في بدايات القرن الماضي، لم يكن هناك تعليم نظامي في قطر لانعدام المدارس حينها، وقلة من الناس الذين كانوا يعرفون الأبجد ية العربية، على سبيل المثال، تمكنوا من ذلك بجهود خاصة. وكانت المشاعر حيال الحصول على تعليم ببساطة؛ ما هو الغرض من تعلم القراءة والكتابة بلغتك، ناهيك عن أي لغة أجنبية، عندما لا تكون هناك فرص للاستفادة من تلك المعرفة؟ وقد اكتشفت بنفسي أن بعض أكثر الشخصيات نفوذا آنذاك، لم يكن قادرا عمليا على قراءة رسالة، وبالتأكيد غير قادر على كتابة واحدة لا تكون مليئة بكل أنواع الأخطاء. ولم تكن هناك، على سبيل المثال، متاجر في قطر تبيع الصحف، فما بالك بالكتب! وكان هناك شخص أو شخصان يملكان نسخا من القرآن، يعرضانها بشكل بارز في الغرفة الرئيسية من منزلهما.. لكن لم يكن أحد يرى رجالاً منكبين على قراءة المصحف الشريف، أو على اصطحابه معهم عند توجههم إلى المسجد نهار الجمعة. والرجل الذي كان يؤم الصلاة كان يكتفي بقراءة بضع آيات مختارة من القرآن بشكل عشوائي، وفي معظم الأحيان، يتلو الآية نفسها أسبوعاً تلو آخر، راضيا بمعرفة أن لا أحد من المصلين سيلاحظ أن الآية نفسها تتكرر تلاوتها باستمرار. وبالصدفة علمت أن جاري من أغنى سكان قطر، حيث التقيت به صدفة خلال إحدى زياراتي إلى الحاكم، الذي أعلمني أن الرجل من أهم تجار اللؤلؤ في البلاد. وبعد مغادرتي القصر وجدت هذا الرجل ينتظرني في الشارع، حيث هنأني على معرفتي باللغة العربية، ودعاني لتناول العشاء معه مساء اليوم التالي. وفيما كنا ننتظر إعداد العشاء الذي سيقدم إلينا، أخبرته أنني مهتم بأن أتعلم منه شيئا عن تجارة اللؤلؤ، بعد معرفتي أنه أهم تاجر لؤلؤ في قطر. وبدا مستغربا لاهتمامي، لكن على استعداد ليخبرني بشأن تجارة اللؤلؤ بالكامل. وأخبرني أن اصطياد اللؤلؤ الفعلي مقيد في أشهر الصيف، عندما يكون الطقس حارا وبإمكان الغطاسين البقاء لفترات طويلة داخل المياه. وشرح أن الغطاس يعمل على الغوص في مياه الخليج دون ارتداء أي شيء، باستثناء خرقة صغيرة قصيرة مربوطة حول وسطه لإخفاء الجزء السفلي من جسده، مع إبقاء رجليه مكشوفتين بالكامل. والغطاس لا يصطحب معه أي نوع من المعدات باستثناء سدادة للأنف، وهو قد تعلم عبر سنوات من الممارسة، أن يبقى تحت الماء ما يصل إلى خمس دقائق، بعد أخذه نفسا عميقا قبل الغوص في البحر. وكان الغطاس يستخدم حبلين، أحدهما في سبيل التواصل مع الرجل الذي يقف على المركب الذي قام بالقفز منه في الماء. وعندما يشعر أنه لم يعد بإمكانه البقاء مدة أطول تحت الماء دون أن يستنشق هواء نظيفا، يقوم بشد الحبل الآخر للإشارة إلى رغبته في أن يسحبه إلى السطح مجدداً. وطوال المدة التي يكون فيها في الماء، يعمل على اختيار جزء من منطقة لم يعمل على استكشافها من قبل.. ويلتقط الأصداف التي يأمل أو يعتقد باحتوائها على لآلئ تفرخ ملتصقة بالمحار، ويضع تلك الأصداف في الصحن الذي يحمله في يده الأخرى. وفي العادة، يسمح له بقاؤه تحت المياه بجمع ما يقدر بحوالي عشر صدفات أو 12 صدفة، قبل حاجته إلى استنشاق الهواء النقي. ثم يشد الحبل الآخر، مشيرا إلى رغبته في الصعود إلى سطح الماء.. حيث يقوم مساعده بجره بأسرع وقت ممكن، لمعرفته أن زميله الغطاس يحتاج إلى الهواء. وبعد وصوله إلى سطح الماء، يقوم الغطاس بتسليم الصحن الذي يحوي الأصداف التي جمعها خلال بقائه تحت الماء، ثم تضاف تلك الأصداف إلى تلك التي جمعها خلال الغطسات السابقة. وبناء على الفترة التي أمضاها تحت الماء، وقدرته على الاستمرار في زيادة مخزون الأصداف الذي تمكن من جمعه خلال غطساته، يجد الغطاس نفسه أحيانا، على ما يبدو، في منطقة من الأرض تبدو خالية من الأصداف، وعندها يكون عليه قضاء الوقت بحثا عن موقع يستحق هذا العناء بصورة أكبر. وفي نهاية النهار، يكون قد غطس بين ثلاثين إلى أربعين غطسة، وجمع ما يقدر بمئة إلى مئة وخمسين صدفة. ويعود للغطاس اختيار أي من الأصداف يفترض أخذها، وأي منها يفترض أن تترك، فمسألة أي من الأصداف ستترك في مكانها وأي منها سيجري اختياره من أجل فحصه فيما بعد، قرار يعود للغطاس ومعرفته الغريزية. ومع الغروب التدريجي للشمس، يشير قائد المركب إلى أن الوقت حان لوقف المزيد من عمليات الغطس، ويضع علامة على المنطقة التي كان يجري العمل فيها، وتوجيه المركب عائدا إلى الديار. وعند العودة إلى الميناء، يصعد التاجر الذي قام بتمويل الرحلة بأكملها إلى متن المركب، ويجري فتح الأصداف الواحدة تلو الأخرى، ويتضح بسرعة أي منها من المحتمل أن يحتوي على لآلئ. وعندما يجري الكشف عن جزء من اللؤلؤة، تؤجل عملية فتح الصدفة حتى يجتمع الناس حولها ويزايدون على محتوياتها. ثم يجري زج شق آخر في الصدفة، ثم تبدأ المزايدة ثانية، حيث يظهر المزيد من اللآلئ, وفي النهاية، تتوقف المزايدة وتكون اللؤلؤة ملكية المزايد الأخير. وبعد ذلك، يجري فتح الصدفة بأكملها، ليرى الناس ما إذا كان المزايد قام باتخاذ القرار الصائب أم لا. وغالبا ما تكون المزايدة الأخيرة من نصيب التاجر الذي دفع مصاريف الرحلة، والذي يمنح نسبة من أي صفقة يتم عقدها. وأمران ساهما في ثروته: أولا، واقع أنه كان يتسم بخبرة واسعة في الحكم على قيمة اللؤلؤة، وثانيا، واقع أن لديه العلاقات المناسبة في اليابان وأماكن أخرى، للقيام بعملية البيع الأخيرة لأي لؤلؤة منفردة. نوع المقال: عام