بعد أن أعلنت إثيوبيا الشروع في بناء سد النهضة، تباينت ردود الفعل المنددة داخل مصر، وحمل عدد من السياسيين والناشطين الرئيس محمد مرسي مسؤولية الرد على هذه الخطوة، مطالبين إياه باتخاذ إجراءات عاجلة وفورية قبل بناء هذا السد كونه تهديدا للأمن القومي المصري الذي سيتضرر بنقص مياه النيل. ووسط هذه المطالبات، برز الحل العسكري كخيار للرد على التصعيد الإثيوبي، إلا أن القيادة السياسية لم تعط إجابات واضحة حول إمكانية الدخول في حرب ضد إثيوبيا، لكن في الوقت نفسه تعالت أصوات كثيرة في هذا الاتجاه من جانب عدد كبير من السياسيين سواء المؤيدين للرئيس مرسي أو المعارضين له من أجل الدفاع عن هيبة مصر وحقها في الحصول على حصتها كاملة من مياه النيل. إذاً هي الحرب !!.. الخيار الذي استطاع أخيراً أن يوحد الجبهة الداخلية التي تشتعل من حين لآخر وتحصد الأرواح في اشتباكات دامية بين أبناء الشعب الواحد.. إنها مرحلة فارقة في "مصر ما بعد الثورة".. نكون أو لا نكون" هي معركة حياة أو موت لا يمكن لأحد أن يقف ليعارض الذود عن كرامة بلاده.. لا يمكن لأي شخص أن يرضى بالسلم مقابل الموت عطشاً. لكن هل تدرك القيادة السياسية في مصر كل هذه المعاني أم تتمسك بالسلام القائم على الاستكانة والضعف؟ .. إذا كان الأمر كذلك فسنتلقى ضربات متتالية لاختبار قوتنا وردة فعلنا على غرار مذبحة الجنود في رفح.. حتى تضعف الجبهة الداخلية ويفقد الشعب الثقة في جيشه يوما بعد يوم. هنا، تبرز أهمية استغلال مثل هذه المواقف لتوحيد الجبهة الداخلية .. هذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه، هي ليست بدعة؛ فكل دول العالم تفتش عن عدوها، وإن لم تجده تعمل على "اصطناعه"، والولاياتالمتحدة خير مثال على ذلك في القرن الحادي والعشرين، فهي تحدد من حين لآخر استراتيجيات داخلية وخارجية قائمة على هذا المعنى، مثل "الحرب على الإرهاب"، و"محور الشر"، وتعمل من خلال ذلك على توجيه الرأي العام نحو أهمية الوحدة الوطنية وإعلاء قيم الولاء للوطن بعيدا عن أي خلافات سياسية أو أيدولوجية. وبالفعل، استخدمت الولاياتالمتحدة هذا العدو المصطنع لتبرير الحرب على أفغانستان والعراق، بل وعلى الإسلام أيضا، ونجحت في إظهار جبهتها الداخلية موحدة ومتماسكة. وعلى نفس الطريقة، تعتمد إستراتيجية إسرائيل في البقاء على فكرة العدو الخارجي الذي يضمن لها الوحدة الداخلية، فضلا عن تلقي الدعم العسكري والمالي من الدول الصديقة، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، حيث ضاعفت تلك الأخيرة المعونة الموجهة لإسرائيل عقب الثورة المصرية على اعتبار أن هناك "عدوا خارجيا" يجب الاستعداد للتعامل مع تداعياته على أمن ومستقبل الكيان الصهيوني. أما فكرة العدو الخارجي في إيران، فتأخذ منحى آخر يعتمد على أن "أمريكا الشيطان الأكبر"، ولابد من توحيد الجبهة الداخلية ضد هذا العدو، وهو ما ساعد هذا النظام على البقاء أطول فترة ممكنة بعيدا عن محاولات الاختراق الخارجية، بل وتبرير قمع المعارضين بدعوى خيانتهم للوطن. والاستدلال هنا باستراتيجيات الولاياتالمتحدة وإسرائيل وإيران، ليس أمرا قابلا للتطبيق من جانب مصر بهذا الشكل اللأخلاقي، بل للتأكيد فقط على نجاح هذه الاستراتيجية من الناحية السياسية. أما في حالة التوتر القائم بين مصر وإثيوبيا، فإن الأمر سيكون أكثر واقعية وسيأخذ بعدا أخلاقيا ودينيا وشعبيا، قائما على الدفاع المشروع عن النفس ضد "عدو" يهدد حياة شعب بأكمله، وهو أمر ستكون له ثمار إيجابية تجعل الجبهة الداخلية أكثر صلابة، ويعيد لمصر هيبتها ووضعها على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما سيدفع الشعوب العربية والإسلامية للوقوف إلى جانب مصر، وهو أمر سيجبر بعض قادة الدول العربية على تغيير مواقفهم من الثورة المصرية، والعمل في المقابل على تعزيز علاقات التعاون مع مصر، خاصة في المجال الاقتصادي.