\r\n وبالعكس من بريمر يبدو أن من حل محله هو شخص أصلع ببذلة مجعدة وبالكاد يعطي انطباعا بأنه قد ملأ منصبه، لكنه حتى الآن يبدو أكثر نجاحا بكثير من سلفه، إذ من المحتمل أن يلعب رئيس الحكومة المؤقتة أياد علاوي دورا حاسما في العراق وفي المنطقة وللسنوات المقبلة. \r\n حتى الآن لا يجد الشيعي العلماني الذي يتحدث بشكل بسيط أي غضاضة في النظر بأعين أبناء شعبه. وعلى الرغم من التحديات الخطيرة المقبلة أظهر علاوي نفسه رجلا حازما يتمتع بذكاء سياسي متميز وقادرا على الملاحة بين المطالب الأميركية والتوقعات العراقية في الأسبوع الأول من عمله. \r\n وظل علاوي يتكلم عن الأمن وعن أمن أكثر، فهذا هو الموضوع الأكثر إقلاقا لأغلب العراقيين، ولا بد أنه كان محظوظا على درجة كافية بحيث يتمكن من التمتع بتقلص نسبي في العنف. وكان أول إجراء رسمي علني له هو عرض الدكتاتور السابق صدام حسين مقيدا بالأصفاد وهو واقف أمام قاض عراقي، وهذا تعبير رمزي دراماتيكي لسلطة حكومته الجديدة. \r\n وقالت مارينا أوتاوي الأستاذة الرفيعة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن «تمكن علاوي من أن يعمل بشكل ممتاز على جبهتين; فهو تمكن من ترك انطباع بأنه مسؤول عن الوضع على الرغم من وجود القوات الأميركية، كذلك ظل قادرا على تجنب تقديم الإجابة على أسئلة هو غير مستعد لها بعد». \r\n ففي الوقت الذي تعرف قوات الأمن التي في حوزته تحسنا ملحوظا إلا أنها تظل غير كافية لتحقيق حماية المواطنين العراقيين. وهذا يعني أن عليه الاعتماد على القوات الأميركية على الرغم من الكره الشعبي لأساليبها التكتيكية وما يتركه وجودها من تذكير للعراقيين بأن الاحتلال ما زال بشكل ما قائما. \r\n كذلك على علاوي أن يقرر إلى أي مدى يجب التحرك في ميدان تحقيق وحدة البلد كم عليه أن يجلب عناصر متطرفة إلى المزيج السياسي. وهل بإمكانه أن يجلب عددا كبيرا من المسؤولين السابقين في حزب البعث كي يشتركوا في العملية السياسية بدون أن يسبِّب نفور فئات أخرى من المجتمع؟ \r\n وبينما هو يحاول جذب الضباط من الجيش العراقي السابق الذي تم حله على يد بول بريمر فعليه أن يقرر ما إذا هو راغب في إنشاء ألوية أخرى شبيهة بتلك التي تسيطر حاليا على الفلوجة. وكان جنود المارينز قد انسحبوا من هذه المدينة المضطربة في الربيع الماضي تاركين إياها بيد ضباط سابقين من الجيش العراقي لهم أواصر قوية مع المتمردين. \r\n سيكون اتخاذ أي من هذه الخيارات المتعلقة بالسياسات أصعب بكثير من الخطوات التي اتخذها حتى الآن حيث لم تكلفه سوى القليل مقابل جنيه لفوائد كبيرة منها. \r\n ولتجنب انتهاء تأييد الجمهور العراقي له في حالة وقوع تفجيرات ضخمة في بغداد والبصرة مثلا، قام علاوي بتشكيل لجنة تضم وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية الذين يقومون بالتنسيق مع القوات الأميركية. وراحت الشرطة من جانبها التحرك بسرعة لفرض إجراءات صارمة على نشاطات الجريمة العادية مثل الاختطاف والسرقة ومهاجمة السيارات. كذلك يقوم علاوي الآن بإعادة تشكيل بعض المؤسسات القديمة الخاصة بأمن العراق مثل الشرطة السرية للمخابرات وجهازها الاستخباراتي حسبما قال بعض العاملين السابقين في تلك المؤسسات. \r\n لكن مشكلة تظل تواجه علاوي حسب رأي جوان كول بروفسور الدراسات الشرق أوسطية في جامعة مشيغان، وهذه هي أنه بغض النظر عن جهود علاوي الكبيرة لكسب أكبر عدد من الجماعات والفئات فإنه يغامر في خلق نفور لدى فئة ما يحتاج إليها عند سعيه لكسب فئة أخرى. \r\n فعلى سبيل المثال يحاول علاوي أن يصدر قرارا بالعفو على المتمردين الذين هم من البعثيين السابقين. لكن التنظيمات الشيعية في سعيها لتجنب وقوع صراع ذي طابع طائفي «اتخذت موقفا جماعيا غير متسامح ضد حزب البعث لا ضد السنة العرب بحد ذاتهم» حسبما قال كول. \r\n وهذا ما سيضع هذه التنظيمات في حالة تصادم مع إحدى سياسات علاوي الأساسية. وقال كول «أنا لست متأكدا من أن هذه الطريقة للتعامل مع الماضي قادرة على البقاء لفترة طويلة». وقال البروفسور كول إن هناك حاجة حقيقية للتنفيس عن العواطف والعقد كي يتمكن العراق من التقدم إلى الأمام. على المسؤولين عما حدث أن يعترفوا بمسؤوليتهم بينما على التنظيمات الكردية والشيعية أن تكون راغبة في التسامح». \r\n مع ذلك فإن علاوي قد حقق مكاسب سياسية نتيجة لتحدثه حول سياسات ترضي الجمهور ككل بدون طرح التفاصيل عن أي من سياساته. ووصل التأييد الشعبي حاليا بين العراقيين للحكومة الجديدة إلى نسبة 80% حسب استطلاع أجرته سلطة الائتلاف السابقة. \r\n وحتى قبل نقل السلطة رسميا إلى العراقيين أظهر علاوي براعة في كيفية استخدام المنصة لمخاطبة الجمهور خصوصا في المسائل الخاصة بشؤون الأمن. فحينما انفجرت سيارة مفخخة بين حشد من الناس كانوا ينتظرون خارج مركز خاص بتشغيل الجنود الجدد في بغداد يوم 17 يونيو، أسرع علاوي إلى الموقع. وأمام المشهد المأساوي المملوء بدماء الضحايا وكسر الزجاج وقطع المعدن المتفرقة وعد علاوي «بمواجهة هذه التصعيدات» وأكد للعراقيين أن حكومته «مصممة على المضي إلى الأمام في مواجهة الأعداء سواء كانوا هنا في العراق أو في أي مكان آخر من العالم». \r\n وكان ظهوره مخالفا تماما لبريمر الذي لم يكن يغادر المنطقة الخضراء المحمية من قبل الجيش الأميركي إلا بواسطة طائرة هليكوبتر. كذلك كان هذا الظهور مخالفا لردود فعل أعضاء مجلس الحكم السابق الذين لم يكونوا يظهرون إلا في مناسبات مخطط لها مسبقا، وأقل الأماكن التي يمكنهم أن يظهروا فيها هي مواقع التفجيرات. \r\n وعكس ظهوره في موقع التفجير صورة شخص واثق بنفسه مع إرادة بتحمل المسؤولية والتكفل بالوضع. وبعد يوم أو يومين وحينما انتشر تسجيل كاسيت زعم أنه لمصعب الزرقاوي مهددا فيه اغتيال علاوي، أظهر الأخير وجها محاربا، وقال في هذه المناسبة «هذا ليس تهديدا ضدي، إنه ضد الشعب العراقي ككل». \r\n كذلك كان علاوي وراء دفع المسؤولين الأميركيين لتسليم السيادة قبل التاريخ المثبت مسبقا. وقال مسؤول رفيع من سلطات الائتلاف السابقة رفض الكشف عن اسمه «هناك نوعية في درجة الجزم يمتلكها رئيس الوزراء إياد علاوي شاهدنا القليل منها لحد الآن». وأضاف أن علاوي ظل يكرر «اعطوني جميع الوزارات، أعطوني السيادة الآن. لقد ظل يكرر أفكاره المتعلقة بتحقيق الأمن، وأحيانا كان يستشيرنا وأحيانا لا يقوم بذلك». \r\n لكنه حتى قبل أن يتم اختياره لهذا المنصب لم يضيع أي وقت في التحدث عن الإجراءات الأمنية التي يأمل أن يفرضها: منع التجول; الاعتقال بدون تفويض قضائي; اعتقال مفتوح الأجل. وكان العراقيون مؤيدين لمواجهة وضع لم يكونوا قد وجدوا أنفسهم فيه لو أن الأميركيين نفذوا نفس هذه الاقتراحات. \r\n وفي مؤتمره الصحافي الأول احتفظ علاوي بتحكم شديد على أجوبته. فإذا كان السؤال يبتعد عن الموضوع الذي أعلن عنه مثل ظهور صدام أمام محكمة عراقية كان يتحرك بشكل مباشرة إلى سؤال آخر. \r\n حتى الآن نجح هذا الأسلوب مع الشعب العراقي. وإذا كان متوقعا عودة اختطاف رهائن غربيين لإنهاء الهدوء الذي شهده العراق منذ نقل السيادة للعراقيين، فإن أي هدنة قصيرة هي فترة راحة مناسبة لهذا البلد الذي مزقته الحروب. كذلك أعطت فترة الهدوء هذه الحكومة الجديدة قدرا من المجال للمناورة. \r\n \r\n * خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص ب«الشرق الأوسط»