من غير الواضح حتى الآن كيف سيكون رد فعل حكومة بوتين على إسقاط حليفه يانوكوفيتش في أوكرانيا، لكن ربما يلزم القول بأن الخطوات التي اتخذها الرئيس الروسي خلال الأسابيع القليلة الماضية لم تنجح مثلما كان مخططاً لها. وربما كان الضغط الروسي والوعد بقرض قيمته 15 مليار دولار كافيين لدفع يانوكوفيتش إلى التراجع عن اتفاقية تجارة وشراكة مع الاتحاد الأوروبي؛ غير أن التخلي عن الاتفاقية، إضافة إلى شروط التعويض الروسي، أثارا موجة الاضطرابات التي انتهت إلى فراره من كييف خلال عطلة نهاية الأسبوع. وطوال فترة رئاسة بوتين، وخاصة منذ الخريف الماضي عندما تم التوصل لاتفاق رعته روسيا بشأن تأمين أسلحة سوريا الكيماوية وأثبتت الولاياتالمتحدة أنها عاجزة عن منع منح سنودن اللجوء في موسكو، درج الأميركيون من مختلف الألوان والانتماءات السياسية والأيديولجية على تصديق ادعاءات الرئيس الروسي المبالغ فيها، مما رسخ فكرة قدرته على صياغة ملامح الأحداث العالمية من خلال قوة الإرادة فقط ودهاء ميكيافيلي. وبالنسبة للصقور الأميركيين، فإن «بوتين يستعمل السلطة لتطويع الحقيقة» (فيكتور ديفيس هانسون في مجلة «ذا ناشيونال ريفيو»). وبالنسبة للمدافعين القلائل عنه من الحمائم، فإنه لا يحصل على الاعتراف الكافي بما قام به من أجل «إرساء الاستقرار في بلد يمتلك السلاح النووي وآخذ في التفكك»، وكذلك «مساعدته المساعي الأمنية الأميركية من أفغانستانوسوريا إلى إيران» (ستيفان كوهين في مجلة «ذا نايشن»). صحيح أن بوتين أظهر في مناسبات كثيرة أنه قادر على حسن استغلال الأوراق القليلة التي يمتلكها على نحو فعال؛ حيث نجح مِراراً في وضع بلد أخذت قوته الاقتصادية والعسكرية تتقلص في مركز السياسة العالمية. وصحيح أن مجازفاته تؤتي أكلها أحياناً: فبعد ست سنوات على الحرب التي خاضتها روسيا مع جورجيا والتي أثارت تنديداً دولياً، بات هذا النزاع منسياً في الغرب تقريباً، واستُبدل الرئيس ميكائيل سكاشفيلي المزعج بزعيم أكثر تصالحاً مع جار جورجيا العملاق، ألا وهو رئيس الوزراء الحالي بريدزينا إيفانيشفيلي. غير أن الأسبوع الماضي حمل تذكيراً مفيداً آخر بأن طموحات زعيم يتصف بالدهاء يمكن أيضاً أن تنسفها الأحداث على الأرض. فبوتين قد تكون لديه القدرة التي لا يمتلكها رؤساء الدول في الولاياتالمتحدة وأوروبا ليأمر بقرض بقيمة 15 مليار دولار مقابل الولاء؛ لكن القرض لم يستطع الحؤول دون انتفاضة الشعب الأوكراني، مثلما لم يستطع الاستثمار الضخم في الألعاب الأولمبية الحؤول دون تندر الأجانب على الكلاب الضالة وعيوب مياه الأنابيب في سوتشي. وإضافة إلى ذلك، فإن بوتين يبدو أنه بات غير قادر على التعاطي مع المعارضة في بلاده التي تزداد قوة وتركيزاً بفعالية مثلما كان يفعل في الماضي؛ أو الأهم من ذلك، اتخاذ خطوات لحماية اقتصاد بلاده المتباطئ من احتمالية الركود المتزايدة. وخلاصة القول: إن بوتين زعيمٌ ذكي وسياسيٌ يتمتع بالدهاء؛ وبمقاييسه الخاصة، فإنه أفلح في الحفاظ على روسيا على المشهد العالمي؛ غير أنه يرد على الأحداث والتطورات تماماً مثل أي زعيم آخر. وأحياناً، يسيء التقدير. نوع المقال: روسيا