تشير الفكرة الرائجة بين الناس إلى أن بوتين اقترف خطأ كبيراً، وأنه بسبب انتهاكه لسيادة أوكرانيا، فإن الأخيرة ستصبح غربية مزدهرة، وستزداد روسيا فقراً وستبتلى بمسؤولية شبه جزيرة القرم. وتبدو هذه نظرية مريحة، قد تصبح مبرراً لتفادي اتخاذ قرارات صعبة، فإذا كان بوتين سيخسر، لماذا إذن يتعين علينا أن نذهب ونواجه متاعب وآلاماً مالية لحشد الغرب كي يفرض عقوبات على روسيا؟ ولكن لسوء الحظ، يجافي هذه النظرية الصواب تجاه ما هو مهم بالنسبة لبوتين. الروس سيكونون في وضع أفضل لو أن أوكرانيا تكاملت اقتصادياً مع أوروباً، وكان وضع الروس سيصبح أفضل لو أن الكريملن توقف عن محاولة السيطرة على الدول المجاورة، وأدرك أن الوضع الجيوسياسي لم يعد «مباراة صفرية» الفوز فيها لطرف يشكل عادة هزيمة للآخر. ولكن رفاهية الشعب الروسي على المدى الطويل ليست هي موضع الاهتمام الأساسي لبوتين، كما أن استعادة العظمة الروسية أو الإمبراطورية السوفييتية ليست هي هدفه الحقيقي، على رغم أنه كثيراً ما يتحدث عن ذلك، وإن كان من دون شك يعتبرهما أمراً مرغوباً فيه. وأول أهداف بوتين سحق أية تطلعات ديمقراطية في روسيا ربما تدفع في النهاية إلى محاسبته عن أفعاله. لكن كيف نترجم ما حدث الأسبوع الماضي وفق هذا المنظور؟ في الحقيقة لا يمكننا معرفة إلى ما ستؤول إليه الأمور، ولكن يمكننا التفكير في أحد السيناريوهات المنطقية. وبحكم الأمر الواقع ستصبح القرم تحت وصاية روسيا، لكن في حين يحزن الزعماء الغربيون الممتنون لبوتين لأنه إلى الآن لم يوسع عملية الغزو بسبب هذا الواقع، إلا أنهم لم يفعلوا شيئاً لتغييره. وفي غضون ستة أشهر أو عام، ستصبح تلك العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا طي النسيان. وفي هذه الأثناء، سيحقق بوتين من وجهة نظره أشياء كثيرة، فسيذكر حلف «الناتو» بأن تقديم ضمانات أمنية إلى دول الاتحاد السوفييتي السابق ومعاهدة «وارسو» ليس لعبة، وربما سيكون على الغرب حقاً خوض معركة من أجل جورجيا ومولدوفا إذا ما قدم مثل هذا الوعد. ولكن الغرب لايريد مواجهة روسيا، وبعد إثارة بعض الضجيج بشأن الشراكة مع تلك الدول، سيتردد في التوسع. وسيتمكن بوتين من فصل إحدى الجمهوريات السوفييتية السابقة، بعد مولدوفا وجورجيا، والتي تسيطر موسكو عليها الآن بصورة جزئية، وسيكون ذلك بمثابة تحذير مفيد للدول القريبة الأصغر والأضعف من أوكرانيا مثل أرمينياوبيلاروسيا. وسيعزز الرئيس الروسي وضعه كي يتدخل بصورة أكبر في الشؤون الأوكرانية، وسيتعين على الأوكرانيين أن يأخذوا ذلك في حسبانهم، فإذا نجحت تلك الصيغة في شبه جزيرة القرم، فإنها ستجدي مرة أخرى في شرق أوكرانيا الصناعي الذي يتحدث اللغة الروسية، وإذا كان يمكن لبوتين أن يمضي بلامحاسبة عن غزو حقيقي، فكيف يمكن ردعه إزاء التلاعب بصورة سرية في الانتخابات الأوكرانية المقبلة؟ السيناريو ليس حتمياً، فمن جانب، ربما يمضي بوتين إلى ما هو أبعد من ذلك سريعاً، ساعياً إلى تقويض استقرار الحكومة الجديدة في أوكرانيا عن طريق تحفيز ثورات «عفوية» في الشرق. ومن جانب آخر، قد تؤدي أفعال بوتين في أوكرانيا إلى الإسراع باليوم الذي يجد فيه الروس أن حكمه بات غير محتمل في الداخل، وبالتأكيد تدفع أفعاله الأوكرانيين صوب أوروبا، وتقود أوروبا إلى قبول أوكرانيا مع تقديم مساعدات أكثر من ما كانت ترغب في تقديمها قبل أسابيع قليلة مضت. ومن الممكن أيضاً أن تقرر الولاياتالمتحدة أن تقود تحالفات لتفرض تكلفة خطيرة على بوتين بسبب احتلاله شبه جزيرة القرم، لكن ذلك سيكون صعباً جداً، وبالتأكيد لن يحدث إذا أقنعنا أنفسنا أن بمقدورنا الاسترخاء وانتظار بوتين كي يتفوق على نفسه. وبعبارة أخرى، لن يصبح تحرك بوتين خطأ فادحاً ما لم يساعد الغرب على جعله كذلك. نوع المقال: روسيا