قد يكون الاجتماع بين الرئيس الروسي وقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل الثلاثاء الماضي، هو القمة الأكثر بروداً خلال 20 عاماً، وذلك بسبب الخلاف حول الاضطرابات في أوكرانيا. ورغم ذلك، فإن الأزمة الأوكرانية يجب أن تذكرنا بالضيق الأكبر الذي يصيب ست دول في شرق أوروبا وجنوب القوقاز فيما يسمى برنامج «الشراكة الشرقية» الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي. هذه الدول التي تشكل المنطقة العازلة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا تعتبر في طي النسيان، ولا تزال حالتها أكثر سوءاً من سائر أوروبا من حيث الفقر واحتمالات نشوب صراع. وبطبيعة الحال، فإن عادات روسيا في فرض الهيمنة تشكل مشكلة كبيرة بالنسبة للمجموعة التي تشمل أرمينيا وأذربيجان وروسيا البيضاء وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا. ورغم ذلك، فإن عدم قدرتها على تقرير مسارها الاستراتيجي يشكل عقبة أكبر. والخبر السار هو أن جورجيا ومولدوفا تؤيدان الآن المسار الأوروبي، بعد أن وقّعتا بالأحرف الأولى على الاتفاقيات التي تجاهلها الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش في نوفمبر، مما أدى إلى موجة الاضطرابات التي تشهدها البلاد. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فالسؤال يتعلق بما إذا كان يرغب في أن يكون له نفوذ حقيقي على الدول الشرقية المجاورة. وإذا كان الأمر كذلك، فهو بحاجة إلى إظهار مزيد من الدعم لخيار هاتين الدولتين. وقد أطلق الاتحاد الأوروبي مشروع الشراكة الشرقية لتقديم بعض فوائد التكامل مع الاتحاد الأوروبي لبلدان الاتحاد السوفييتي السابق التي ترغب في ذلك. وكان أداء جورجيا ومولدوفيا جيداً في تلبية المتطلبات، لذا فقد وقعتا بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة الأوروبية وبدأتا مباحثات بشأن اتفاق التجارة لكي تتمكنا من الوصول للسوق الأوروبية الموحدة. أما روسيا التي لجأت إلى الترهيب لمنع أرمينياوأوكرانيا من توقيع اتفاقيات مشابهة، فتبدأ الآن في تهديد مولدوفيا لمنعها من استكمال اتفاق التجارة مع الاتحاد الأوروبي. ورداً على ذلك، بدأ بعض السياسيين في الولاياتالمتحدة وأوروبا يحثون الاتحاد الأوروبي ليصبح أكثر «جيوسياسية» حيال روسيا. وقد يكون من الخطأ فعل ذلك. فبوتين ليس بريجينيف، ومشروعه لإنشاء أوراسيا بديلة للاتحاد الأوروبي، بعيد عن مكائد الاتحاد السوفييتي. لكن إذا وصل الأمر إلى إفساد التكتيكات -باستخدام العقوبات والحظر التجاري أو تسعير الطاقة كأسلحة سياسية- فإن روسيا سوف تفوز كل مرة. ففي مولدوفيا مثلاً، بإمكان روسيا زيادة أسعار الغاز والتلاعب بالحزب الشيوعي المحلي للحصول على ما تريد. ومن الحماقة افتراض أن الشعوب في هذه الدول ترفض روسيا. فالكثير من الجورجيين والمولدوفيين والأوكرانيين يريدون التكامل مع الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس على حساب قطع الصلات الاقتصادية والثقافية مع روسيا. ومعظم الجورجيين رحبوا بعودة الدفء إلى العلاقات عقب انتخاب حكومة الحلم الجورجية في 2012. وعاد النبيذ والمنتجات الزراعية الجورجية إلى الأسواق الروسية بعد سبع سنوات من الغياب. لكن لا تزال العلاقات يشوبها البرود. فالعلاقات الدبلوماسية ما زالت مجمدة بسبب النزاع الطويل على أراض في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ويتعين على أوروبا مواصلة دعم هذا التقارب المؤقت الذي يعود بالفائدة على القوقاز. لذا، فإن الاتحاد الأوروبي ليس بحاجة لأن يكون أكثر صرامة (أو ليونة) مع روسيا فيما يتعلق بجورجيا ومولدوفيا. إنه بحاجة للتعامل مع بوتين على أساس القضية تلو الأخرى، وإلى أن يصبح أكثر ذكاءً لتحقيق التكامل الأوروبي على أرض الواقع. هذه القضية لن تكون بالصفقة السهلة. إن أكبر تهديد لمستقبل جورجيا الأوروبي لا يكمن في الجيش الروسي، بل في المعسكر الانعزالي النابع من الداخل والذي يلقى دعماً كبيراً من الكنيسة الأرثوذكسية ويرى أوروبا مرادفاً للانحطاط والشذوذ الجنسي. ويتعين على الاتحاد الأوروبي الاستجابة من خلال التواصل بصورة أكثر وضوحاً. إن لديه منتج ممتاز لبيعه -التكامل السلمي ل28 اقتصاداً أوروبياً- رغم أنه غالباً ما يكون غامضاً بسبب المصطلحات الفنية. وإذا ما تمكن مسؤولو الاتحاد الأوروبي من توضيح، باللغة العادية، فوائد منطقة التجارة الحرة الأوروبية للشركات في هذه الدول، ومن بينها الشركات الروسية العاملة هناك، فإن نصف هذه المهمة سوف يكون من السهل إنجازها. وتتألف حزمة الاتحاد الأوروبي بالنسبة لجورجيا ومولدوفيا من ثلاثة عناصر: المال والتنقل والأسواق. كل منها بحاجة لأن يصبح أكثر واقعية. وهذا يعني تسريع إجراءات منح التأشيرة للجورجيين والمولدوفيين للسفر إلى الاتحاد الأوروبي بسهولة أكبر. إنه يعني كذلك توفير المزيد من المساعدة التقنية للتخفيف من اللوائح الجديدة للاتحاد الأوروبي بالنسبة للمزارعين ورجال الأعمال. حيث إن الدولتين تبذلان جهداً للانضمام لمنطقة التجارة الحرة الأكثر عمقاً وشمولية. إن الأمر سوف يحتاج إلى جرأة، من كل من الاتحاد الأوروبي والنخبة في كل من جورجيا ومولدوفيا على حد سواء (وربما في أوكرانيا مستقبلا) لإنجاح العملية وإنقاذ المنطقة من تجاهل دائم. ومن هذا المنطلق، بإمكان الاتحاد الأوروبي تقديم عنصر آخر قد يساعد على إحداث فارق كبير: ألا وهو الشراكة التي نجحت في منطقتي وسط أوروبا والبلقان. هذه الدول السوفييتية السابقة تتخلف عقوداً عن معايير الاتحاد الأوروبي، لذا فإن الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي لديها سبب وجيه للخوف. وبمجرد منح احتمال الشراكة، فإن جورجيا ومولدوفيا سوف تتبوءان مكانهما في نهاية الصف، خلف صربيا وتركيا. ورغم ذلك، فإنه حتى هذا التعهد طويل المدى سوف يغير المعادلة الاستراتيجية، ليتيح للجورجيين والمولدوفيين والأوكرانيين إمكانية التطلع للمستقبل الأوروبي. زميل بارز في برنامج روسيا وأوراسيا من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي نوع المقال: الاتحاد الاوربى-شمال اسيا