\r\n غير ان هذين التقريرين يتحدثان عن المعلومات الاستخبارية التي قادت الى الحرب. والآن وبعد انتهاء الاحتلال، من المهم ان ننظر في الفشل الاكبر الخاص بسلطات التحالف وهو عدم قدرتها على توقع حقيقة ان الغزو سوف يذكي مشاعر الوطنية والولاء بين العراقيين ويدفعهم الى قتال المحتلين. \r\n \r\n لقد استغرق الأمر زمنا طويلا قبل ان يغرق هؤلاء. وعندما واجه الاميركيون الهجمات المتنامية التي لم يتوقعوها، فانهم اسرعوا الى القاء اللوم على الارهابيين الاجانب المدربين من قبل القاعدة وعلى الجماعات الاصولية الاخرى التي يتسلل أفرادها الى العراق، وذلك من دون أن يدركوا ان تلك العناصر يحميها عدد كبير من المدنيين العراقيين. \r\n \r\n في البداية فسروا الأمر بأنه بالفعل يصب في فائدة الحرب على الارهاب، وذلك لأن ما يحدث في العراق يجتذب كل الارهابيين الى بلد واحد، وبالتالي يمكن رصدهم وتعقبهم بسهولة، وهو ما وصفته البنتاغون بنظرية «ورق الذباب»، \r\n \r\n غير انه سرعان ما تبين عدم جدوى تلك النظرية بعدما اخفقوا في اصطياد الذباب وبعدما ظهرت اسراب اخرى من الذباب تزايدت اعدادها في بلدان اخرى. وقال لي احد خبراء الاستخبارات مؤخرا: «الآن انتشر الذباب على امتداد الشرق الاوسط كله وكذلك في أوروبا. \r\n \r\n على ان هناك اراء اكثر بعثا على القلق ترتكز هي ايضا على استعادة صور الحشرات، وهي نظرية «عش الدبابير»، التي اشار اليها توني بلير والتي تفيد بأن احتلال العراق سوف يثير مشكلات في جميع انحاء العالم الاسلامي. وقد ثبتت صحة تلك النظرية مع تزايد أعمال العنف في المنطقة. بل وهناك نظرية أخرى اكثر ازعاجا، وهي نظرية «طفل القطران»، كما يطلق عليها في واشنطن، والتي يتم فيها مقارنة العراق بطفل القطران المذكور في قصة «العم ريموس» . \r\n \r\n والذي صنعه برير فوكس لاجتذاب برير رابيت الذي جاء ليضربه ثم التصق به بشكل لم يستطع الفرار منه. و هذا هو ما يمثل أسوأ الكوابيس الموجودة حاليا، فالمتمردون في العراق يمثلون خطرا متناميا يمكن ان يتسبب في ابقاء قوات التحالف في البلد لفترة هي اطول بكثير مما كانت تلك القوات تنوي البقاء خلالها. \r\n \r\n وايا كانت النظرية الآن، فان الاحتلال اظهر نقصا خطيرا في قدرات الفهم السياسي والتوصل الى معلومات لديه. فهذا الاحتلال قد تسبب في وجود حجم مقاومة هو أكبر بكثير مما توقعه القادة والسياسيون، بل ان هذه ا لمقاومة تتمتع بدعم وحماية الكثير من العراقيين العاديين. \r\n \r\n والآن لا يزال قادة التحالف لا يعرفون من هو بالفعل وراء تلك المقاومة المنظمة بشكل جيد، التي تواصل تدمير العراق حتى بعد ان اتضح الآن ان تلك المقاومة يديرها العراقيون انفسهم. \r\n \r\n غير ان حجم المقاومة ليس بالأمر المفاجئ، فالامر يعد ظاهرة تاريخية معتادة أن يثار الشعب الذي تتعرض ارضه للغزو من قبل قوة اجنبية، حتى وان كان هذا الغزو يحرره من طاغية، ويقدم على الدفاع عن وطنيته بقوة. \r\n \r\n وكما قال مبعوث الاممالمتحدة الاخضر الابراهيمي لي الشهر الماضي فان «هناك كثيرا من العراقيين الذين تحولو الى وطنيين او استشاطوا غضبا بسبب سلوك المحتلين الاجانب وهؤلاء لا ينبغي ان يطلق عليهم وصف ارهابيين». \r\n \r\n واضاف: «لقد كنت ضد هؤلاء الاجانب الذين يرون انفسهم كمنقذين ويتصورون ان الشعب العراقي هو مجموعة من البلهاء الذين ينتظرون حلولا ذكية لمشكلاتهم. \r\n \r\n لماذا لم يفهم الاميركيون والبريطانيون رد الفعل البسيط هذا؟ الاجابة الاوضح عن هذا السؤال تتمثل في انهم عاشوا في بلدان لم تحتل قط من قبل. فالفرنسيون أو الالمان أو الهولنديون، ناهيك عن معظم شعوب الشرق الأوسط، لديهم تجارب حية مع الاحتلال وكيفية ردة الفعل التي تحدث عند الخضوع لقوة اجنبية. \r\n \r\n غير ان تلك التجربة تعد جديدة تماما على الأميركيين والبريطانيين، الذين لم يواجهوا أعداءهم الا بعيدا عن سواحلهم. \r\n \r\n لم يتصور هؤلاء أن غزوا يقوم به اجانب يمكن ان يذكي مشاعر الغضب الوطني بين شعب هو مسالم بطبيعته ولكنه سيكون مستعدا لأن يقدم الحماية لمتمردين حتى ولو كان لا يوافق بالكامل على اساليب هؤلاء المتمردين، وان هذا الشعب سوف يقاتل باصرار غير عادي وبذكاء فوق المعتاد دفاعا عن وطنه عندما يخضع للاحتلال. \r\n \r\n واذا حاولنا ان ننظر الى ذلك الاحتلال بشكل عقلاني على سبيل المثال نحاول ان نفكر في الامر لو كانت بريطانيا قد تعرضت للغزو على يد الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية نستطيع ان نبدأ بتفهم الطبيعة المتوحشة التي يناضل بها المقاومون وسوف نفهم ايضا الميزة الطبيعية التي يتمتع بها شعب يدافع عن اراضيه التي يعرفها بشكل افضل بكثير من الاجانب.ولقد علم البريطانيون ابان فترة امبراطورياتهم، وذلك مقابل ثمن باهظ دفعوه، كيف يقاتل اعداؤهم بضراوة للدفاع عن و طنهم. \r\n \r\n ولقد علموا هذا الامر وسبب لهم ألما مبرحا اثناء حرب بوير منذ قرن مضى عندما علم الافارقة كيف يقومون بدقة بعمل كمائن للجنود البريطانيين والايقاع بهم في واد صغير ضيق او كيف يختفون داخل مزارع في احد المروج ويعرض المزارعون والاهالي حياتهم للخطر في سبيل الدفاع عنهم.ويمكن لأعمال الاحتلال، كما حدث في جنوب افريقيا، ان تثير دائما مشاعر وطنية كانت أقل وضوحا قبل ان يحدث الاحتلال. \r\n \r\n وكانت الامبراطورية البريطانية تساعد على ايجاد مشاعر وطنية على امتداد افريقيا والشرق الاوسط بين اناس لم يكن لديهم قبل مجيء البريطانيين اليهم سوى قليل من الانتماء الى دولهم. \r\n \r\n اما الاميركيون فلديهم تجارب اقل مع عمليات مقاومة الاحتلال، فعندما اراد ان يبرر الحرب في العراق، لجأ جورج بوش الى الاستشهاد باحتلال ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية لتوضيح كيف يمكن للقوى المنتصرة ان تحول البلدان الديكتاتورية الى دول ديمقراطية فعالة، وفي الوقت نفسه تكسب حب شعوب تلك الدول. \r\n \r\n ولكن ليس هناك مقارنة حقيقية بين الأمرين، وذلك لأن الجيوش الألمانية واليابانية قد منيت بهزيمة قاصمة اثناء حرب مدمرة لم تترك الا القليل من الطموح امام الشعب للتمرد او المقاومة بعد السلام لقد كنت ضابط بحرية شابا ضمن قوات الاحتلال الموجودة في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ولم ار أي علامات توحي بحدوث تمرد قريب بين الشعب الفقير الجائع في ذلك الوقت. فبعد انتحار هتلر لم يكن هناك الا القليل من الحنين للايديولوجية النازية التي تسببت في تحطيم مستقبل الألمان. \r\n \r\n وسرعان ما بدت قوات التحالف أكثر ليونة عندما ساعدت في اعادة بناء الاقتصاد الالماني. وبعد ان كانوا مصرين على تطهير المجتمع من النازية واستئصال اي المان كانوا على علاقة بالحزب النازي، فان قادة الاحتلال تخلو بسرعة عن تلك السياسة بعدما ادركوا ان الحزب النازي كان يتضمن الكثير من الأفراد المؤهلين على أعلى درجة. \r\n \r\n والذين كانوا يشغلون مناصب حيوية في البلاد، تماما مثل العراقيين الذين تم طردهم لأنهم كانوا أعضاء في حزب البعث.وشأن هتلر، مني صدام حسين بهزيمة نكراء، غير ان العراقيين لم يكن لديهم احساس الهزيمة نفسه الذي كان لدى الألمان، فالاحتلال قد رفع من شعورهم بالانتماء الى الدولة، ذلك الى جانب ما يتمتعون به من ثقافة عربية مميزة. \r\n \r\n فالشعب العراقي لم يستطع ان ينظر الى الديمقراطية الغربية بالطريقة نفسها التي ينظر بها الألمان بعد الحرب الى تلك الديمقراطية. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الاميركيين والعراق في الوقت الذي يحاولون فيه العمل على اعادة اعمار العراق قبل انتخابات العام المقبل. هذا التحدي يتمثل في أن يظهروا للعراقيين العاديين، بعدما رأوه من بؤس وألم وأخطاء ارتكبها الاحتلال اثناء عام من وجوده على اراضيهم، ان الديمقراطية الغربية تعني أكثر من مجرد دبابات تجوب الشوارع وسجناء يتم تعذيبهم وان «الحرب على الارهاب لم تكن حربا على دولتهم. \r\n \r\n