\r\n لتوضيح ذلك، يجب علينا أولا أن نعرف أن شارون يجد نفسه حاليا وسط مأزق سياسي غريب، يتمثل في أن غالبية الشعب الإسرائيلي تؤيد خطته الخاصة بالانسحاب من قطاع غزة، في حين أن أغلبية حزبه (الليكود) لا تؤيد تلك الخطة. لذلك فإن الأولوية القصوى بالنسبة له حاليا تتمثل في البقاء في منصبة كرئيس وزراء. قد يكون شارون قادرا على ذلك، إذا ما نجح في إقناع حزب العمل ورئيسه شمعون بيريز بالانضمام إلى ائتلافه الحكومي، ولكن قيامه بذلك سوف يتطلب منه من ناحية أخرى، التخلي عن بعض الإصلاحات الاقتصادية التي كان منافسه السياسي الرئيسي وزير المالية بنيامين نتنياهو، يعمل جاهدا من أجل إنجازها. \r\n \r\n ثانيا، إن إسرائيل لن تقوم بسحب قواتها من غزة بشكل كامل ما لم يتم أولا تأمين منطقة الحدود بين القطاع ومصر. وهو ما يعني أن الفلسطينيين مطالبون بإعادة تنظيم قواتهم الأمنية أولا. لكي يقوم الفلسطينيون بذلك، فإنهم سيحتاجون إلى مساعدة من مصر، بيد أن المشكلة هي أن مصر غير راغبة في إلزام نفسها بدور في غزة، ما لم تحصل على تعهد من شارون بأن الانسحاب من القطاع، سيكون متبوعا بتقديم خطط واضحة للانسحاب من معظم أراضي الضفة الغربية. ونظرا لأن مصر لن تثق بشارون، فإنها ستكون بحاجة إلى تعهد أميركي يضمن أن رئيس الوزراء لن يتوقف عند الانسحاب من غزة فقط. \r\n \r\n ثالثا، على رغم أن مصر ترغب في التعاون، لأنها تريد تجنب قيام حالة من الفوضى في قطاع غزة، فإن مهمتها الأكثر صعوبة تتمثل في إقناع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات بإصلاح قوات الأمن. ولكن الرئيس الفلسطيني سيتردد في القيام بذلك خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تقليص نفوذه. لذا يتعين على مصر استخدام كامل قدراتها على الإقناع. ولكي تقوم مصر بذلك، فإنه يتعين على الإسرائيليين القيام بتخفيف الحظر الصارم الممارس على عرفات والذي يبقيه مقيدا. بالطبع سيكون هذا القرار صعبا بالنسبة لإسرائيل، ولا أظن أنها ستقوم باتخاذه ما لم تصر إدارة بوش على قيامها بذلك. \r\n \r\n المبادرة (الانسحاب من غزة) تحظى بموافقة الغالبية العظمى من الإسرائيليين، كما تحظى إلى جانب ذلك بموافقة المعتدلين الإسرائيليين، وحكومة مصر، وإدارة بوش. فشارون أصبح يدرك الآن أن قيام إسرائيل بالاحتفاظ بسيطرتها على غزة، من أجل سبعة آلاف مستوطن محاطين بقرابة 1,2 مليون فلسطيني، يمثل خيارا ميئوسا منه بالنسبة لإسرائيل. ويتبنى خصوم شارون في الداخل، حجة تقوم على أن الانسحاب الإسرائيلي من جانب واحد، دون الحصول على تنازلات من جانب الفلسطينيين، سينظر إليه على أنه تقهقر تم تحت ضغوط. ويذهب المنتقدون لخطة الانسحاب إلى أنه ما لم يقم الفلسطينيون أولا بإصلاح أنفسهم، والتعبير عن استعدادهم للموافقة على تسوية رسمية وملزمة مع إسرائيل، فإن الانسحاب من جانب واحد من غزة سيكون خيارا خطرا. إن القوات المسلحة الإسرائيلية تشعر بالقلق من استمرار العنف، بل واحتمال زيادته خصوصا إذا ما نجح الراديكاليون في إدخال صواريخ أكثر دقة، وأكبر حجما، وأطول مدى إلى غزة مما سيجعلهم قادرين على ضرب المدن الإسرائيلية الجنوبية الرئيسية. والسبب الذي جعل الدور المصري يبدو على هذا القدر من الأهمية هو أن الطريق الذي يحتمل أن تدخل عبره الأسلحة إلى قطاع غزة هو ذلك الممتد في شبه جزيرة سيناء على امتداد منطقة الحدود بين مصر وغزة، والذي أصبح عبر السنين معبرا لعمليات تهريب واسعة النطاق للأسلحة وغيرها من المواد المربحة مثل السجائر والمخدرات . \r\n \r\n إذا ما كانت مصر غير قادرة، أو غير راغبة في المساعدة في تأمين خط الحدود، فإن الإسرائيليين سيضطرون إلى الاستمرار في السيطرة على منافذ الدخول الممتدة على طول ما يعرف بمعبر فيلادلفيا إضافة إلى المعابر الجوية والبحرية ، حتى وإن كان ذلك سيبدو في نظر الفلسطينيين وكأنه استمرار للاحتلال. والبديل الوحيد للوجود المصري في رأيي هو الاستعانة بقوات أمنية دولية من الناتو أو من الأممالمتحدة - وهذا هو الأرجح. لكن المشكلة بالنسبة لهذا الخيار هي أن دعم القوات الدولية سيصعب توفيره، كما أن الاحتمال الأرجح هو أن يعارض الإسرائيليون هذا الخيار. \r\n \r\n على رغم المشكلات والأخطار التي يمكن أن ترافق الانسحاب من قطاع غزة، فإن ذلك الانسحاب- لو حدث- سيمثل تدشينا لمرحلة جديدة دراماتيكية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. فهذا الانسحاب في حالة نجاحه، يمكن أن يؤدي إلى التوصل إلى مزيد من الاتفاقيات مع الفلسطينيين بالنسبة للضفة الغربية، أو مع السوريين بالنسبة لهضبة الجولان. \r\n