بدأت قبل ساعات قليلة رحلة خروج مسلحي الجيش السوري الحر من أحياء حمص المحاصرة، باتجاه مقراتهم الجديدة في الرستن وتلبيسة، الأمر الذي سيكون له تأثير قوي في جغرافيا الصراع المستمر منذ ثلاثة سنوات. وإذا نُفذ هذا الاتفاق كاملا وصمدت الهدنة، فإن هذا سيمكن قوات الأسد من بسط سيطرتها على شريط إستراتيجي هام من اللاذقية في الشمال الغربي إلى دمشق. ويؤكد محمد نزار البابا الناطق الرسمي باسم هيئة الثورة السورية في دمشق وريفها أن خذلان العرب للمحاصرين في حمص منذ ثلاث سنوات، كان سببا لما آلت إليه الأمور هذه الأيام. وقال البابا في حواره مع "الشرق تي في": إن الحماصنة صبروا ثلاث سنوات وثابروا حتى أصابتهم المجاعة، وبدأ الموت البطئ يتسلل إلى السكان، في غياب كامل للمواد الغذائية والطبية والدوائية. وفيما يلي نص الحوار: في البداية نريد معرفة ما الذي يجري في حمص هذه الأيام؟ ما يحدث بحمص القديمة هو (استراحة محارب) ورضوخ للأمر الواقع حسب معطياته، وليس بإمكان الثوار الذين بذلوا وسعهم في الدفاع عن المدينة طيلة 700 يوم، أن يصمدوا أمام الجوع والحصار. ومن العار على قادة وزعماء العالم التخلي عن المحاصرين في حمص، فلا دعم لوجستي، ولا لجان حقوقية دولية، ولا منظمات إغاثية. ولم تعبأ الحكومات العربية بالمحاصرين ولم تلقِ لهم بالا، حتى المنظمات الدولية وقفت عاجزة أو متفرجة، ولم تُدخل أية مساعدات من أي نوع، وقد استغل نظام الأسد سلاح الجوع ووظفه بطريقة جيدة، في حين عجزت آلته العسكرية عن تحقيق تقدم ملموس على جبهة حمص. وقد حاول النظام مرارا وتكرارا اقتحام الأحياء القديمة في حمص ولكنه لم يستطع ذلك، وتكبد النظام خسائر كبيرة وفادحة بين صفوفه، ولم يتكلم الثوار عن تلك الانتصارات في حينها. إذن: هل استسلم الثوار في حمص؟ بعد عامين ونصف من الحرب الضروس والقصف الوحشي المستمر، ونفاذ المؤن والذخائر، نقول إن الحرب كر وفر، ولا يوجد خيار لدى الثوار، ثم إن النظام يخشاهم ويتفاوض معهم على الخروج، فرغم بطونهم الخاوية وأجسادهم النحيلة؛ إلى أن نظام الأسد يحسب لهم ألف حساب، وقد بدأ يعترف ضمنيا بالمعارضة المسلحة. ولا ينبغي أن يوصف ما يحدث بالاستسلام، بل هو انحياز، أو انسحاب مؤقت، ثم يعاد ترتيب الصفوف من جديد، ويبدأ النضال مرة أخرى حتى انتصار الثورة. فالشعب السوري لم ييأس ولم يستسلم، ولو كان من عادته الاستسلام؛ لما ارتقى نصف مليون شهيد من أبنائه حتى الآن. لماذا حمص تحديدا التي يصر كل من النظام والثوار على التضحية من أجلها؟ حمص هي عاصمة الثورة بحق، فقد انتقل الحراك السلمي إليها مبكراً من درعا في مارس عام 2011، وقوبل بيد من حديد، وقبل أيام قليلة، تحديداً في 18 أبريل، أحيا الحماصنة ذكرى "مجزرة ساحة الساعة"، التي فتحت فيها قوات الأمن النار على المعتصمين وخلّفت عشرات القتلى والجرحى. وفي ريف حمص، كانت أولى ملامح عسكرة الانتفاضة المدنية بعد أن أصر النظام على التعامل بالرصاص مع الصدور العارية في حي بابا عمرو كرم الزيتون والحولة والزارة وغيرها من المناطق . أهمية المدينة، التي تقطع الطرق بين العاصمة دمشق ومدن الشمال والشمال الشرقي، دفع القوات الحكومية للاستماتة في محاولة السيطرة عليها، لكن دون جدوى، ولا ننسى (القصَيْر) القريبة من حمص، كانت ملحمة احتدم فيها صراع الإرادات بين النظام ومعاونوه من إيران ولبنان والعراق من جهة والثوار من جهة أخرى. لكن البعض يقول إن الثوار سلموا المدينة على طبق من ذهب لقوات الأسد؟ من يقول ذلك لا يدرك حقيقة الأوضاع على الأرض، بل ويتكلم من برج عاجي، الثوار يخرجون اليوم من حمص ودموعهم تنحدر من عيونهم، وهو أمر خارج عن الإرادة، والذين يشنعون على الثوار لخروجهم من حمص، ماذا قدموا من دعم؟؟ بالتأكيد لا شيئ، إذن فلتدعوا من اجتهد ليتحمل تبع اجتهاده، ثم إن الثوار لم يتركوا سوى حمص القديمة وانطلقوا غير بعيدين منها باتجاه المناطق المحررة في الريف الحمصي الشمالي، بعد كل هذه الفترة من القصف الوحشي وتفاقم المجاعة. وما هي أهم بنود الاتفاق المزمع تنفيذه هذه الأيام؟ أما بنود الاتفاق هي: وقف إطلاق النار بشكل كامل يشمل الأحياء المحاصرة وحي الوعر (الذي يعتبر أكبر تجمع سكاني في حمص ويقع تحت سيطرة الجيش الحر). خروج الثوار بالسلاح الخفيف مع نصف ما يملكونه من عتاد متوسط (رشاشات) إلى المناطق المحررة في الريف الشمالي في حافلات تابعة للأمم المتحدة وفي كل حافلة فرد تابع للمنظمة الأممية. وقف إطلاق النار على قرى نبل والزهراء الشيعيتين المواليتين للأسد في ريف إدلب. إطلاق سراح 70 من أسرى النظام، معظمهم من مليشيات الدفاع الوطني وليسوا عسكريين وبينهم إيراني. وقد أوشك غالبية الثوار على الخروج من حمص، على أمل العودة إليها مجددا بعد تحريرها ودحر المعتدين إن شاء الله تعالى.