقال سهيل الغنوشي، رئيس الجمعية الإسلامية الأميركية، وهو عضو مجلس إدارة مركز دار الهجرة، في رسالة نشرها أخيرا على الإنترنت: «اننا نطور حاليا من فعالياتنا المدنية، ونقوي من صلاتنا بالناس، تعويضا عن سنوات من العزلة وضعتنا في موضع الضعيف. فالجهل بنا كجالية ومجموعة يسهل عملية التنميط التي نتعرض لها. إن همنا الأساسي هو تطوير نماذج مقبولة للشخصية الأميركية المسلمة وللحياة الإسلامية في أميركا». \r\n عمل المسجد، الذي افتتح عام 1991، على خدمة مصالح المسلمين الأميركيين، من خلال عقد لقاءات مع السياسيين في شمال فيرجينيا، واقام جولات لأطفال المدارس، واقام حلقات حوار بين الأديان ودعم حملات تسجيل الاصوات للانتخابات. لكن غالبية الشبان أشاحوا بوجوههم عن المسجد، نافرين من قيادته المسنة لكونها مجموعة مغلقة، تفتقر إلى الشفافية وتفرق بين النساء والرجال. ومع أن عدد الذين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد يصل عادة إلى 3000 شخص، وهو أكبر عدد في كل المنطقة، فان الذين حضروا التصويت لقيادته لم يتعدوا 120 شخصا. وقد أعلن البعض رفضهم لأساليب عمل المؤسسين. وقال عصام عميش، 36 سنة، وهو طبيب جراح يعيش في الكسندريا، وهو أصغر عضو في مجلس الإدارة، انه من المهم أن يكون في قيادة المسجد الأجيال الجديدة والنساء. واضاف: «الحقيقة الهامة هي أن هذا المسجد يقوم في قلب واشنطن، ولذلك فإن هدفنا هو أن نجعل القيادة تعكس الواقع». \r\n ويقع مركز دار الهجرة خلف صفوف من الاشجار الدائمة الخضرة. وقد ظل دائما ملاذا للمسلمين الوافدين الى الولاياتالمتحدة. وعند ظهيرة الجمعة تحتشد ساحة المسجد بسيارات الاجرة وشاحنات النقل الصغيرة ومئات السيارات التي يسرع اصحابها للصلاة. وتتراوح أزياء المصلين من بناطيل الجينز وبدلات رجال الأعمال وربطات العنق إلى الاثواب والقمصان الطويلة. وقال إدريس المقدم، 37 سنة، المغربي الاصل: «إنه مجتمع تعددي، وهو المكان الذي نلتقي فيه بأصدقائنا». وان يقف بجانبه صديقه عزيز هلالي، 31 سنة، الذي يعمل حارسا أمنيا بالكسندريا. وقال جون عبد المالك ان حوالي 60% من مرتادي المسجد من العرب، لكن نسبة الذين يأتون من بلدان مثل باكستان وإثيوبيا وبنغلاديش وكمبوديا، في تزايد مستمر. \r\n أنشئت دار الهجرة من قبل مجموعة من الشبان انفصلت عام 1980 عن المركز الإسلامي، في شمال غرب واشنطن، الذي كانت تشرف عليه سفارات الدول الإسلامية. وبعد أن كانت المجموعة تؤدي صلواتها في أماكن مؤقتة، اشترت، عام 1983، قطعة أرض تتراوح مساحتها بين 3 و4 فدادين، وبعد ثلاث سنوات شرعت في إقامة المسجد الذي تكلف خمسة ملايين دولار بمساعدة من دول اسلامية. وقال عميش ان ميزانية المسجد تأتي حاليا، وبصورة كاملة، من اعضائه والمترددين عليه. \r\n وكان من ضمن من بادروا بتشييد المركز، بعض الذين أنشأوا الجمعية الإسلامية الأميركية عام 1992. وكان بعض هؤلاء أعضاء في جماعة «الإخوان المسلمين» في بلدانهم، حيث كانوا يمارسون نشاطا سريا ضد حكوماتهم التي منعتهم من النشاط العلني. وقد واجهوا مشكلة مختلفة كليا عندما وصلوا إلى الولاياتالمتحدة، وهي كيفية المحافظة على هويتهم الإسلامية في ثقافة علمانية وجدوا أنفسهم فيها اقلية دينية. \r\n وقال محمد آدم الشيخ، 58 سنة، وهو سوداني شارك في إنشاء الجمعية وبناء المسجد، ان تأسيس الجمعية يعكس حقيقة أن أهدافهم تغيرت ولم يعودوا يحتاجون إلى النشاط السري. ويعمل محمد آدم الشيخ حاليا إماما للمسجد. وقال الشيخ ان الذين كونوا هذه المؤسسات قرروا قطع علاقاتهم بحركة الإخوان في الخارج واعتبار أنفسهم أميركيين. واضاف: «نحن لا نتلقى اية أوامر من أية منظمة بالخارج، ولا سلطة لهم ليحددوا لنا كيف نتصرف». \r\n ولدى الجمعية الإسلامية الأميركية حاليا 50 فرعا في كل الولاياتالمتحدة. ومن ضمن أهداف الجمعية، كما هو معبر عنها في موقعها على الإنترنت «تقديم رسالة الإسلام للمسلمين وغير المسلمين» وتطوير التفاعل بين المسلمين وغير المسلمين وإقامة مجتمع فاضل وأخلاقي. \r\n يشار الى ان رئيس الجمعية، الغنوشي، تونسي وظل مقيما في أميركا منذ اكثر من عشرين عاما. وقد رفض عدة دعوات لإجراء مقابلات معه. وقال زملاؤه انه يعتقد أن على المسلمين في أميركا التركيز على مجتمعاتهم المحلية وأن يتركوا القضايا الخارجية. وقال الغنوشي في رسالة نشرها على الإنترنت في الآونة الاخيرة: «مع أننا نرفض أن نعامل كمشكلة أمنية، ونعارض الطريقة التي تدير بها حكومتنا السياسة الخارجية، وخاصة الطريقة التي تشن بها الحرب ضد الإرهاب، فاننا نتمتع بكثير من الحقوق التي لا يتمتع بها الناشطون المسلمون في كثير من الدول العربية». وتتمتع الجمعية بتمثيل جيد في قيادة دار الهجرة، فثلاثة من أعضاء مجلس إدارة المسجد، هم الغنوشي وعميش وأمين عز الدين، ناشطون في الجمعية، وكذلك المدير الإداري للمسجد، سمير أبو عيسى. كما أن السكرتير العام للجمعية، شاكر السيد، عضو في اللجنة التنفيذية التي تدير شؤون المسجد اليومية. \r\n لكن العلاقة بين الجمعية والمركز ليست وقع الحافر على الحافر، كما قال عبد المالك، الا انه اضاف ان «نشاط الجمعية الإسلامية الأميركية على المستوى الوطني يلقي بظلاله على عمل المركز، فنحن مثلا لدينا برنامج لتسجيل الناخبين لأن الجمعية لديها مشروع قوي لتسجيل الناخبين». \r\n لكن الدور الذي تقوم به الجمعية في دار الهجرة مثير للجدل وسط أعضاء الأخيرة. وينص دستور المسجد على تخصيص أربعة مقاعد في مجلس الإدارة لأعضاء قياديين في الجمعيات الإسلامية الوطنية، بما فيها الجمعية الإسلامية الأميركية. أما المقاعد الاخرى فهي محجوزة للمجموعة المؤسسة للمسجد وبعض الشخصيات البارزة. وهذا المجلس غير المنتخب يضرب سرية كاملة على اجتماعاته وليس معروفا عدد الذين لا يحضرون تلك الاجتماعات من أعضاء الجمعيات الأخرى. \r\n ومع أن سيد سعيد، السكرتير العام للجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية، ضمن أعضاء مجلس الإدارة فانه عند الاتصال به قال انه استقال منذ خمس سنوات. \r\n وتتكون اللجنة التنفيذية للمسجد من سبعة أعضاء، أربعة منهم يعينهم مجلس الإدارة وثلاثة ينتخبون. \r\n ويؤكد عميش ان لدى اعضاء المسجد اسئلة حول الدستور، ويعتقد ان هذا النوع من النقاش مقبول. وقال عميش وآخرون ان المقترحات قيد المناقشة حاليا تتضمن إجراء انتخابات مباشرة للمجلس وتحديد فترة عمله وإلغاء المقاعد المخصصة لمسؤولي المنظمات الوطنية. \r\n وقد سمح للاعضاء الذين يدفعون اشتراكا سنويا قدره 50 دولاراً لمدة عامين بالتصويت في انتخابات المجلس. وعقب مشاركة 120 شخصا فقط في انتخابات ابريل (نيسان) الماضي لملء مقاعد اللجنة التنفيذية جرت مساع لزيادة حجم عضوية المسجد التي وصلت الى 250 اسرة، طبقا لما قاله عبد الملك. وحاول مسؤولو المسجد مطلع عام 2001 انتهاج مسار مختلف يهدف الى ترغيب المصلين الشباب، اذ استعان المسجد بأنور العولقي، الذي كان مقيما في سان دييغو، للعمل إماما للمسجد مع تفويضه للعمل على اجتذاب المصلين الشباب خصوصا غير الناطقين بالعربية. \r\n وكان العولقي، الذي ولد في نيومكسيكو ونشأ في اليمن، يتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة وصاحب إطلاع واسع على مسائل السياسة في الشرق الاوسط، ومعروف عنه ايضاً فصاحة اللسان والبلاغة والتمكن من اللغة عندما يتحدث عن الاسلام. ويقول عبد الملك ان العولقي كان ينفذ بسهولة الى قلوب وعقول المستمعين خلال احاديثه. ونجح العولقي من خلال خطبه في اجتذاب عدد كبير من الشبان، إلا ان فترة عمله استمرت عاما فقط. \r\n وعقب هجمات 11 سبتمبر، توصل المحققون الى ان اثنين من منفذي الهجمات، وهما هاني حنجور ونواف الحازمي، كانا يصليان في مسجد دار الهجرة على مدى عدة اسابيع خلال ربيع عام 2001. وجاء ظهور الحازمي وحنجور بسبب علاقة الحازمي الوثيقة مع العولقي في سان دييغو، طبقا لما ورد في تقرير لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر. \r\n وورد في تقرير اللجنة ان العولقي اعترف لمحققي مكتب المباحث الفيدرالي بأنه التقى الحازمي عدة مرات، لكنه قال للمحققين انه لا يتذكر على وجه التحديد تفاصيل المناقشات التي جرت، كما نفى اية اتصالات له بالحازمي او حنجور في فيرجينيا. وعاد العولقي الى اليمن في مارس (آذار) 2002. \r\n وأشار تقرير اللجنة الى انه لم يمكن الوصول اليه لاستجوابه حول بعض النقاط. وقال عبد الملك ان العولقي تقدم باستقالته من العمل إماما لمسجد دار الهجرة لأنه شعر بأن تركيز وسائل الإعلام عقب هجمات 11 سبتمبر صرفه انتباهه عن أداء واجباته. وأكد عميش انه على قناعة بعدم وجود اية ميول او مشاركة نشطة للعولقي في اية احداث او ملابسات ذات صلة بالارهاب. وقال مسؤولون في المسجد ان الخطب التي تلقى فيه تدين الارهاب. ويقول الإمام الحالي للمسجد، محمد آدم الشيخ، ان التفجيرات الانتحارية ليست مشروعة، فيما قال عميش «ان الأمر الواضح تماما، فيما يتعلق بالسياق الاميركي، هو ان التفجيرات الانتحارية تتنافي مع تعاليم ومعتقدات الاسلام». \r\n \r\n * خدمة «واشنطن بوست» خاص ب«الشرق الأوسط»