خرجت علينا وسائل إعلام مصرية عديدة تبكي وفاة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، على أنه أحد أبطال نضال الشعوب في العالم، على الرغم من أنه وقف بقوة إلى جانب معمر القذافي وبشار الأسد في مجازرهما الدامية ضد شعبيهما. ولعل هذا الخداع الإعلامي في حقيقة "شافيز" لا يختلف كثيرا عن تزييف الحقائق التي نعيشها اليوم في مصر، ما بين الترويج لمن يحرق ويدمر على أنه "معارض سياسي شريف"، في مقابل الهجوم من جهة على أفراد الشرطة الذين يدافعون عن الممتلكات والأرواح، وحثهم من جهة ثانية على الإضراب بزعم أنهم يدفعون ثمن خلافات الرئيس مع القوى السياسية. وهذا التلاعب الخطير في المفاهيم هو في الأصل "لعبة إعلامية وسياسية قذرة" حولت الدمار والانفلات الأمني إلى "ثورة" من شأنها أن تطيح بشعب بأكمله قبل أن تُسقط الرئيس ونظامه، لأن من يراهن على أن الفوضى تقود دائماً إلى تغيير رأس النظام، لا يقدرون حجم القياس الخاطئ بين ثورة نظيفة قامت ضد حاكم مستبد، وبين أعمال قتل وعنف لإسقاط رئيس لا يجيد إدارة البلاد بالشكل الذي يحقق أهداف الثورة. لكن الإعلام وبعض القوى السياسية أرادت استنساخ التجربة القديمة بالسلاح والمال، بل واستطاعت أن تستغل نزول كثيرين من المتظاهرين الشرفاء إلى الشوارع، لإعطاء غطاء للبلطجية والصبية المأجورين، عبر استخدام عدة مصطلحات زائفة ترافق أعمال العنف التي يمارسها هؤلاء، بداية من كلمة "متظاهر" والتي تستخدم في الأخبار اليومية لوصف كل من يقف أمام الشرطة ويلقي المولوتوف ويحرق المنشآت، ثم لفظ "شهيد" الذي تم تعميمه على كل من يلقى مصرعه في الاشتباكات، حتى ولو كان مجرما مأجورا، وصولاً في النهاية إلى مطلب "القصاص". وكلها كلمات تتردد على مسامعنا يومياً من هذا الإعلام المضلل، ليس لأنه يزيف الحقائق فقط، بل لأنه يجعلنا لا نقدر قيمة عدد كبير من شباب الثوار الحقيقيين الذين لا زالوا يقدمون أرواحهم فداء لهذا الوطن. وإذا كان هناك كثيرون لا يعتقدون أن ما يحصل في مصر الآن هو جزء من الخداع الإعلامي، فسيأتي الوقت المناسب الذي تنكشف فيه كل هذه المخططات، ويسقط هذا الغطاء الذي سقط مؤخرا عن كثيرين من القادة السياسيين في مصر، كما سقط عن "زعماء" في العالم العربي مثل حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، الذي تعاطفنا معه كثيرا وكنا ننتظر خطاباته ونصفق له، ونرى فيه زعيما عربيا قوميا إسلاميا، قبل أن يتحول لاحقا إلى سفاح يعترف علناً بقتل العرب والمسلمين في سوريا لنصرة حليفه بشار الأسد. ولعلها عظة لنا جميعاً بألا نبني حباً أو كرهاً من خلال هذه الشاشة العوراء التي ترى دائماً بعين مالكها.