بقدر ما كانت "مظاهرات 30 يونيو" غطاء شعبياً لتنفيذ الانقلاب وبقدر فشل الانقلاب في تثبيت أركانه بسهولة وبسرعة حيث واجه تحدي لكسر إرادة هذا الانقلاب، فإن دموية هذا الانقلاب وفاشيته لم تتمكن من الاختفاء كثيراً، بل ظهر وجهها القبيح، وأكد حقيقة أهدافها - نمط وأسلوب اجتياح الاعتصامين وما سبقهما و تلاهما من إجراءات قمعية ومن تغييرات سياسية وقانونية تفضح مغالبة واستحواذ الفصيل الذي ساند الانقلاب بل دفع إليه وشارك في التخطيط له عن قصد أو لا إرادياً. من ناحية أخرى كشفت دموية الانقلاب دوافع وأهداف تدشين" الحرب على الإرهاب" واتخاذها ذريعة لتصفية المعارضة للانقلاب، وهذه الحالة الانقلابية تمثل عدواناً صارخاً على آليات الديمقراطية الوليدة منذ ثورة 25 يناير، وعلى قيمها: سيادة القانون، حقوق الإنسان، التعددية. تقول الباحثة في الشؤون السياسية د.نادية مصطفى "على من يعارضون إطلاق وصف الانقلاب على 30 يونيو، 3 يوليو عليهم أن يقفوا طويلا أمام خطاب وزير الدفاع يوم 24 يوليو فإذا لم يكن هذا انقلاب فماذا يكون؟!. وقالت الباحثة إن من بيان السيسي يؤكد أن من يدير الساحة السياسية منذ 3 يوليو وحتى الآن هو الجيش فقط والأهم أنه ليس الجيش الذي تدخل لحماية الأمن المصري ومنع الاقتتال الأهلي، ولكنه القائد العام للقوات المسلحة الذي دعا جزء من شعب مصر للاحتشاد لمواجهة جزء آخر من شعب مصر .. وهو الذي طلب تفويضا ليستكمل قمع وتصفية المعارضين للانقلاب وفي قلبهم التيار الإسلامي تحت ذريعة الإرهاب. أضافت هل لا توجد مقاومة لعنف وإرهاب الإسلاميين - المزعوم - غير إرهاب الدولة والشرطة؟ ألا توجد وسيلة أخرى غير الحلول الأمنية؟ أين ما ترددونه عن الحديث عن المصالحة منذ 3 يوليو؟. وقالت إن صمود معارضي الانقلاب في وجه الانقلابيين يبين كيف أن الانقلاب في مرحلة ضعف، فهو لم يستطع أن يدعم أركان النظام الانقلابي الذي جاء به، ولن يستطيع، إلا بعنف القوة المسلحة وعنف الدولة ضد معارضة سلمية حتى الآن. وتريد الدولة تصفية المعارضة وإقصاءها تحت غطاء وصفهاء بالإرهاب والعنف، وبالتحالف مرة أخرى مع ما يسمى بالشرعية الشعبية في الميادين. وعلى مدار الأسبوع هناك تحريض منظم وممنهج في الإعلام يستعدي الجيش والشرطة ويعبيء الجماهير ضد التيار الإسلامي ويشارك في هذا الاستعداء والتحريض مجموعات من النشطاء والحزبيين والمثقفين من العلمانيين بكافة روافدهم يقودهم روافد الناصرية والقومية الذين كشفوا عن الوجه القبيح لمشروعهم المعادي للمشروع الإسلامي، ذلك الوجه الذين ظلوا لأشهر طويلة من تنفيذ التخطيط الممنهج لإفشال د.مرسي وإسقاطه يحاولون إخفائه باسم الدفاع عن الديمقراطية، التي كانت الضحية الأولى لاستبداد زعيم مشروعهم عبد الناصر، وهاهم يضحون بالديمقراطية مرة أخرى تحت ذريعة تهديد التيار الإسلامي لها بعد أن سرق الثورة. وفي نفس الوقت فإن وجها ثانيا للعملة تم تجاهله وغض الطرف عنه تمام كما لو كان غير موجود، وهي الهجمات المنظمة التي يتعرض لها المتظاهرون وسقط خلالها شهداء، بدعوى أن من تصدى لها الأهالي الشرفاء الرافضين للإرهاب، في حين أن الحقيقة هي عودة الوجه القبيح القمعي لنظام مبارك للظهور متمثلا في صحوة جهاز الشرطة الذي كان غائبا ومنسحبل بل ومتآمرا كجزء من خطة إفشال د.مرسي وإسقاطه. وعلى ضوء المتابعة المنتظمة للوقائع والخطابات التي أعقبت الانقلاب العسكري نخلص إلى أن التحريض المتنامي والمتصاعد منذ ما قبل الانقلاب سواء على د.مرسي أو على الدستور إنما يدشن لحل أمني باستخدام القوة المسلحة أو استخدام العنف بكافة أشكاله المادية والهيكلية ضد المعتصمين والمتظاهرين تحت زعم أنهم يستخدمون العنف، فأي عنف يقصدون ومن الذي يمارس العنف؟ لقد أجاب السيسي بوضوح على السؤالين في بيان 24 يوليو عبر استخدام كثيف للمفردات: الإرهاب ضد الأمن القومي المصري. والعودة الجديدة للقمع في ظل الثورة المضادة على ثورة 25 يناير، وفي ظل عودة نظام مبارك ومسائه وفي ظل ما يسمى ثورة 30 يونيو وهي في مجملها ليست إلا ثورة مضادة وغطاء لعنف دولة منظم ضد من لايزالون بثورة 25 يناير ويعارضون الانقلاب ليس على د.مرسي فقط ، ولكن الانقلاب على هذه الثورة. ولم تكن بعض قطاعات من الشعب المصري في مظاهرات 30 يونيو إلى غطاء وذريعة وأداة، في حين كانت بضع قطاعات أخرى من هؤلاء المشاركين هم المخططون والمنفذون ضد ثورة 25 يناير وهو التخطيط الذي بدأ منذ 11 فبراير 2011 حين صمت وكمن أنصار مبارك وأخذوا يطلون برؤوسهم تدريجيا منتهزين الفرص وخالقين لها للانقضاض على ثورة 25 يناير بأهم سلاح وهو شق الصف الوطني. وتكمن خطورة استخدام العنف ضد المتظاهرين في أنه لن يؤدي إلى شيء إلا مزيد من شق الصف وفي النهاية فشل الانقلاب لأن العنف لغة الضعفاء.