قال د.عماد الدين شاهين أستاذ السياسة العامة بالجامعة الأمريكية إنه من الواضح أن مناهضي الانقلاب والداعين إلى استعادة المسار الديمقراطي يواجهون سلطة مختلفة تلك المرة عن نظام مبارك. أضاف أن الداخلية استعادت عافيتها بعد انكسارها وخزيها في 28 يناير، والمؤسسة العسكرية "اتشدت" تحت قيادة فتية وعادت لركوب وإجهاض الثورة من جديد ، والفلول بدوا وكأنهم استعادوا الثقة بما في ذلك المتخلي مبارك الذي عاد ليدلي بأحاديث صحيفة وآراء سياسية حول ما يراه من أحداث وشخصيات. وقال شاهين إنه من المثير للتساؤل هو ماذا تبقى من ثورة 25 يناير ... وماذا ينتظر شبابها للنزول بقوة لاستعادتها بعد أن مسهم التشهير والاعتقال والمطاردة. وأوضح أن جوهر الصراع ليس الإخوان أو حتى الانقلاب، وإنما هو عودة الدولة الأمنية القمعية بقوة، وأن الخطر الأكبر على الثورة هي تلك الدولة البوليسية - العسكرية التي لا أمل في النجاة إلا بتفكيكها واستبدالها بدولة مؤسسات حقيقية. وقال إنه مع هذه الانكسارات لثورة 25 يناير، إلا أن الانقلاب في ورطة وأزمة كبيرة بالرغم من محاولاته المستميتة لزرع الخوف من جديد في نفوس المصريين واستخدامه القوة المفرطة وتكتيكات الصدمة والترويع والاعتقال من أجل كسر إرادة خصومه وإخضاع المعارضين له. ودلل شاهين على انكسار الانقلاب بست علامات واضحة أولهم استمرار الحشد والتصعيد وخروج المسيرات بشكل منتظم ومتواصل ضد الانقلاب العسكري وحكومته المعينة واتساع نطاقها الجغرافي لتشمل الكثير من المحافظات والمدن والقرى، وهذا تغير نوعي لو قارناه بما حدث في ثورة 25 يناير حيث لم تتجاوز الثورة المدن والمحافظات الكبرى، كما أن هذا إنجاز تاريخي حيث تجاوزت الاحتجاجات الحاشدة أكثر من 90 يوما، كسرت بذلك العدد القياسي للاحتجاج الشعبي والذي وصل إلى 83 يوما في هندوراس . أضاف أن ثاني هذه الدلالات هو فشل القمع والترويع والاعتقالات وتلفيق التهم وانتهاكات حقوق الإنسان في كسر إرادة وثقافة الاحتجاج عند جموع كثيرة من المصريين الذين تحدوا ساعات الحظر وأبدعوا في احتجاجاتهم ومظاهر رفضهم بما رفعوه من شعارات وهتافات ورموز وأساليب للتعبير عن المعارضة السلمية للانقلاب الدموي وحكومته الغير شرعية، مشيرا إلى أنه لعل صورة طالبة الثانوي وهي ترفع شعار رابعة متحدية "تسلم الأيادي" وترويع أفراد الجيش والأمن لمدرسة بأكملها خير شاهد على إرادة التحدي والشوق للحرية التي لن تقمع. ثالثا: فشل الانقلاب حتى الآن في الحصول على اعتراف دولي، حيث لم يعترف به إلا خمس أو ست دول فقط على الرغم من كل ما حشده من جهود دبلوماسية واستعانته بإسرائيل للضغط على الدول الغربية للاعتراف به ومساندته، ولعل عجز الرئيس المعين من سلطة الانقلاب عن السفر لنيويورك والظهور أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أبلغ دليل على ما يعانيه الانقلاب من أزمة كبيرة في إحساسه بعدم شرعيته وعجزه عن تأمين الاعتراف الدولي به، بل أكثر من ذلك ، فإنه خلال فترة زمنية بسيطة سيتعذر على كثير ممن شارك في الانقلاب بأي صورة من الصور، أو من دعمه وسانده بالتحريض على العنف والكراهية، السفر لكثير من الدول الأوروبية بعد أن يتم ملاحقتهم قضائيا ودوليا لما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم وسينالون بإذن الله الجزاء العادل على جرائمهم في حق الشعب. وقال إن رابع هذه الدلالات هو فشل حكومة الانقلاب فشلا ذريعا في وقف التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد بالرغم من الهبات والمنح والقروض التي هبطت عليها من دول تآمرت على الثورة منذ اليوم الأول، أرادت المعارضة الانقلابية لإدارة الدكتور مرسي أن تصور أن مرسي كان السبب الرئيسي في تردي اقتصاد مصر، والآن رحل مرسي ولم يتحسن بل تدهور الاقتصاد أكثر، وخرجت العديد من التقارير التي تؤكد أن حالة الاقتصاد تحت إدارة الرئيس مرسي والدكتور هشام قنديل كانت أفضل بكثير من اقتصاد حكومة الببلاوي ومجموعته الاقتصادية العاجزة عن تحسين أحوال محدودي الدخل أو إحداث أي انتعاش أو نمو اقتصادي. وأوضح شاهين أن المواطن المصري سيفيق على هذه الحقيقية قريبا وسيدرك حجم الخدعة التي تعرض لها، خاصة بعد أن عاد "فتح الأدراج" في المصالح الحكومية وظهر أن الفساد ومحاربته والعدالة الاجتماعية ليسا من أهداف أو اهتمامات الحكومة الانقلابية، خاصة بعد إلغاء إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الفساد من دستور 2012، ولتعلم الدول مانحة القروض لهذه الحكومة غير الشرعية أن الحكومة الشرعية القادمة لن تكون ملتزمة بردها. وقال إن خامس هذه الدلالات هو الفشل في استعادة الأمن ودولة القانون واللجوء إلى القمع والطواريء والإجراءات الاستثنائية وانتهاك كرامة المصريين وحقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية، والاستمرار في الاستعانة بالبلطجية وحاملي السيوف والسنج والسماح لهم بالقبض على المواطنين، لافتا إلى أن استطلاعات الرأي أكدت أن غالبية المصريين أصبحوا لا يشعرون بالأمن والأمان، كما ظهر أن هذا التحالف الشيطاني بين الداخلية والبلطجية لن يمكن القضاء عليه مستقبلا دون تطهير لهذه المؤسسة التي تمثل عصب النظام القمعي ومصدر المهانة والذل للمصريين. أضاف أن سادس دليل هو الفشل الذريع في ضم القوى السياسية الحقيقية إلى خارطة الطريق وانحصار المشاركين فيها على قوى من لون وطعم ورائحة واحدة وكأن "الانقلاب يلاعب فريق أنصار الانقلاب"، ولضرورة تجميل الصورة فإنه يتم الاستعانة بقوى فاقدة للمصداقية مدفوعة برغبة التشفي من خصومها السابقين، الجميع يعلم من عين الرئيس المؤقت وعطل الدستور المُستفتى عليه وفرض خريطة الطريق سيئة السمعة وعين حكومة غير منتخبة وعين أعضاء لجنة الخمسين، ثم يكابرون بعد كل هذا وينكرون أن هذا انقلاب! وما تزال الحكومة الفاشية المعينة التي تتنفس الكذب كما تتنفس الهواء تلوح بالعدالة الانتقالية والمصالحة وتوظف الكثيرين للترويج لهذه الدعوات الفارغة، ذرا للرماد وسعيا للحصول على عفو عام عن الفلول بزعم امكانية "تصفير العداد واللي فات مات". وقال شاهين إن أي خارطة طريق وعدالة انتقالية ومصالحة وأي عفو عام تحت أسنة القمع والاستئصال وانتهاكات حقوق الإنسان وتلفيق القضايا بائر رجعي للخصوم السياسيين، ولهذه الأسباب سينكسر الانقلاب مهما طال القمع والإكراه والتضليل الإعلامي وتزوير الحقائق فإن الانقلاب زائل لا محالة وسيستعيد الشعب حريته ومساره الديمقراطي لأن في انكسار الانقلاب حرية ونجاة المصريين من الدولة الأمنية القمعية.